لمياء صفي الدين ترقص من وحي أسطورة «ليليت» على أنغام أم كلثوم

من أجل امرأة عربية أكثر حرية وأقل إغراء

لمياء صفي الدين أثناء تقديم عرضها «ليليت» في بيروت («الشرق الأوسط»)
TT

آتية من فرنسا، حطت لمياء صفي الدين في بيروت، وقدمت عرضها الراقص «ليليت» ليومين متتاليين في مسرح «مونو»، قبل أن تنتقل إلى مدينة صور لتقديم حفل إضافي. العرض يشبه مسار صاحبته، فهو خلطة تستوحي ثقافات من العالم، ليس في طبيعة الحركة فقط، وإنما في الأزياء التي شكلت العمود الفقري للاستعراض.

وحدها على المسرح هذه الراقصة المولودة في غينيا.. كبرت في المغرب وعاشت في لبنان وساحل العاج، ومرت في البرازيل، قبل أن تستقر في باريس. عادت إلى بلدها منذ أيام محملة برغبة في تقديم عرض لرقص عربي معاصر، كما جاء في الدعوة.

وهي تحمل سلة على رأسها، وتلبس رداء طويلا فضفاضا، أقرب إلى الغجري، دخلت لمياء المسرح. ضربة القدم آتية من فلامنغو إسبانيا، وحركة اليدين قد تشعرك بأنك أمام استيحاء هندي كما إيماءات الوجه، فيما يتمايل الجسد على الطريقة العربية. هذا العرض قدم في فرنسا بمناسبة «يوم المرأة العالمي كتعبير عن عذابات» النساء ونضالهن من أجل الحرية، أوروبيات كن أم عربيات. فأسطورة «ليليت» المرأة الأولى، ألهمت هذه الراقصة لتقدم رؤيتها الخاصة لحكايات النساء المتشابهة، في تمردهن على الظلم ومحاولتهن الخروج من شرنقة الرجل التي تحاصرهن.

توالت الوصلات على مسرح «مونو» في بيروت، على أنغام متنوعة.. فمن مارسيل خليفة إلى عابد عازارية، وربيع أبو خليل، كما فيروز وأم كلثوم، والتي تتداخل كلها مع غناء أوبرالي غربي، أو لحن للفرنسي الشهير جاك بريل.

الواجهة الخلفية للمسرح شاشة مضاءة تتغير عليها الزخارف والأشكال الهندسية تبعا للطقس الذي تريد أن تدخلنا به الراقصة. فهو تجريدي مرة، وزخرفي إسلامي مرة أخرى، وقد يتحول إلى دوائر متداخلة لا تكف عن الدوران حول نفسها حين تقرر صفي الدين أن تدور هي الأخرى على المسرح كما المتصوفة في حلقة ذكر لا يتعب دراويشها.

تخلع الراقصة رداءها الأحمر الفضفاض لتكشف تحته عن رداء آخر أسود، هذه المرة، في وجود أقراط الأذن والقلادة الكبيرة المتدلية من الرقبة، كما طبيعة الرقص على موسيقى إيقاعية تحيلنا إلى المغرب العربي. تعود لمياء صفي الدين إلى سلتها التي دخلت بها المسرح في كل مرة لتأخذ منها عدتها، من مصاغ أو ألوان تبدل بها هيئة الوجه، فيما الملابس يتكشف واحدها بعد الآخر، لنعرف أن الراقصة ارتدت أثوابها الطويلة فوق بعضها بعضا، لتخلع واحدها تلو الآخر، في محاولة لإدهاش البصر.

وحين تبدأ أغنية أم كلثوم لا بد من الوشاح الحريري، الذي يجعلنا نعود إلى صميم الوسط العربي، برقصه المعهود، لكن لمياء صفي الدين تركز في حركتها على اليدين والرجلين والوجه، وكأنما هي ترفض ما يسمى في الغرب رقص «هز البطن». وتقول لـ«الشرق الأوسط» إنها ترفض تسمية الرقص الشرقي من أساسها، وهي تقدم رقصا عربيا يختلف عن رقص الكباريهات الذي انتشر، حسب رأيها، مع دخول الجنود الفرنسيين مصر مع نابليون بونابرت، حيث كان هذا النوع من الرقص يقدم لهم في الأماكن العامة التي يرتادونها، وبقي في المخيلة الغربية حيا، فيما لم تحظ كل فنون الرقص العربي الأخرى بالاهتمام.

الاستيهامات الغربية حول جسد المرأة المغري والمستباح في لوحات المستشرقين الغربيين تعتبرها لمياء صفي الدين «استفزازية، ومرفوضة، يجب أن تقاوم بمشهد آخر للرقص العربي، الذي يمكن أن نشاهده في المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج». وهي فنون غنية، تقول إنها اكتشفتها من خلال تسفارها.

لكن السؤال: هل الذي تقدمه لمياء صفي الدين، أو على الأقل ما قدمته في بيروت، هو رقص عربي أم رقص هجين يصعب تحديد هويته؟ طغيان الهوية العربية على العرض واضح، لكنه لا يخلو من هجانة كبيرة، قد تكون مقصودة أو غير مقصودة، لكنها تترك المتفرج في حيرة.

تركز صفي الدين في عرضها ذي النزعة التجريبية على الأزياء كعنصر أساسي في العرض، وهي ماهرة في ذلك. الغلالة الطويلة التي استخدمتها كسجادة تسير عليها مرة، وكثوب تلف نفسها به مرة أخرى، أو تحوله إلى أرجوحة لعمل تشكيلات بصرية، هو مما تجيده جيدا هذه الراقصة الراغبة في تقديم ما هو مختلف.

ما بين المغربي والخليجي، والتأثيرات الأندلسية كما البرازيلية، وإيماءات الهند ودلال المرأة العربية، تجد لمياء صفي الدين ضالتها في النهاية على إيقاع موسيقى جاك بريل الهادئة، وأغنيته التي تقول:

«في الساحة التي تنعم بدفء الشمس، هناك فتاة شرعت ترقص، وتدور حول نفسها شبيهة براقصات العصور الغابرة. المدينة تئن تحت وطأة الحر، وقد راح الرجال والنساء نصف نيام يتأملون عبر زجاج النوافذ تلك الفتاة التي ترقص في عز الظهيرة».