حملة لبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة مدتها 16 يوما

«عن لطيفة وأخريات» فيلم يروي قصص نساء يقتلن بأيدي الأزواج

بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة نظمت جمعية «كفى» اللبنانية عرضا لفيلم حمل عنوان «عن لطيفة وأخريات» وتتضمن الحملة توزيع أشرطة بيضاء تعلق على الصدر لدى النساء والرجال تشبه تلك التي توزع خلال حملات «الإيدز» و«السرطان»
TT

لطيفة قصير التي قتلت، في عقر دارها على يد زوجها في بيروت بتاريخ 13 أبريل (نيسان) 2010 ليست المرأة الوحيدة التي قضت نحبها بسبب العنف الذكوري. فهناك أخريات عديدات كان بإمكاننا جميعا إنقاذ حياتهن، لو أقر قانون يحمي النساء من العنف الأسري والذي تطالب به الجمعيات النسائية في لبنان، منذ سنوات دون جدوى.

وبمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة نظمت جمعية «كفى» اللبنانية عرضا لفيلم حمل عنوان «عن لطيفة وأخريات» يروي قصصا لثلاث نساء قتلت اثنتان منهن، وما تزال ثالثة تعاني دون أن تمتد يد لمساعدتها. وتستمر الحملة 16 يوما يتم خلالها إقامة نشاطات للتوعية تنتهي يوم 10 ديسمبر (كانون الثاني) المقبل، الذي يصادف اليوم العالمي لحقوق الإنسان حيث تنطلق حملة إعلامية وإعلانية في شوارع لبنان وعلى المحطات الإذاعية والتلفزيونية، إضافة إلى إطلاق أغنيتين بهدف حشد الرأي العام، وحث الناس على دعم التصويت لقانون ينهي الوضع القائم.

وتتضمن الحملة توزيع أشرطة بيضاء تعلق على الصدر على النساء والرجال، تشبه تلك التي توزع خلال حملات «الإيدز» و«السرطان»، ليعلن من يحملها مطالبته بالقانون المنشود.

الفيلم الوثائقي «عن لطيفة وأخريات» الذي أعدته وأخرجته الزميلة ديانا مقلد، وأنتجه تلفزيون «أخبار المستقبل» سيكون محور هذه الحملة النسائية التي يعنيها أن تطال الرجال أولا. وقد عرض الفيلم أخيرا في «مسرح بابل» في بيروت، كاشفا عن جرائم ترتكب بحق النساء، وسط صمت عائلي وتواطؤ جماعي.

نرى في الفيلم خليل وجنى الطفلين اللذين تصطحبهما خالتهما في السيارة مع أبنائها لزيارة قبر والدتهما. الطفلان يزينان القبر بالزهور وينظفانه ويحرصان على زيارته باستمرار بعد أن غابت الوالدة عن الحياة في ظروف مروعة. تحكي في الفيلم أخت الضحية والجارة والأولاد، وتتكشف التفاصيل عن زوج يتعاطى المخدرات ويفقد كل ما لديه من مال، وتبدأ مأساة العائلة بالتنقل من منزل إلى آخر، وبتحول الزوج إلى وحش شرس ينهال على زوجته ضربا وحشيا مما يعرض حياتها تكرارا للخطر. وبعد معاناة طويلة في المحاكم، تتمكن لطيفة من الحصول على الطلاق لكن ذلك لم ينه رحلة الآلام إذ إن الزوج يصير يداهم زوجته في منزلها الذي تقطنه مع أولادها - بحسب رواية الجارة - ليضربها. وفي المرة الأخيرة بقي يضربها ثلاث ساعات وانتهى بأن خنقها وقضى عليها.

يحاول الفيلم أن يركز على موقف المحكمة الشرعية التي تهاونت بعذابات الزوجة، وتعرضها المستمر للخطر، كما يركز على القانون الذي لم يسمح للزوجة بالهرب مع أولادها من بطش الزوج الذي كان يهدد بقتلهم أيضا، لأنها لا تتمكن من استصدار جوازات سفر لهم دون إذنه.

القصة الثانية عن آمنة ابنة الـ18 سنة التي سافرت مع زوجها (ابن عمتها) إلى إحدى الدول الأفريقية، وعادت بعد شهرين جثة هامدة ليتبين أنها كانت تتعرض للضرب والتعذيب طوال تلك الفترة، رغم علم أهله الموجودين في البلد نفسه.

أما القصة الثالثة فتدور حول ألماظة الحوارني، وهي الوحيدة الناجية من بين النساء الثلاث. فقد تزوجت للمرة الثانية بعد وفاة زوجها الأول الذي لها منه ولدان، لتكتشف أن الزوج الجديد لا يريد منها سوى الاستيلاء على أموالها رغم أنه بات له منها ولدان. تتحدث الضحية التي تهوى فنون الرسم والنحت عن مطعم افتتحته مع زوجها الجديد ومنزل سجلهما باسمه رغم أنهما من ملكيتها، ليمارس عليها بعد ذلك، كافة أنواع التعذيب والإهانة والتخويف، مجبرا إياها على ترك ما لها للنجاة بجلدها. تشكو الضحية هنا من تهاون المحكمة، ومن تراخي رجال الدرك الذين كانت تشكو زوجها في مخفرهم باستمرار دون أن يستطيعوا فعل أي شيء لنجدتها. باتت المرأة تعيش اليوم مع أولادها عند ابنتها الكبرى المتزوجة، تعتاش ما استطاعت مما تبيع من لوحات، ورغم مرور 13 سنة لم تتمكن من استرداد أي شيء من حقوقها.

ركز الفيلم في القصص الثلاث على العنف الزوجي بشكل خاص، وعلى التقصير التشريعي، ومسؤولية المحاكم، رغم أن تراخي الأسر كان واضحا بالنسبة للضحايا. صحيح أن لطيفة وجدت مساندة من شقيقتيها حية وميتة، لكننا لا نفهم جيدا لماذا تركت تعيش وحدها في بيت يعرف حتى الجيران أن زوجها يستطيع أن يقفز من شرفته ليطال روحها. وإن حكى الفيلم أن هذه رغبة لطيفة في الاستقلال عن عائلتها، يبدو أن ثمة ما هو غائب في القصة. أما بالنسبة للضحية الثانية آمنة، فرغم أن الفيلم بدا لينا مع عائلتها، فلم يكن مقنعا أن تبقى الأسرة باردة اتجاه غياب أخبار ابنتهما العروس، بعد زواجها وسفرها (ثلاث مكالمات قصيرة، ومقطوعة طوال شهرين). أما الضحية الثالثة فلم يظهر الفيلم إن كان لها أي أقرباء بمقدورهم مساعدتها وتمنعوا، باستثناء الكلام على مساعدة ابنتها الكبرى لها.

أراد الفيلم أن يخدم قضية النساء في لبنان اللواتي ما يزلن يطالبن بقانون يمنحهن حقوقهن، دون أن يعنى بالتراخي الأسري حيال عذاب البنات في منازل الأزواج.

النقاشات التي تلت عرض الفيلم، بحضور رجال وغالبية نسائية صبت جام غضبها على النقص التشريعي الذي لا يريد أحد من المسؤولين الاهتمام بأمره. وكان بين الحاضرات والحاضرين من حمّل المسؤولية بشكل أساسي لرجال الدين من مختلف الطوائف حيث ما تزال المحاكم التابعة للمذاهب هي المسؤولة عن الأحوال الشخصية وكل ما يتعلق بالزواج والطلاق. وطالبت إحدى الحاضرات رجال الدين بأن ينتبهوا إلى المآسي التي يتسببون بها بسبب أحكامهم المجحفة، فيما قالت أخرى إن الموضوع لا يتعلق بالأديان بقدر ما يتعلق بالوساطات التي باتت تتحكم بمختلف المحاكم. فالرجل صاحب الوساطة يستطيع أن يفعل ما يشاء، ويجد من يناصره. لذلك تدخلت سيدة ثالثة لتطالب مجلس الوزراء بقانون يقضي بمحاسبة رجال الدين حين يرتكبون أخطاء، معتبرة أنه ما عاد بالمقبول أن يبقى رجال الدين فوق القانون حتى حين يخضعون للوساطة ويحيدون عن إحقاق الحق.

قاض ورجل دين كان حاضرا الجلسة، اعتبر أنه لا دين في العالم يؤيد العنف أو الظلم، ورجال الدين بشر، ومن الممكن أن يرتكبوا أخطاء، وهو من ناحيته يساند المرأة ومع إحقاق حقوقها.