إثيوبيات وآسيويات يقتحمن المنازل.. والبنغال يسيطرون على الشوارع في كردستان

واقع العمالة الأجنبية في الإقليم العراقي

على ذمة مدير الشرطة في أربيل.. الخادمات الآسيويات والإثيوبيات مطيعات وخدومات («الشرق الأوسط»)
TT

قبل عامين وعند ظهور أولى بوادر العمالة الأجنبية بكردستان بعد الانتعاش الاقتصادي الذي شهده الإقليم في السنوات الخمس الأخيرة والذي أحدث تحسنا لافتا في مستويات الدخل، وظهور طبقة واسعة من الأثرياء وأصحاب النعم، وتحرك بعض الشركات العاملة بمجال التوظيف إلى استقدام العمالة الأجنبية إلى كردستان على غرار الحالات الموجودة في معظم دول الخليج، فوجئ رواد أحد البارات الليلية بمدينة السليمانية بوجود نادلتين إثيوبيتين حسناوتين شديدتي السمرة وهما يحملان بأيديهما قائمة الطلبات ويقدمان المشروبات للزبائن. وكان المنظر لافتا وغريبا بعض الشيء على رواد النوادي والبارات، فكيف الحال بسكان المنازل وغيرهم من المحافظين الذين يعتبرون عمل المرأة، وخصوصا في مثل هذه المحلات، أمرا يثير الريبة والشك.

ولمن يريد أن يحرر ذهنه من عقدة الشك وإطلاق الأحكام المسبقة لا بد أن يفكر عن الأسباب التي تدعو فتيات في مقتبل العمر وفيهن من تمتلك جمالا أخاذا وفتنة تذهب بالعقول أن يهجرن بلدهن ويأتين إلى منطقة لم يكن يعرفن بها حتى على الخريطة السياسية العالمية.. وقد يعذرهن هذا المتحرر من العقد عندما يعود بذاكرته لوضع الكرد والعراقيين عموما الذين تشردوا خلال العقود الثلاثة الماضية في الكثير من منافي الأرض ومهاجرها هربا من حروب النظام السابق والوضع الاقتصادي المنهار للعراق، فلجأ الكثيرون منهم في الدول الأوروبية بالعمل في مهن «وضيعة» منها تنظيف المرافق الصحية وكنس الشوارع والعمل بمجاري الصرف الصحي لـ«تحويش» مبالغ تساعد أسرهم المسجونة داخل العراق.

وبذلك يمكن تعميم الحالة على وجود الجالية الأجنبية في كردستان التي قد تكون نفس الأسباب دفعتها إلى القدوم إليها والعمل في نفس المهن التي أصبح سكان كردستان يأنفون حاليا من العمل بها.

ولتأكيد ذلك فإن خارطة تلك العمالة لا تتعدى دولا فقيرة في العالم في مقدمتها إندونيسيا وإثيوبيا وبنغلاديش الذين بدا ظهورهم في شوارع ومنازل مدن كردستان مألوفا ومقبولا. فالأجور المدفوعة بالدولار تغري الكثيرين على خوض هذه التجربة، فأربيل تعتبر اليوم من أغنى مدن العالم عند البعض، بدليل أن موظفا في دائرة حكومية تحدث لـ«الشرق الأوسط» أنه شرب كوبا من القهوة في كافيتريا مجاورة لدائرته بـ8 آلاف دينار ما يعادل (7) دولارات..

على كل حال هبوط القيمة الشرائية للدولار الأميركي في كردستان يغري عوائلها باستقدام الخادمات للخدمة في منازلها، كما يغري أصحاب المحلات باستخدام العامل الأجنبي في محلاتهم. ولذلك فإن العدد في تزايد مستمر.

عندما أردنا ضبط موعد لـ«الشرق الأوسط» مع الإثيوبية (برلنتا) وهي فتاة جميلة وطويلة القامة تعمل منظفة في إحدى محطات تعبئة الوقود دلتنا على مطعم في حي (عينكاوة) الراقي بمدينة أربيل. وتصورنا أننا سنجدها تأكل ساندويتشا أو واقفة أمام المطعم تنتظرنا، ولكننا فوجئنا بأن المطعم هو مشرب أيضا، وكانت تجالس مع صديقة لها 3 شبان كرد على طاولة يتجاذبون أطراف الحديث. فكثيرات منهن عقدن صداقات بحكم العمل مع شباب كرد، خاصة أن معظمهن قد تعلمن اللغة الكردية بطلاقة.

وفيهن من تتطلع إلى اقتحام عالم الفن والغناء الكردي، حيث تحدثت الأنباء الصحافية عن عزم الموسيقي الكردي الشاب هلكوت ظاهر تدريب خادمته الإثيوبية «مهليت» على الغناء وتسجيل أول كليب غنائي لها باللغة الكردية تمهيدا لإطلاقها في عالم الغناء الكردي.

وسألنا برلنتا بأي لغة نتحدث إليها فقالت اللغة الكردية وباللهجة البهدينانية. فأول عمل حصلت عليه كان في مدينة دهوك التي يتحدث سكانها اللهجة البهدينانية ولذلك أجادت هذه اللهجة التي تختلف بعض الشيء عن اللهجة السورانية التي يتخاطب بها سكان كل من أربيل والسليمانية، ومع ذلك هناك تفاهم ما دام الأصل هو اللغة الكردية.

قالت برلنتا: «لقد جئت إلى كردستان قبل 3 سنوات وعملت خادمة في منزل بدهوك، قبل أن أنتقل إلى أربيل وأحصل على عمل بهذه المحطة كمنظفة» وتتحدث عن كيفية وصولها إلى كردستان قائلة: «كانت هناك شركة مصرية متخصصة في توظيف العمال ودفعت 6 آلاف دولار لتلك الشركة لكي تجد لي عملا هنا في كردستان، وكنا مجموعات كبيرة من الفتيات الإثيوبيات اللاتي تم توظيفهن عن طريق تلك الشركة وتوزعنا على الكثير من مدن ومناطق كردستان».

وبرلنتا التي تقبض راتبا شهريا يبلغ 550 دولارا، إضافة إلى إيوائها داخل إحدى الغرف الملحقة بإدارة المحطة وتأكل 3 وجبات على حساب صاحب المحطة بدت سعيدة بعملها، وتحدثت عن ظروف بلدها الاقتصادية السيئة، واضطرارها إلى ترك أهلها للقدوم إلى كردستان، وتقول: «بأنها ساعدت عائلتها في إثيوبيا بمبالغ كبيرة، فهي جاءت إلى هنا من أجلهم، وستعود إليهم عندما تكمل (تحويشة) محترمة تعينها في بلدها» وعندما فاجأتها «الشرق الأوسط» بسؤالها فيما إذا كانت مستعدة للزواج بشاب كردي والاستقرار في كردستان ردت بحزم «أبدا لن أتزوج هنا.. فأنا في مهمة محددة وهي توفير بعض النقود لعائلتي وسوف أعود حتما ومن دون أي تردد».

سألنا صديقتها (آلم) عن اللغة التي تجيدها فقالت إنها «الإنجليزية» قليلا، أما الكردية فقد بدت أنها لا تجيدها كثيرا لذلك وظفنا (برلنتا) لتكون مترجمتنا بعد أن أكدت لنا أن اللغة الإثيوبية هي لغة قائمة بحد ذاتها، وليست قريبة من أي لغة أخرى حتى يمكن التفاهم بها. سألنا آلم عن كيفية وصولها إلى كردستان فأشارت «عن نفس الطريق ولكن بشركة مصرية أخرى، وفي البدء ذهبت أيضا إلى دهوك وعملت خادمة في أحد المنازل براتب شهري 200 دولار، ولكن برلنتا دبرت لي عملا هنا في أربيل فجئت إليها». وسألنا الفتاتين فيما إذا كانتا تواجهان أي مشكلة سواء أثناء الخدمة أو أثناء مراجعة دوائر الإقامة، فأكدتا بأنهما لا تعانيان من مشكلة، وتعامل المرؤوسين معهما جيد وليست علينا أي ضغوط، وأصحاب الأعمال الذين نعمل معهم هم الذين يتولون مسائل تمديد الإقامة والضمان والكفالة.

وقال فائق عبد الله وهو مدير إدارة المحطة: «فعلا نحن نتولى تنظيم شؤون إقامتهن هنا، ونراجع كل 6 أشهر مكتب الإقامة لتجديدها لهن، وليست هناك أي مشكلات في التجديد».

محمد شاهين محمد أشرف عامل بنغلاديشي يعمل لدى محل لبيع الأجهزة الكهربائية. كان يعمل في بلده في مجال تصليح الدراجات النارية والهوائية، تحدث إلينا بلغة كردية واضحة عن قدومه إلى أربيل وقال: «جئت إلى هنا بقصد البحث عن العمل، وفي البداية عملت مع شركة خاصة بتنظيف الشوارع، والآن أعمل لدى هذا المحل وأقبض راتبا شهريا قدره 400 دولار إضافة إلى المأكل والمبيت».

تحدث شاهين (يسبق أسماءهم مثل المصريين اسم سيدنا الرسول الأكرم محمد اعتزازا من المسلمين البنغال بمحبته) عن الظروف التي أدت به إلى الرحيل عن بلاده وقال: «كان لدي 3 شقيقات في سن الزواج، وكان المقدور علي وحسب العادة المتبعة في بلدي أن أجهزهن للزواج، ولذلك خرجت من بلدي بحثا عن عمل يوفر لي تدبير مبلغ يساعد على تجهيزهن، وفعلا من خلال عملي هنا في كردستان استطعت والحمد لله من تجهيز ثلاثتهن وتزويجهن، وأشعر حاليا بسعادة غامرة لأنني استطعت أن أزوجهن وأرفع رأسي أمام أهلي وأقربائي».

وشاهين الذي يبلغ 19 سنة من عمره شاب متدين يحافظ على صلاته وصومه وعباداته كما يقول عبد الرحمن شكر صاحب محل بيع الأجهزة الكهربائية ويصفه بالقول: «إنه شاب مجد في عمله، رغم أنه كان يعمل في تصليح الدراجات ببلده ولكنه يجيد تصليح جميع الأجهزة الكهربائية التي تعاد إلينا بسبب عطلها» ويضيف: «أما سلوكه فنحن مرتاحون منه كثيرا فهو شاب متدين ومحافظ على فروضه ومطيع إلى حد بعيد لذلك فنحن نرعاه رعاية كاملة، فأنا أهديه وزميلا آخر معه في المناسبات هدايا مالية وعينية، وأشتري لهما الملابس، وأعينهما في شهر رمضان والأعياد، هذا طبعا إضافة إلى تأمين مكان مبيتهما وطعامهما».

وحول وضع هذه الجاليات وما إذا كان هناك منهم متهمون أو متورطون في جرائم، قال عبد الخالق طلعت مدير شرطة أربيل في اتصال مع «الشرق الأوسط»: «لحد الآن لم تسجل أي حالة بهذا الصدد، ولم يتورط أي منهم في جرائم جنائية، ولكن كانت هناك بعض الحوادث البسيطة من سرقات حدثت داخل البيوت وتلقينا دعاوى بشأنها ولكنها كانت حالات نادرة جدا، فعلى العموم الخادمات مطيعات وخدومات خاصة الإندونيسيات ولم نلحظ منهن أي مخالفة تذكر». ويتابع مدير شرطة أربيل: «هناك فقط مشكلة واحدة نعاني منها مع هؤلاء وهي مشكلة تسول بعضهم في الشوارع، وحاولنا أن نقضي على هذه الحالة لأنها ظاهرة اجتماعية سيئة، ونجحنا إلى حد ما في تحديد الحالة، ولكنهم الآن تحولوا إلى سلوك طريق آخر يشبه التسول، وهو بيع العلكات أو الأشياء البسيطة عند تقاطعات الطرق بالشوارع الرئيسية وهو أيضا بهدف التسول، ونحاول أن نعيدهم إلى أعمالهم الأصلية ليتركوا هذا التسول المتستر».