«كشف الستار عن الفن القبطي».. أول معرض كبير لعرض تاريخ المسيحية في مصر

يضم 200 قطعة أثرية من أندرها «مخطوط دفنار» و«رسائل الرهبان»

زاهي حواس، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، خلال افتتاح المعرض (أ.ف.ب) و«مخطوط دفنار» مكتوب باللغتين العربية والقبطية (إ.ب.أ)
TT

في منتصف المسافة بين مسجد أحمد بن طولون ومسجد السلطان حسن بحي مصر القديمة يقبع قصر الأمير طاز، الذي يحتضن معرض «كشف الستار عن الفن القبطي»، ويقدم المعرض بانوراما حية للتاريخ المسيحي في مصر، وإسهام أقباطها في ميراث البلاد الثقافي عبر مجموعة متفردة من القطع الفنية المسيحية النادرة التي تبلغ مائتي قطعة تمثل روائع الفن في العصر القبطي.

تأتي إقامة المعرض، الذي يستمر حتى 31 يناير (كانون الثاني) المقبل، في إطار الاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المتحف القبطي بالقاهرة عام 1910 على يد مرقص باشا سميكة، الذي شيد المتحف بالقرب من الكنيسة المعلقة الشهيرة وقصر الأمير طاز، الذي يعد من أهم المراكز الثقافية والفنية في البلاد.

تحكي القطع المشاركة في المعرض رحلة العائلة المقدسة إلى مصر، وتقص عن زمن الشهداء خلال القرون الثلاثة الأولى من ظهور المسيحية في البلاد، وكذلك طرفا من خبر النساك والزهاد الذين أسسوا الأديرة والكنائس على أطراف الوادي في صحراء مصر الغربية.

ومن بين المقتنيات المتميزة بالمعرض مجموعة من الرسائل القديمة تفتح نافذة على الحياة الاجتماعية التي عاشها رهبان خلال الحقبة القبطية، بالإضافة لمجموعة من المشغولات المعدنية الذهبية والفضية وأوان وأدوات فخارية ومنسوجات تعكس صورة الحياة اليومية. ويتمكن زائر المعرض من مشاهدة مجموعة نادرة من الأيقونات الملونة والمنسوجات البديعة رسمها مشاهير فن الأيقونات عبر العصور، ومخطوطات مزخرفة، وأفاريز حجرية وخشبية، ومجموعة نادرة من الأدوات المعدنية التي تعطي انطباعا عن وجوه مهمة للحضارة القبطية. ويحوي المعرض كذلك تصميمات عُثر عليها في الأديرة والكنائس القديمة، ومخطوطات مزخرفة، ومن بينها مخطوطات من مجموعة نجع حمادي الشهيرة.

وأزاح المعرض لأول مرة الستار عن مجموعات متميزة وكنوز كانت حبيسة مخازن المتحف القبطي، وعرض مختارات من أعمال فنية نفيسة بالمتحف القبطي إلى جانب بعض الأعمال الفنية التي تمت استعارتها من المتحف القومي للحضارة الإسلامية، ومتحفي بني سويف والعريش، ومتحف الفن الإسلامي، والمتحف اليوناني الروماني، والمتحف القومي، ومتحف مكتبة الإسكندرية.

ومن أندر ما يتضمنه معرض الفن القبطي من التحف الفنية ما يعرف بـ«مخطوط دفنار» وهو عبارة عن مجموعة من الأناشيد والتراتيل القبطية والعربية سجلت مسار العائلة المقدسة إلى مصر، كما يضم المعرض «أيقونة التعميد» وترجع إلى عام 1774م، وذكرت النصوص المكتوبة على الأيقونة الثلاثية، أن اللصين اللذين تم صلبهما مع السيد المسيح هما «ديماس» اللص الطيب على الجانب الأيسر، وطيطس اللص الشرير على الأيمن، وطبقا للمعتقدات القبطية فإن اللصين التقيا بالعائلة المقدسة أثناء رحلتهما إلى مصر.

ومن ضمن المخطوطات النادرة في المعرض «مخطوط إنجيل القديس مار مرقس» ويصور المخطوط الذي كُتب بالعربية القديس مرقس الإنجيلي، أحد كتبة الأناجيل الأربعة، ورمزه الأسد، وتشير الزخارف الموجودة على المخطوط إلى تأثره بالفن الإسلامي، ويضم المتحف أيضا «لوحا حجريا للسيدة العذراء»، و«أيقونة تمجيد السيد المسيح والسيدة العذراء» التي تعود إلى عام 1742م.

في المعرض أيضا «رق قوانين باخوم» ويعود إلى القرن الثامن الميلادي، حيث يمثل الرق مقتطفا من قوانين الرهبنة للقديس باخوم، تخاطب سيد المنزل أو الدير الذي كان مسؤولا عن مجموعة من الرهبان، و«رؤيا بطرس وتعاليم سلوانس» وتعد تعاليم سلوانس نص الحكمة المسيحية الذي يقدم النصائح، و«نموذج لصومعة في منطقة القلالي» يعود إلى القرن السادس الميلادي، ويضم النموذج مدخلا ودهليزا و4 حجرات استقبال ومصلى كبار الرهبان ومخزنا ومرحاضا وحجرة عمل لكبير الرهبان، و«رسما جداريا ملونا للحراس أو الرهبان» ويظهر فيه 14 شكلا نصفيا لرجال عرفوا بالحراس أو الرهبان، و«دعامتين خشبيتين» تعودان إلى القرن السابع الميلادي، وتمثل المنحوتات الخشبية رؤساء الملائكة (ميخائيل وغبريال) يرتديان كساء من اللون الأحمر والأزرق عتيق الطراز، ويظهر شكل أسطواني يرتكز على يديهما اليسرى كتمثيل لقبو السماء، و«جزءا من عمود مزخرف بأوراق الأكاتش المتشابكة وزهرة اللوتس».

حول أهم القطع التي يقبل زائر المعرض على مشاهدتها، يؤكد أحمد عشماوي منسق المعرض، أن أيقونة صلب المسيح وأحداث أسبوع الآلام، التي تعود إلى القرن الخامس عشر الميلادي، تعد من أهم ما يجذب زوار المعرض.

ويضيف: «تصور الأيقونة الأيام الأخيرة من حياة المسيح على الأرض، التي يحتفل بها حسب تقويم السنة الطقسية للكنيسة القبطية خلال أسبوع الآلام، حيث تبدأ أعلى اللوحة اليسرى من الأيقونة بدخول المسيح إلى أورشليم يوم أحد السعف، وفي الوسط غسل أرجل التلاميذ، وفي الأسفل العشاء الأخير يوم خميس العهد، ويحتل الجزء العلوي من اللوحة الوسطى منظر الصلب يوم الجمعة، بينما تظهر في الأحداث التي تسبق الصلب في أسفل نفس اللوحة، وتستمر الأحداث في اللوحة اليمنى من الأيقونة حيث يظهر في الأعلى إنزال جسد المسيح من على الصليب، وفي الوسط تكفين الجسد وبكاء السيدات، ثم نزول المسيح إلى الجحيم يوم سبت النور، ومنظر القيامة يوم الأحد».

وأوضحت إلهام صلاح، مديرة تنفيذية للمعرض أن «المعرض سلط الضوء على روائع العصر القبطي، والإسهام الرائع للأقباط في تراث مصر الحضاري الثري والمتنوع، وتأتي إقامة المعرض في إطار الاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المتحف القبطي».

وأضافت: «يضم المعرض أكثر من 200 قطعة أثرية تم اختيارها من مجموعات متحفية كثيرة في مصر، وتم عرضها معا لأول مرة، وتمثل تلك القطع الأثرية كنوزا تم إزاحة الستار عنها واكتشافها من جديد بإخراجها من مواقع تخزينها في المتاحف المصرية»، مشيرة إلى أن المعرض الأثري يحتوي على أيقونات بديعة. وذكرت أن «المعرض يكشف جمال الفن القبطي والآثار القبطية، وتأثرها بما سبقها من حضارات فرعونية ويونانية ورومانية، وتأثيرها على ما جاء بعدها من فن إسلامي».

وأكدت أن من أهم السمات البارزة للفن القبطي المزج بين التأثيرات الوافدة من محيط متعدد الثقافات والتبادل المكثف لهذه التفاعلات مع منطقة البحر الأبيض المتوسط.