«العربي المثالي» في فرنسا يتوب عن «ساركوزيته»

أمين بنعالية يصدر كتابا في باريس يكشف فيه خفايا المزحة العنصرية لوزير الداخلية

TT

إنه المهاجر العربي «المثالي» الذي لم يحمِه انتماؤه إلى الحزب الحاكم في فرنسا من الوقوع ضحية لسخرية عنصرية زل بها لسان وزير الداخلية بريس هورتفو. وها هو أمين بنعالية بروش يعود إلى تلك الواقعة التي جرت في صيف العام الماضي ووضعته في قلب فضيحة سياسية لم يكن له ذنب فيها سوى أنه ذو بشرة سمراء ويحمل اسما عربيا.

حول تلك الواقعة ينشر أمين بنعالية كتابا يصدر في باريس اليوم بعنوان «اعترافات ساركوزوي تائب»، يكشف فيه تفاصيل الضغوط التي تعرض لها، حينذاك، لكي يدافع عن الوزير ويزعم، أمام وسائل الإعلام، أن هورتفو لم يكن يقصد العرب، بل مجرد مزحة عن سكان منطقة الأوفرن، وسط فرنسا، في تلك العبارة التي اقتُطعت من سياقها. وهو قد شرح في عدد من المقابلات التي نشرت معه أنه عاش فترة من القلق والخوف، وراجع نفسه، وقرر أن يكتب كتابه هذا كنوع من الاعتذار للجمهور عن تواطئه مع الوزير وموافقته الاشتراك في التغطية على زلة لسانه، رغم إيمانه بأن ما بدر عن هورتفو هو عبارة تنم عن عنصرية خالصة.

يومها، كان الوزير يحضر ما يسمى بالجامعة الصيفية لشباب الحزب، التي عقدت في بلدة سينيوس، جنوب غربي فرنسا، ويدور مع مرافقيه ليصافح الحاضرين. ولما جاء دور أمين قدموه له على أنه العربي المندمج في المجتمع الفرنسي، فما كان من هورتفو إلا أن قال: «لا بأس عندما يكون هناك واحد، لكن المشكلات تحدث عندما يكونون كثيرين». ولم يكن الوزير يدرك أن كاميرا التلفزيون تسجل كلامه بالصوت والصورة. وسرعان ما تحولت تلك اللقطة إلى فيلم يشاهده الملايين على موقع «يوتيوب». وكانت العبارة العنصرية سببا في تقديم شكوى قضائية ضد وزير الداخلية الذي أدانته المحكمة بدفع غرامة قدرها 750 يورو وتعويضا قدره 2000 يورو، لكنه استأنف الحكم ومن المقرر أن تعقد جلسة الاستئناف خلال الشهر المقبل. وفي حال برأت المحكمة الوزير في الدعوى التي أقامتها ضده جمعية فرنسية مناهضة للعنصرية، فإن أمين بنعالية لا يستبعد احتمال أن يتقدم بنفسه بدعوى ضد هورتفو.

بعد خمسة أيام من الحادثة تلقى أمين اتصالا من أحد مسؤولي الحزب الذي طلب إليه تسجيل شريط فيديو مضاد لكي يراه الناس ويسمعوا صوته وهو ينفي تهمة العنصرية عن وزير الداخلية. كما أملى عليه مسؤول آخر نص تصريح صحافي يتوجب عليه الإدلاء به للدفاع عن هورتفو. وهو يكشف أن الوزير استقبله في مكتبه بعد شهر من الحادث، وأخبره بأن القضية يجب أن تنتهي، وسأله عن أحواله ووعده بإيجاد عمل له لأنه كان قد فقد عمله. لكن الوزير لم يعتذر عن تلك العبارة. ثم عاد واستدعاه إلى مقابلته قبل النظر في الدعوى القضائية، ويومها وجد أمين سيارة مع سائقها في انتظاره عند نزوله من القطار القادم إلى باريس، وتم اقتياده إلى وزارة الداخلية حيث تم التفاوض معه وتقديم نصائح تتعلق بأقواله أمام القاضي. وقال له الوزير إن خير الكلام ما قل ودل، والأفضل أن يلزم الصمت ولا يدلي بأي كلام لوسائل الإعلام. ولما حاول «المجني عليه» طمأنة الوزير إلى أن احتمالات إدانته واهية، رد هورتفو: «حيثما توجد العدالة يوجد الخطر».

من يومها، يقول أمين «المناضل العربي المثالي» إنه عاش سنة قاسية انتهت بأن ترك حزب ساركوزي «التجمع من أجل حركة شعبية» والتحق بأنصار رئيس الوزراء السابق دومينيك دو فيلبان، معتبرا أن الحزب الحاكم يشط نحو اليمين المتطرف لدواعٍ انتخابية. وهو يرى أن تغطيته السابقة على هفوة الوزير كانت نوعا من الخيانة لمعتقداته، وهي قد أضرت به وبعائلته وجرحت آلاف الفرنسيين من أصول عربية، الذين شعروا بأنهم مقصودين بعنصرية وزير الداخلية. لذلك يريد من الوزير أن يقدم اعتذارا علنيا لهم.