ألمانيا: عمليات زرع أعضاء وأخرى تجميلية للحيوانات

2.7 مليار يورو لإطعامها و500 مليون لرعايتها صحيا

حسب إحصائية اتحاد شركات صناعة أغذية الحيوانات فهناك اليوم في ألمانيا نحو 23 مليون حيوان أليف عدا عن الزواحف والأسماك والحشرات والحيوانات الصغيرة الأخرى
TT

إذا كان الحيوان الأليف صديق الإنسان الوفي في مطلع القرن العشرين، فإنه أصبح أحد أفراد العائلة في مطلع الألفية الثالثة، وليس ذلك حسب قناعة أصحاب الحيوانات الأليفة أنفسهم فحسب، وإنما حسب قناعة أطباء الحيوانات (البيطريين) أيضا. بل إن دراسة لجمعية الرفق بالحيوان في ألمانيا تقول إن الحيوان الأليف صار أهم من أفراد العائلة الذين يعيشون خارج المنزل مثل الأعمام والخالات.

وعندما أصبح صاحب الأرجل الأربع أحد أفراد العائلة فمن الطبيعي حينها أن ترتفع ميزانيته الشهرية لتقترب من حصة بقية الأفراد، وهذا ما يحصل بشكل ملحوظ في العقود الثلاثة الأخيرة من هذا الزمن. وتتألف ميزانية الحيوان من الطعام، تكاليف الرعاية الصحية، اللوازم الأخرى مثل السلاسل والبيوت والكرات والعظام الصناعية والأسرة وصناديق النقل وتكاليف السفر وتكاليف السكن في بيوت رعاية الحيوانات (عند سفر أصحاب الحيوان)، وأخيرا الضرائب المفروضة عليها والغرامات الناجمة عند خرقها للقانون وبالتالي الضريبة على القيمة الإضافية التي تبلغ 19 في المائة من كل شيء يشترى لها.

وحسب إحصائية اتحاد شركات صناعة أغذية الحيوانات فهناك اليوم في ألمانيا نحو 23 مليون حيوان أليف عدا عن الزواحف والأسماك والحشرات والحيوانات الصغيرة الأخرى. وتتربع القطط على عرش أكثر الحيوانات شعبية في بيوت الألمان، فيبلغ عددها أكثر من 8 ملايين قطة، ثم الكلاب 6 ملايين، تليها الحيوانات الصغيرة (الأرانب والطيور.. إلخ) 9 ملايين. وتكلف تغذية هذه الحيوانات الألمان نحو 2.7 مليار يورو سنويا، علما بأن هذا الرقم يشمل الأغذية المصنعة في المعامل والمباعة في الأسواق ولا يشمل تكلفة الطعام المصنع في البيت. أما اللوازم الأخرى لتربية الحيوانات، مثل الأقفاص والسلاسل.. إلخ فتكلف 909 ملايين يورو سنويا، يضاف إليها نحو نصف مليار يورو تكلفة تطبيب الحيوانات ورعايتها صحيا.

نقابة الأطباء البيطريين في ألمانيا رصدت ارتفاع مدخولات أطبائها خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين بنسبة 30 في المائة، مع زيادة ملحوظة في المبالغ التي يخصصها أصحاب الحيوانات لرعاية حيواناتهم. وهكذا، لأول مرة، صار أطباء الحيوانات يتفوقون على الكثيرين من أطباء البشر من ناحية المدخول.

ورصدت النقابة الكثير من العمليات الجراحية للحيوانات التي ما كان إنسان النصف الثاني من القرن عشرين مستعدا لتحمل تكاليفها. إذ تجرى اليوم آلاف عمليات زرع الأعضاء، مثل الكلية وزراعة بديل الخصيتين، وزراعة العظام، وخصوصا عظام الحوض، ناهيكم عن عمليات القلب وزرع القلوب الاصطناعية واستبدال صمامات القلب.

وتصف جمعية الرفق بالحيوان ما يحصل اليوم «بالمدهش» و«الإنساني» لأن عملية زرع مساعد للقلب (بيسميكر) تكلف 1200 يورو، عظام حوض جديد للكلاب 2000 - 3000 يورو، عمليات تصحيح انزلاق فقرات 1000 - 2500 يورو.

الطبيبة استرد بير، من قسم جراحة قلب الحيوان في جامعة هامبورغ، تتحدث عن نشوء قسم طبي كبير في البيطرة. وتقول إن أصحاب الحيوانات، اعتزازا منهم بها، مستعدون لدفع مبالغ خيالية لقاء التدخل الجراحي الذي كان مخصصا يوما للإنسان. ويتخصص هذا القسم في تصحيح صمامات القلب عند الحيوانات الأليفة مقابل 1500 يورو كل مرة. ناهيكم عن عمليات سد الثغرات الولادية في القلب مقابل 1000 يورو.

أما عيادة جامعة جيسن في ولاية هيسن فاختارت أن تتخصص في عمليات إعادة الأمل بتناسل الحيوانات وخصوصا للكلاب والقطط. وتتخصص جيسن في عمليات زرع بدائل للخصي في الكلاب والقطط المخصية، بسبب قوانين الدولة كمثل، مقابل 400 يورو فقط.

أما عيادة جامعة تاونوس (جنوب) فتتخصص في رعاية أسنان الحيوانات وتضمن سعادة الكلب وصاحبه، من خلال تقوية أسنان الكلب بسلسلة بشبكة حديدية مقابل 1500 يورو.

وكانت الحيوانات اللبونة تموت قبل 30 سنة بسبب داء السكري، لكن العيادات البيطرية تعالجها اليوم بحقن الإنسولين، وتوفر لها حمية غذائية تشبه البرنامج الغذائي للمصابين بالسكري من البشر. كل هذه الأدوية والعلاج يتحملها صاحب الحيوان بالطبع.

ولأن معظم الحيوانات «مرضى خصوصيون»، أي إنهم مُؤمَّنون شخصيا وغير مشمولين بالتأمين الصحي الإلزامي الحكومي، فإن أسعار العلاج تبقى مفتوحة. فالتأمين الصحي على الحيوانات لا يشمل في ألمانيا عام 2009 سوى 1 في المائة من هذه الحيوانات، وأن ارتفاع هذه النسبة إلى 20 في المائة خلال 10 سنوات سيعني نشوء قطاع كبير من شركات التأمين الصحي على الحيوانات. ومعروف أن تأمين الكلاب صحيا يصل إلى 10 يورو في الشهر، حسب سن ونوع الكلب، وهذا يعني أن كل صاحب كلب مؤمَّن عليه يخصص 120 يورو سنويا للتأمين الصحي.

الوضع في الولايات المتحدة تطور على نحو أفضل بفضل رواج عمليات التجميل للحيوانات الأليفة. وتتحدث التقارير الصحافية هناك عن رواج عمليات زرع الشعر، شفط الشحوم، شد تجاعيد الوجه.. إلخ. لكن جمعية الرفق بالحيوان الألمانية تعتقد أن مثل هذه الممارسات لا أخلاقية وتحظر على الأطباء البيطريين إجراء العمليات التجميلية من هذا النوع. كما ترفض الجمعية عمليات زرع الأعضاء الحيوية بسبب شكوكها في مصدر الأعضاء الحيوية المطلوبة، واعتقادها أن ذلك قد يجري بشكل لا قانوني ولا أخلاقي أيضا. وهذه الحال تدفع الكثير من الأطباء الألمان لتلبية رغبات زبائنهم سرا أو إرسال الحيوانات إلى الولايات المتحدة.

هذا الحظر «الأخلاقي» دفع الألماني توماس. ر إلى معالجة هره «ماكسي» في الولايات المتحدة وتكلف بالتالي أكثر. دفع توماس. ر في الولايات المتحدة مبلغ 7000 يورو لعملية زرع كلية جديدة للقط، تضاف إليها طبعا تكاليف سفره وإقامته هناك. ومومنيكا جريمر العاطلة عن العمل دفعت مبلغ 400 يورو لتأهيل كلبها المخصي «تينشن» للتناسل من جديد. وداغمار كونتيزر متقاعدة، وتقوى بالكاد على رعاية نفسها صحيا ضد داء السكري، لكنها تدفع 186 يورو شهريا للطبيب البيطري كي يعالج كلبتها «بيتي» التي التقطت مرضا طفوليا استوائيا خلال رحلتهما المشتركة إلى مصر.

عموما، المتوقع هو نشوء قطاع اقتصادي صحي جديد يتألف من بنوك الدم الحيوانية، بنوك الأعضاء الحيوية، شركات التأمين الصحي، شركات صناعة الأدوية.. إلخ، فعدد هذه الحيوانات سيزداد، وتزداد أهميتها، مع تحول المجتمع الألماني التدريجي إلى مجتمع متقاعدين.