«دار الكتب» المصرية تشعل 140 شمعة في احتفالية ثقافية بيوم مولدها

عمل بها توفيق الحكيم وأحمد رامي وتضم كنوزا من المخطوطات وكتب التراث

الطراز المملوكي سمة اساسية بالدار («الشرق الأوسط»)
TT

تحتفل مصر اليوم بمرور 140 عاما على إنشاء «دار الكتب» المصرية، التي أنشئت عام 1870 تحت اسم «الكتبخانة الخديوية» كأول مكتبة ومنارة وطنية في العالم العربي، لما تقتنيه من كنوز ثقافية نادرة ومتنوعة ما بين: مخطوطات، وبرديات، وأوائل المطبوعات، ودوريات، ولوحات فنية، وعملات أثرية.. وغيرها من المقتنيات.

اختارت الدار لاحتفالها الذي سيستمر على مدى ثلاثة أيام عنوان «دار الكتب المصرية.. 140 عاما من التنوير»، وذلك بمشاركة نخبة من المفكرين والمختصين من مصر والدول العربية والأجنبية، بينهم كوكبة من رؤساء المكتبات الوطنية، والشخصيات العامة من مختلف دول العالم، كما تشهد الاحتفالية إعادة طباعة مجموعة من الكتب النادرة مثل: «الشهنامة»، و«عيون الأخبار»، و«أصول نقد النصوص»، و«تاريخ المساجد الأثرية»، و«محاضرات في أوراق البردي العربية».

يرجع إنشاء «الكتبخانة» إلى الأمر العالي رقم 66 الذي أصدره الخديو إسماعيل بتأسيسها في 20 من ذي الحجة 1286هـ (23 مارس «آذار» 1870م) في سراي مصطفى فاضل باشا بدرب الجماميز بحي السيدة زينب لتكون مقر المكتبة، بينما تغير اسمها في عهد الخديو عباس حلمي الثاني من «الكتبخانة الخديوية» إلى «دار الكتب الخديوية».

وفي عام (1317هـ - 1899م) اختار الخديو عباس حلمي الثاني نهاية السور الجنوبي للقاهرة الفاطمية القديمة مكانا لوضع حجر الأساس لمبنى يجمع بين الكتبخانة الخديوية ودار الآثار العربية (المتحف الإسلامي حاليا) في ميدان باب الخلق، ليصبح نموذجا مثاليا للعمارة المملوكية بكل مفرداتها التي تلازم هذه المقتنيات التراثية المقرر وضعها في ذلك الصرح المسمى «الكتبخانة» أو «دار الكتب» حاليا. ولأهمية «الكتبخانة» الخديوية كأول مكتبة وطنية في العالم العربي، حرصت الحكومة المصرية على إعادة ترميمها وتطويرها بشكل يلائم مكانتها العلمية والمعمارية والتاريخية، فبدأت وزارة الثقافة منذ عام 2000 برسم خطة تطوير لها تحمل رؤية معاصرة قادها ونفذها المهندس أحمد مصطفى ميتو الذي ظل طوال 6 سنوات متواصلة يمزج بين طرازين معماريين لكل منهما عناصره الخاصة، التي قد تتناقض مع الآخر. فبحكمة بالغة استطاع المزج بين الطراز المملوكي بزخارفه الكثيفة المحفورة بعناية على الجدران الحجرية الشاهقة، والطراز الحديث الذي يُعلي من قيمة التجريد في المعالم والتفاصيل وتقتصر مفرداته على خامات أكثر معاصرة كالزجاج والاستانلس والخشب، وبذلك تحول التناقض الواضح بين الطرازين إلى تقنية حديثة لفنون العمارة المعاصرة.عالج ميتو كذلك فكرة الصرحية التي طالما انتمت إليها الطرز المعمارية القديمة، بوضع خطوط هندسية مجردة تكسر حدود الفراغ وتتفاعل معه في نفس الوقت بفنية مميزة الصنع والتنفيذ، حيث أطلق العنان لخياله ليحول الفراغ الفسيح بالدار إلى طائر ضخم، يبدأ جولته من النافذة التي تعلو البوابة ويحلق بين الأعمدة الحجرية الشاهقة فيسبح في المكان كله، وهو يضرب بجناحيه كتشكيل مجسم يلف الفراغ ويحيط المكان بتناغم هرموني فني يتناسب مع طبيعة المكان الخاصة.

هذا الطائر صنعه المعماري المعاصر من الاستانلس والزجاج المسنفر، مؤكدا به وظيفة معمارية مهمة فهو يحمل بداخله وصلات ومواسير التكييف والإضاءة، كما تتبدى وظيفته الفنية ككتلة مجنحة تحمل أبعاد الحركة والاتزان والتفاعل مع الفراغ، كما يحمل أيضا رسالة خطية كتبت بطريقة فنية على الزجاج المسنفر باللونين الأبيض والأسود، تتضمن أشعارا لرواد الشعر العربي الفصيح أمثال الشابي والمتنبي وابن الفارض وغيرهم. اختار من أعمالهم ما يمت إلى النصائح والحكم العامة التي تمس مشاعر كل فرد يرتاد «الكتبخانة»؛ فمنها قول أبو القاسم الشابي: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر إلى جانب الكثير من الأشعار المناسبة لوظيفة المكان، التي تؤيد العلم وترفع من شأنه أو تتغزل في نوره وإشعاعاته التي لا تنطفئ أبدا. ولكي لا يظل طائره وحيدا محلقا بمفرده في هذا الفراغ الفسيح فإنه لجأ إلى انكسار فني آخر يتمثل في الكباري الاستانلس الطائرة التي تؤدي دور الجسر للعبور من قاعة لأخرى بما يسمح أيضا بالعرض المتحفي لرؤية روائع تصميم المكان الحديثة والقديمة معا، وكيفية إظهار معالم المعمار المملوكي بشكل جمالي رائع من خلال التوزيع المميز للإضاءة في ساحة الدار؛ بداية من البهو ومرورا بالطابقين الآخرين، حيث يتضمن المبنى 17 قاعة بخلاف مكاتب المسؤولين والموظفين والمخازن، وقاعات الأنشطة والمسرح المكشوف، فقد أصبح لكل قاعة طابع مميز يشير إلى دورها الوظيفي، فقاعات الاطلاع مثلا أضفى على تصميمها بعض الخصوصية والهدوء وبساطة التصميم الذي تم اختصار خطوطه إلى أبعد الحدود، ليمنح المكان اتساعا ملحوظا كما يجعل الفراغ الدائري الذي يلف المناضد دافئا. هكذا تهيأت «دار الكتب» لاستقبال عصر جديد، فكما قال المدير العام لها الدكتور صابر عرب، إن نشاط «دار الكتب» حاليا سيستوعب كافة الأنشطة الثقافية والفنية في الساحة العربية ككل، من ندوات ومؤتمرات ومعارض، بالإضافة إلى الخدمات التي تقدمها بتقنيات عالية وتكنولوجيا متطورة لجميع الدارسين وبطرق عرض حديثة للمراجع والموسوعات العلمية والتاريخية والأدبية، من أجل الحفاظ على هذه الثروة التاريخية التي تضمنها «الكتبخانة».

ومن أشهر الشخصيات التي عملت بـ«دار الكتب»: الكاتب أحمد لطفي السيد (1915 - 1918)، والأديب توفيق الحكيم (1951 - 1956)، والشاعر أحمد رامي وكان وكيلا لـ«دار الكتب»، كما عمل بها الشاعر صلاح عبد الصبور (1979 - 1981).