مزج السدو السعودي والسجاد البوسني أفرز أشكالا رائعة ومتنوعة

معرض السجاد البوسني التقليدي في مركز خادم الحرمين الشريفين في البوسنة

لوحات من السجاد ويبدو شعار المملكة العربية السعودية في احداها («الشرق الأوسط»)
TT

عرفت البلدان المختلفة بتقاليدها المتنوعة وتراثها الغني، ومن ذلك الصناعات التقليدية التي تتمايز عن بعضها البعض من بلد إلى آخر. فلكل تراث بصمته الوراثية، وطريقته في التعبير عن أشكال الحياة عبر الزمن. غير أن معرض «السجاد البوسني» التقليدي الذي شهده مركز خادم الحرمين الشريفين، في سراييفو كان صولة إبداع بكل المقاييس، حيث اختلطت التقاليد السعودية في هذا المجال بالتقاليد البوسنية في صناعة السجاد. وشهد الناس من زوار المعرض، تمازجا فريدا بين الطريقتين السعودية والبوسنية في صناعة السجاد، مما ولد نمطا جديدا أضفى مسحة من الجمال والجلال والهيبة على المولود الجديد.

وكان السجاد البوسني قد وصل إلى منازل الكثير من الشخصيات العالمية، مثل الأمير تركي بن فيصل آل سعود، وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، والعقيد الليبي معمر القذافي، ورئيس وزراء ماليزيا عبد الله أحمد بدوي، ورئيس وزراء ماليزيا الأسبق مهاتير محمد، وعدد من الشخصيات الدولية، من بينهم مدير منظمة اليونيسكو السابق، كويتشيرو ماتسورا، ومراكز سياسية سلوفينية، ومتحف بيهاتش، ورئاسة المشيخة الإسلامية، ووزارة الثقافة البوسنية، ومركز خادم الحرمين الشريفين الثقافي بسراييفو.

وقال مدير مركز خادم الحرمين الشريفين الثقافي في سراييفو، عبد العزيز العقيلي لـ«الشرق الأوسط»: الهدف من المعرض، هو الترويج لصناعة السجاد البوسني، والحفاظ على التراث والصناعات التقليدية، وإيجاد مصدر دخل للأرامل ولزوجات وعوائل الشهداء، والإسهام في دعم المرأة المنتجة، ولهذا الغرض تم مزج التقاليد السعودية في صناعة السجاد البوسني. وأشار إلى أن «المعرض سيستمر لمدة أسبوعين، وهناك معروضات يعود إنتاجها لأكثر من 600 عام، وهي لا تزال كما لو أنها صنعت للتو، مما يؤكد أن متانة هذه الصناعة يدفعها بشكل متنام المستقبل الزاهر المنشود والموعود». وحول المعرض قال: «هذا الجهد الذي ترونه، دعمه مركز خادم الحرمين الشريفين الثقافي على مدار عام كامل. وها نحن نرى عطاء ذلك الجهد الحثيث، إبداعا يديويا متفردا ومميزا للأم والأخت البوسنية، وقد حرصنا على أن يكون في ثوب جميل زاه يليق بتاريخ عريق وبلد طيب كالبوسنة والهرسك».

وقالت المشرفة على المعرض ومصنع السجاد الذي أنتج معروضاته أميلا سمايوفيتش: «المعرفة بفنون هذه المنطقة قليلة جدا في العالم، سواء تعلق الأمر بفن السجاد أو الصناعات اليدوية الموازية لها، التي بشكل أو بآخر تعتبر نوعا من الفن التشكيلي، ولكن موقعها يمكن أن يكون الحائط أو أرضية الغرفة أو المنضدة أو غيرها». وعن أهداف المعرض من الناحية الترويجية قالت: «الهدف من المعرض هو إظهار الفن التقليدي الذي لم يتم استكشافه والكتابة عنه بالقدر الكافي. وتقع علينا مسؤولية الحفاظ عليه من الانقراض والنسيان». وتابعت «الفن التشكيلي يتبع قوانين المادة المراد تشكيلها، وذلك باستخدام الفكر من أجل إغناء المادة التشكيلية». وأردفت «إبراز الجمال كان وسيظل مسألة ملازمة للخلق، لأن الجمال هبة من الله عز وجل، وعلينا التعبير عنه بأفضل طريقة ممكنة، في أماكنه الطبيعية، بعيدا عن الأفهام المتطرفة التي تتبنى مفاهيم للجمال تؤدي في النهاية إلى تدنيسه».

وعن الأبعاد الهندسية في صناعة النسيج البوسني قالت: «التمعن في الخيوط الانسيابية وطريقة تشكيل الصورة تلاحظ الانسجام بين كل ذلك جميعا. هناك لغة مشتركة بين الفنان الذي ينسج ويركب الصورة والمنتج الذي يتجلى فيه الإبداع الهندسي». وتعتبر أميلا سمايوفيتش صناعة النسيج نوعا من الرياضة التي تساعد المرأة في التغلب على الروتين اليومي، وعلى الضغوط المختلفة، ويحميها من الاكتئاب والسأم. قائلا: «يجب على كل امرأة في المجتمع أن تقوم بحياكة السجاد، وغيرها من فنون الحياكة، إضافة لما يمثله ذلك من حفاظ على التراث، ومن تواصل حضاري لا غنى عنه، وهو ما يتطلب نقله إلى الأجيال الجديدة». وحول الرسوم التي يتميز بها السجاد البوسني أفادت بأن «الرسوم التي تظهر على السجاد البوسني، كالسلاحف، والطيور، والأسماك، والنجوم، وغيرها، لها خاصية لا توجد في الكثير من المنسوجات في دول أخرى كالسجاد الإيراني مثلا، وهي ترمز إلى غنى الطبيعة، من جهة وتراثنا من جهة أخرى، مما يجعل من تقاليدنا واحدة من أقدم وأهم الحضارات العالمية».

وعن صناعة السجاد في منطقة البلقان، أكدت أن «تقاليد الحياكة في منطقة البلقان راسخة في المنطقة، وتعود لعهود سحيقة غارقة في القدم، تعود إلى 3500 عام خلت. وهو ما أثبتته الآثار المكتشفة في منطقة كوبرس، في شرق البوسنة، حيث تم العثور على منسوجات من الصوف عالي الجودة، كما تم اكتشاف نول من الحجارة كان يستخدم في صناعة النسيج».

تطورت صناعة النسيج ذات الأشكال الهندسية ومتعددة الألوان، مع مرور الزمن، وأصبحت لها سوق منذ القرن الثاني عشر، إبان مملكة دوبروفاتشكا. لكن دخول العثمانيين لمنطقة غرب البلقان، مثل نقلة نوعية على مختلف المستويات، ومنها صناعة النسيج، فقد أحضر العثمانيون معهم الأشكال الشرقية وتقنيات صناعة النسيج باستخدام النول العمودي، الأكثر تطورا، وبفضل ذلك تم إنتاج أشكال من النسيج البوسني الأكثر تعقيدا. وفي القرن الثامن عشر تم تأسيس أول مصنع تجاري للسجاد البوسني في منطقة بيستريك، في سراييفو العتيقة، وانتشرت بعدها مدارس الحياكة، وصدرت كتب رسوم صناعة السجاد أو ما يعرف بخرائط التصميم.

وتذكر أميلا سمايوفيتش، أن «النساء البوسنيات نلن جوائز عالمية قيمة في باريس، وفيينا، وترييستا، وغيرها، وظل السجاد البوسني حتى اليوم إحدى الهدايا القيمة التي يشتريها السياح لأعزائهم من الأهل والأصدقاء».

وقد نالت أميلا عدة جوائز سنة 2003 من نقابة الفنون الجميلة بالبوسنة، وعام 2004 نالت جائزة فن الرسم من مؤسسة «أفاز»، وعام 2007 نالت جائزة أفضل إنتاج لمؤسسة صغيرة من نقابة المؤسسات الصغرى في البوسنة. ونالت عام 2009 جائزة نقابة الفنون التطبيقية الجميلة، وشاركت بسجاد الحائط، كما نالت في العام نفسه جائزة الامتياز من وزارة الثقافة البوسنية لإسهامها في الحفاظ على التراث.

أما أستاذ تاريخ الفنون بالجامعة البوسنية الدكتور كاظم حجي ميليتش، فقد أشار إلى أن «الروعة في الشكل الهندسي واللمسات الجمالية التي ترمز إليها الخطوط والرسوم على السجاد البوسني لها دلالتها، التي تترك أثرها على النفس وعلى الفضاءات التي توجد فيها». وأضاف «الشكل الهندسي الهادئ المرسوم على سجادة الصلاة مثلا غني بالمعاني الدافئة التي تتفاعل مع وجداننا وتبعث فيه الطمأنينة والراحة النفسية ونحن نقف لأداء الصلاة»، ويرى في إبداعات النسيج البوسني مظهرا من مظاهر «التعبير الشمولي، حيث يمكن ربط كل بداية بكل نهاية في الأشكال الهندسية، وهو ما يكرس الانسجام فيما بينها». ويصف عملية الدمج بين الأشكال البوسنية والسعودية في المنتجات الجديدة بأنها «في الواقع تعتبر في غاية النعومة، يحتضنها الجمال من مختلف الجهات والأركان، كما يمكن وضعها في أي شكل فني أو تصيميم هندسي».

تجدر الإشارة إلى أن معرض السجاد البوسني في مركز خادم الحرمين الشريفين، هو الرابع هذا العام، حيث شاركت أميلا سمايوفيتش، في معرض بشنغهاي في الصين، وآخر في غراتشانيتسا، ورابع في إسطنبول.