موجة البرد تحبط تظاهرة «يوم التنورة» في باريس

دعت إليها جمعية مساندة لحق المرأة في أن ترتدي ما يحلو لها

سروال أم تنورة؟ (رويترز)
TT

في الساحة المجاورة للمبنى التاريخي لجامعة السوربون في باريس، كان بإمكان الجالسين وراء زجاج المقاهي أن يشاهدوا أفواج الطلاب المتوجهين إلى صفوف الدراسة، في نهار غائم وقارس البرد. إنه «يوم التنورة» في فرنسا، أي حركة التمرد التي دعت إليها جمعية «لا غانيات ولا خاضعات» المدافعة عن حقوق النساء، وخصوصا الشابات الساكنات في الضواحي العمالية. متى كان التمرد يقوم على ارتداء التنورة بدلا من السروال؟ ألم تكن استعارة المرأة للبنطلون الرجالي انتفاضة سجلها التاريخ في خانة المساواة؟

من بين كل مائة طالبة تسير في اتجاه السوربون مرتدية «الجينز»، كانت هناك واحدة ترتدي التنورة التي تصل إلى الركبة وتحتها جورب سميك يقي من البرد. لقد فشلت الحركة الداعية إلى حث الشابات على ارتداء ما يحلو لهن وما يبرز جمالهن. وبدل أن تنبت في باريس غابات من السيقان العارية، كانت الأشباح السوداء والزرقاء القاتمة المتلفعة بالمعاطف والشالات تقطع، على عجل، أزقة الحي اللاتيني وجادة «السان جيرمان» وشارع «الشانزليزيه». لقد فرضت موجة الصقيع التي تتعرض لها العاصمة الفرنسية زيا موحدا على الرجال والنساء، وظل السروال سيد الموقف.

مضت سنوات طوال منذ أن كان المصممون قد فرضوا «الميني جيب» على نساء الشرق والغرب. وشهدت فرنسا بالتحديد، ظهور زي خاص تعتمده، في الأساس، طالبات المدارس الثانوية والجامعة، يقوم على ارتداء بنطلون «الجينز» وفوقه معطف، أسود اللون في الغالب، يصل إلى الركبتين. وعندما يدخل الزبون إلى أي متجر من المتاجر المتخصصة في أزياء المراهقات والشابات، مثل «ناف ناف» و«مانغو» و«إتش أند إم»، فإن أول ما يلفت النظر هو طغيان اللون الأسود على معظم المعروضات. وقد وجدت بنات الجيل الثاني من المهاجرين المغاربة والأتراك في هذه القتامة حلا مناسبا للأوامر والنواهي التي يفرضها الأهل، وخصوصا الأشقاء، التي تمنع ارتداء ما يلفت النظر أو يبرز ملامح الأنوثة أو يكشف عن الساقين.

في غفلة من الزمن الباريسي المشرق والمتفتح، صارت التنورة لباسا ملعونا ويكاد يغيب من أدراج المتاجر وينزوي في الأقسام المخصصة للسيدات الكبيرات في السن أو البدينات اللواتي لا يتمكن من ارتداء السروال، أو للموظفات الملتزمات بقيافة رسمية في بعض المهن، كالمحاكم والمصارف وإدارات المدارس. وبات من الشائع في الضواحي التي تقطنها غالبية من المهاجرين أن يقف المراهقون عند أبواب الأبراج السكنية وعمارات ذوي الدخل المحدود لكي يسمعوا من تتجرأ وترتدي التنورة كلاما قاسيا ونعوتا تصفها بالخلاعة. وكانت حجة العائلات المهاجرة أنها لا تريد أن تتشبه بناتها بالفرنسيات. ولعل الشكاوى التي تلقتها جمعية «لا غانيات ولا خاضعات» من مئات الفتيات لفتت انتباهها إلى تلك المضايقات واعتبرتها تحرشات منافية للحرية الشخصية ومناقضة لنزوع المرأة الشابة إلى أن تكون جميلة وترتدي ما يناسب شبابها.

وحتى الفرنسيات تخلين عن التنورة بعد أن تزايدت حوادث الاعتداءات على النساء في الكثير من المدن الكبيرة. وصارت المرأة التي تنوي التأخر في العودة إلى بيتها، لأي سبب من الأسباب، تتفادى الثياب القصيرة والكاشفة، تفاديا للمشكلات في أنفاق المترو أو الأزقة الخالية من المارة. وهناك من اعتمدت السروال في خزانة ثيابها وطردت التنورة منها نهائيا توخيا للراحة. فهي غير مضطرة إلى صك ركبتيها عند الجلوس ولا إلى المشي بخطوات قصيرة ولا إلى التعرض للحرج عند الصعود على درج حافلات النقل العام أو القفز فوق بقعة من مياه الأمطار. وعموما، فإن الشابات يفضلن أناقة السروال على الاضطرار إلى ارتداء تنورة طويلة تصل إلى الكاحل، بناء على رغبة الأهل. لكن الناشطات في جمعيات الدفاع عن حقوق المرأة لهن رأي آخر، وهن يعتبرن أن قمع النساء عن ارتداء ما يروق لهن هو شكل من أشكال التمييز الجنسي الذي لا يسمح به القانون في فرنسا.

ثم دخلت الممثلة الفرنسية إيزابيل أدجاني على الخط. وعدا عن أن أدجاني مولودة من أب جزائري هاجر إلى فرنسا، فإنها عرفت بمواقفها في الدفاع عن حرية التعبير والانتصار للمقهورين. وقامت الممثلة الحسناء بدور يختلف عن أدوارها السابقة في فيلم بعنوان «يوم التنورة»، أدت فيه شخصية معلمة في مدرسة ثانوية من مدارس الضواحي الفقيرة، تضطر إلى استخدام العنف لكي تدافع عن حقها وحق طالباتها في ارتداء التنورة، ضد الهيمنة الذكورية للطلاب. كان الفيلم ملهما لتخصيص يوم يستعير العنوان نفسه، توجه فيه الدعوة إلى عموم النساء للنزول إلى الشوارع ومقرات الدراسة والعمل بالتنورة الأنثوية، لا بالسروال الرجالي. وتم تحديد الخامس والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) موعدا لـ«يوم التنورة» في فرنسا.

إنه الموعد الخطأ في الموسم الخطأ. ولعل هذا هو السبب في عدم استجابة عموم النساء للنداء. ولو كان الموعد قد تحدد في الصيف فإن نجاح الدعوة يمكن أن يأخذ فرصة أفضل. والطريف في الأمر هو ما نشرته، بهذه المناسبة، المجلة النسائية الملحقة بجريدة «الفيغارو» عن ميل فئة من الرجال إلى ارتداء التنورة، على الطريقة الاسكوتلندية أو على طريقة الدشداشة الخليجية أو الجلباب المغربي. والسبب، ببساطة، الشعور بالمزيد من الراحة. وختمت المجلة تقريرها باستفتاء على شكل سؤال وجهته إلى قارئاتها: «هل تحبين رؤية المزيد من الرجال بالتنورة؟».