أعمدة إيطالية لإنقاذ جامع «بيبرس» الأثري بالقاهرة من الانهيار

بعد 743 عاما من تشييده تحول إلى خرابة ومقلب للقمامة

جامع الظاهر بيبرس بحي الضاهر بالقاهرة، يخضع لجراحة معمارية عاجلة بعد أن تحول إلى خرابة (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

في محاولة لإنقاذ مسجد الظاهر بيبرس الأثري في القاهرة، الذي يوصف بأنه ثاني أكبر الجوامع المصرية، استعان خبراء من المجلس الأعلى للآثار بأعمدة من إيطاليا، لاستكمال أعمال صيانة المسجد، الذي يصل عمره إلى 743 عاما.

وكشف اللواء علي هلال، رئيس قطاع المشروعات بالمجلس، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، أنه تمت الاستعانة بنموذج من أعمدة المسجد للبحث عن نظير لها في إيطاليا «حتى تمكنا من جلب أعمدة مشابهة للأخرى الأصلية لتركيبها أثناء صيانة الجامع».

ووصف حالة المسجد قبل عملية التطوير، التي بدأها خبراء شركة «المقاولون العرب» (قطاع حكومي)، بأنها كانت رثة للغاية، حيث تحول الجامع إلى مقلب للقمامة، فضلا عن ارتفاع منسوب المياه الجوفية «حتى تمكنا من تفكيك ما هو مستهلك لصيانته، والاستعانة بأعمدة وجدران وحوائط قريبة الشبه من الأخرى الأصلية».

وقال هلال إن فريق الترميم حرص على المواءمة بين حالة الجامع الأثرية والإضافات الحديثة التي تناسب تاريخه الطويل. متوقعا الانتهاء من كامل أعمال الصيانة أواخر العام المقبل، بتكلفة إجمالية وصلت إلى 26 مليون جنيه، ليستعيد الجامع بهاءه ورونقه التاريخي؛ كمنارة للعلم والعبادة.

وأضاف هلال «عندما تسلمنا الجامع كان في حالة يرثى لها تماما، ولم نكن نتصور أن بيبرس الذي حكم مصر، قادما من كازاخستان، وبنى بها هذا المسجد خصيصا، يمكن أن يؤول حاله إلى ما صار إليه قبل الشروع في الترميم، حتى تمكنا من توثيق الجامع، وجميع مراحل الصيانة التي مر بها، ليصبح لدينا توثيق كامل لحالته قبل الترميم وبعدها».

وأرجع تميز الجامع بما جعله ثاني أكبر الجوامع المصرية بعد‏ ‏مسجد‏ ‏أحمد بن‏ ‏طولون‏ (‏ثلاثة‏ ‏أفدنة‏ ‏ونصف فدان‏)‏، إلى مساحته التي تبلغ 103م × 106م، قائلا «صاحبه بناه ‏علي ‏نفس‏ ‏تخطيط‏ ‏المساجد‏ ‏الجامعة‏ ‏التي ‏اشتهر‏ ‏بها‏ ‏العصر‏ ‏الفاطمي ‏مكشوفة‏ ‏الصحن».

وقال إن بيبرس شيده في الفترة من 665 إلى 667 هجريا (1267 إلى 1269 ميلاديا)، لافتا إلى أنه لم يكن يتبقى سليما من المسجد سوى حوائطه الخارجية وبعض عقود رواق القبلة، وبعض تفاصيله الزخرفية سواء الجصية منها أو المحفورة في الحجر.

ويتميز الجامع بأنه مربع الشكل، محاط بسور حجري مزين في قمته بصف من الشرافات، وتوصف أركانه الخارجية بأنها محصنة بأربعة أبراج، وله ثلاثة مداخل تذكارية بارزة.

وفي داخل المسجد صحن شبه مربع الشكل محاط بأروقة على أضلعه الأربعة، وتعتبر الغرفة التي تتقدم المحراب أهم معالم المسجد، وهي بناء شبه مربع الشكل يشغل تسع بلاطات، وتعلوه قبة من الآجر.

وتحيط الصحن المكشوف للجامع أربعة أروقة، أكبرها رواق القبلة؛ وكانت عقودها محمولة على أعمدة رخامية ما عدا المشرفة منها على الصحن فقد كانت محمولة على أكتاف بنائية مستطيلة القطاع. أما عقود القبة التي كانت تقع أمام المحراب فكانت مرتكزة على أكتاف مربعة بأركانها أعمدة مستديرة. وكانت هذه القبة كبيرة مرتفعة على عكس نظيرتها الصغيرة المتواضعة في الجوامع الأخرى.

أما واجهات الجامع الأربع فمبنية من الحجر، وتعلوها شبابيك معقودة، وبها شرفات مسننة. وامتازت الواجهات بأبراجها التي كانت تطوق أركان الجامع الأربعة وبمداخل ثلاثة بارزة تأخذ سمت الطابع المعماري للواجهات.

ويقع أكبر هذه المداخل وأهمها في منتصف الوجهة الغربية قبالة المحراب. وقد حلي هذا المدخل كما حلي المدخلان الآخران الواقعان بالوجهتين البحرية والقبلية بمختلف الزخارف والحليات، معقودة بمخوصات، وأخرى تنتهي بمقرنصات ذات محاريب مخوصة، وغيرها من الوحدات الزخرفية الجميلة.

ويعرف عن الظاهر بيبرس أنه كان مملوكا للأمير علاء الدين إيدكين البندقداري، ثم أصبح من جملة مماليك الملك الصالح نجم الدين أيوب، ولما أدرك أمانته وذكاءه أعتقه، وظل يترقى في مناصب الدولة إلى أن تمكن بدهائه وسياسته من تبوؤ عرش مصر، وولي ملكها عام 658 هجريا، الموافق 1260 ميلاديا، عقب مقتل السلطان سيف الدين قطز الذي خاض معه بيبرس معركة «عين جالوت» الشهيرة التي انتصر فيها العرب على المغول.

لُقب بيبرس بالملك الظاهر، وعرف بأنه من أعظم سلاطين دولة المماليك البحرية، ونجح في دحر الصليبيين والتتار، وأخضع من تمرد عليه من أمراء الشام. ويعتبر مسجده من أوائل المباني في العصر المملوكي بعد انقضاء العهد الفاطمي في مصر ونهاية حكم الأيوبيين الذين لم يبق من عمارتهم سوى قلعة صلاح الدين، وكان من أعظم سلاطين دولة المماليك البحرية، وقد لازمه التوفيق في حروبه ضد الصليبيين والتتار، وأخضع من تمرد عليه من أمراء الشام، وصار يتنقل من نصر إلى نصر ومن توفيق إلى توفيق إلى أن وافته المنية عام 676 هجريا (1277 ميلاديا)، ولم تكن تعوقه شواغله الحربية عن الاهتمام بالعمارة والإنشاء فترك الكثير من المنشآت الدينية والمدنية، كان من أهمها جامعه العظيم الواقع بميدان الظاهر بالقاهرة، والذي استغرق بناؤه نحو 3 سنوات.