اكتمال عملية تجديد مكتبة القرويين في فاس أعرق مكتبات العالم

مهتمون يعتقدون أن ما تم غير كاف ويطالبون بالمزيد

إحدى قاعات المكتبة و مدخل خزانة القرويين («الشرق الأوسط»)
TT

اكتملت أخيرا عملية تجديد خزانة القرويين في فاس، التي تعد أعرق وأقدم مكتبة في العالم. وكانت الخزانة التي تعرضت الكثير من محتوياتها إلى السرقة أو الضياع، خاصة خلال مرحلة الاستعمار الفرنسي للمغرب، عرفت تدهورا كبيرا خلال العقود الأخيرة. وبدأ التلاشي يتسرب إلى كتبها ومخطوطاتها التي تآكلت، مما استلزم معالجتها، حيث طلب الملك محمد السادس شخصيا إجراء عملية ترميم وإصلاح وتنظيف محتوياتها قبل تصوير تلك النفائس ووضعها في علب واقية من الرطوبة. وللحفاظ على كنوز هذه الخزانة التي تعتبر كنزا معرفيا وحضاريا خصبا ووجهة علمية للباحثين من التلف والضياع أحدث مختبر للترميم لصيانة رصيدها العلمي النفيس بدعم من البنك الإسلامي للتنمية، باستعمال معدات تساير التطور العالمي تستعمل لتخزين المخطوطات بطريقة «الميكروفيلم» التي تسهل عمل الباحثين. وفي الإطار نفسه تم تجهيز المكتبة التي تضم أمكنة تزينها الزخرفة الإسلامية وزينت قبتها بزخارف من الجبس والخشب المنقوش، بأحدث الوسائل التكنولوجية للحفاظ على محتوياتها من الرطوبة والحرائق والسرقة باعتماد أساليب تتماشى والمعايير الدولية، وتحويل نسخ «الميكروفيلم» إلى أقراص تسهيلا للبحث العلمي ومحاربة القرصنة. ومرت عملية إنقاذ المخطوطات بمراحل تنظيفها من قبل طاقم من خبراء وتقنيين مختصين، وتصويرها على «الميكروفيلم» ووضعها داخل أغلفة ورقية تقيها من الرطوبة. ولأول مرة في تاريخ الخزانات المغربية، أنجز الفهرس الآلي للخزانة في قرص مدمج كطريقة مثلى للترميم الآلي.

زيارة هذه الخزانة التي ظلت تحافظ على دورها الحيوي في ميادين العلم والمعرفة منذ قرون خلت، تترك انطباعا متناقضا لدى زائرها. بضعة طلبة في قاعة فسيحة قد لا يتحمسون لالتقاط صور لهم، تكشف حزن وعزلة هذه المعلمة المعرفية. يقول أحد الطلاب «ندعو إلى تكثيف الجهود لانتشال الخزانة من التهميش والإهمال اللذين جعلاها في حالة احتضار، حتى لا نساهم جميعا في تأبينها» تعبيرا عن عدم رضاه عن واقع هذه الخزانة التي يعود إنشاؤها إلى منتصف القرن الثامن الهجري، وعدم الاقتناع بعملية التجديد التي أعادت إليها الحياة. ويعلق مهتمون آمالا كبيرة على استمرار مبادرات صيانة مخطوطاتها النادرة والنفيسة. ويوصون بتكثيف الاهتمام بها وعمليات تهيئتها وترميمها وإصلاحها وإغناء رصيدها وتكثيف عمليات فهرسة الكتب العلمية لفائدتها على غرار هبات أوقاف السلاطين والأمراء والعلماء. ويتمنون أن يحدو المفكرون ومحافظو الخزانة حذو المرحوم محمد عبد العزيز الدباغ محافظ الخزانة منذ 1982 حيث عمل في المنصب مدة 23 سنة، وحرص على فهرسة المخطوطات مع العمل على تكثيف الندوات والأنشطة بها.

وتعتبر خزانة القرويين، إحدى أغنى وأقدم الخزانات التراثية المغربية اعتبارا لتاريخ تأسيسها الذي يعود إلى عام 750 للهجرة تحت إشراف السلطان أبي عنان المريني، ولرصيدها الوثائقي وعدد دورياتها ومخطوطاتها ومطبوعاتها الدينية والفقهية والأدبية النادرة والنفيسة، ولدورها الهام والبارز في ميادين العلم والمعرفة بالنسبة للطلبة والباحثين المغاربة والأجانب. وعرفت هذه الخزانة التي تضم 21250 كتابا و618 دورية و421 مطبوعا حجريا و6 آلاف مخطوط متضمنة في نحو 2043 مجموع الملفات الأرشيفية، عدة مبادرات للتهيئة والترميم والإصلاح وإغناء رصيدها الوثائقي بنفائس كتب العلماء. وتضم خزانة القرويين مجموعة من المخطوطات الأصلية وآخر رقم تتابعي لفهارسها المنشورة حتى الآن هو 2034، وتتجاوز العناوين هذا العدد باحتساب المجاميع، بالإضافة إلى عدد من المصورات على سبيل الإهداء أو التبادل. وتكاد مواضيع هذه المخطوطات تشمل كافة العلوم والفنون فهناك المصاحف والتفاسير والفقه والحديث والأصول والتاريخ والسير والرحلات والأدب واللغة والتصوف والفلسفة والطب والفلك والحساب وغير ذلك من الفنون، وتواريخ تأليفها متعددة تعود إلى أزمنة مختلفة. أما من حيث مادة الكتابة فهناك مجموعة من هذه المخطوطات ذات قيمة كبيرة مجموعة كتب على الرق (جلد الغزال)، ومن ذلك على سبيل المثال «تاريخ ابن خلدون» الذي يحمل جزء منه إهداء الوثيقة للخزانة مذيلة بتوقيع مؤلفه عبد الرحمن بن خلدون.

يقول عبد الفتاح بكشوف محافظ خزانة القرويين: «مع الأسف كل مخطوطات الخزانة معرضة للتلف لأن الناس لا يعيرون اهتماما لأهمية الوقف الثقافي في الحفاظ على هذا الموروث، وما يميز الخزانة احتضانها لمؤلفات مكتوبة باللغة العربية فقط وهو ما يقلل نسبة الإقبال لعدد مهم من الطلبة، خاصة المتخصصين منهم في اللغات»، يقول أحمد البوسعداني وهو طالب بالسنة الثانية بكلية الآداب «شيء مؤسف أن تكون خزانة بهذا الحجم لا تتوفر على مراجع باللغة الفرنسية».

وبالنظر إلى الناحية العلمية أو الناحية الجمالية وما تميزت به من زخارف وجداول أو بالنظر إلى التاريخ المبكر لنسخها فهناك ما يعود تاريخ نسخها إلى القرن الثالث الهجري، ومنها ما هو بخط مؤلفه، ومعظم هذه المخطوطات يحمل وثائق إهداء للخزانة، ووثائق تفيد بأن من أهدوا هذه الوثائق يمثلون مختلف الشرائح الاجتماعية، إذ هناك إهداءات من الملوك المرينيين والسعديين والعلويين، وأمراء وأميرات وقادة وعلماء، ومنها ما هو من تأليف ملوك المغرب وسلاطينه قديما وحديثا. ويضيف محافظ الخزانة «أسست الخزانة لأول مرة بمسجد القرويين ثم تحولت بعدها إلى قبة السعديين وأصبح لها باب خارج المسجد بهدف توسيع المعرفة بين جميع الديانات»، ويتم الاطلاع على المخطوطات عن طريق «ميكروفيلم» عبارة عن علب تقرأ بواسطة جهاز يشبه الحاسوب اسمه «المقراة» وتتوفر الخزانة على ما يقرب من 768 ميكروفيلما و6 أجهزة لقراءتها وتتضمن قاعة المخطوطات تجهيزات إلكترونية متطورة لتكييف القاعة حسب طبيعة الجو، وهناك احتياطات أخرى لكي لا تؤثر عليها أشعة الشمس، بالإضافة إلى وجود كل مخطوط داخل غلاف خاص يصد عنه الحشرات وتأثيرات المناخ غير الملائم. وتزخر خزانة القرويين التي توجد في «ساحة الصفارين» في مدينة فاس العتيقة والمصنفة تراثا عالميا، بكتب ودوريات ومخطوطات ومطبوعات حجرية تعتبر من النفائس والنوادر التي تجعل منها قبلة للباحثين في كل الميادين. وتتفاوت القيمة العلمية لمحتوياتها، وتختلف مرجعية نفاستها من نموذج إلى آخر حسب الفن أو المؤلف أو زمن التأليف أو النسخ أو مواد الكتابة. ومن أبرز نفائس الخزانة، «المصحف الأكبر» الذي أهداه السلطان أحمد المنصور الذهبي إليها عند تدشينها عام 1011 هجرية، وقطعة عتيقة من مصحف كتب على الرق بخط كوفي، و«مختصر أبي مصعب الزهري» المكتوب على ورق عتيق بقرطبة في الأندلس عام 359 للهجرة، وقطعة من الإنجيل بالعربية كتبت على الرق بخط أندلسي عتيق، و«سيرة ابن إسحاق» الذي يعتبر أقدم ما يوجد بها.

وغدت مجموعة من المطبوعات القديمة النادرة، بحكم قدمها في حكم المخطوط، خاصة المطبوعة منها بأوروبا أو الشرق، وبينها عدة مطبوعات حجرية طبعت في مدينة فاس يصنف الكثير منها ضمن النوادر. بالإضافة إلى تجهيزات معلوماتية جديدة تروم صيانة ذاكرتها الكتبية وحفظها من التلف، خاصة بعد شغال تهيئة فضاء بنايتها ومختبر ترميم المخطوطات خلال العامين الماضيين. وتشمل مواضيع تلك المخطوطات التي تعود تواريخ تأليفها إلى أزمنة مختلفة وبينها مجموعات كتبت على الرق (جلد الغزال) وأخرى تبهر بجمالية زخارفها وجداولها الرائعة، كافة العلوم والفنون، فبينها المصاحف والتفاسير والفقه والحديث والأصول والتاريخ والسير والرحلات والأدب واللغة والتصوف والفلسفة والطب والفلك والحساب. من نفائس الخزانة التي يتجاوز عددها الألفين باحتساب المجاميع ومجموعة من المصورات على سبيل الإهداء أو التبادل، ما هو مكتوب بخط مؤلفه أو يعود تاريخ نسخه إلى القرن الثالث الهجري، ومنها ما هو من تأليف ملوك المغرب وسلاطينه قديما وحديثا. وكان التحبيس دوما سنة حسنة وحميدة في تاريخ هذه الخزانة التي خضعت كتبها إلى صيانة خاصة قبل نحو ثلاث سنوات. وحصلت المكتبة بعد ندوة نظمتها «جمعية فاس سايس» بتعاون مع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) بمناسبة إعلان فاس عاصمة للثقافة الإسلامية، على هديتين ثمينتين من جمعية وكاتب ومفكر مغربي، ستغنيان محتواها من الكتب والتجهيزات.

إذ قدم الباحث والمؤرخ عبد الهادي التازي مكتبته التي تضم 7 آلاف كتاب هو مجموع كتب مكتبته، وهبها للخزانة، وهبة مالية تبرع بها فرع «جمعية فاس سايس» بالدار البيضاء. ويرى التازي أن من بين العوامل المساهمة في إثراء فهرسة الخزانة إهداء شخصيات معروفة كتبا قيمة لها من قبيل المصحف الذي أهداه لها الأمير الأردني الحسن بن طلال، والنسخة النادرة من الإنجيل التي أهداها الملك الراحل الحسن الثاني إلى البابا. وتلك عادة سار عليها الكثير من الأدباء ورجال العلم المغاربة والعرب منذ غابر العصور والحقب.

وكان للأديب المغربي محمد بن عبد العزيز الدباغ المحافظ السابق لخزانة القرويين، الذي توفي صيف 2008 عن عمر يناهز 80 سنة، دور كبير في التعريف بكتب ومخطوطات هذه الخزانة وصيانتها وإيلائها الاهتمام اللازم مستغلا منصبه على رأسها في كل ما من شأنه أن يحمي أرشيفها من التلف والضياع. ووضع الدباغ وهو من الأدباء المغاربة المشهود لهم بإنتاجاتهم الفكرية والثقافية، قرصا مركزا لأهم مخطوطات خزانة القرويين بفاس الذي تولت وزارة الثقافة المغربية نشره وترجمته إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية.