مهرجان دبي السينمائي الدولي (4): السينما البديلة تعود بأسماء أخرى

هل تحسن الوضع من حولها؟

مشهد من فيلم «الخروج»
TT

عدد الأفلام المصرية الروائية الطويلة المنتجة هذا العام يقع في حدود 25 فيلما، بينها أربعة أفلام مختلفة عن السائد، تم عرض ثلاثة منها في هذا المهرجان؛ هي: «مايكروفون» لأحمد عبد الله، و«ستة سبعة تمانية» لمحمد دياب، و«الخروج» لهشام عيساوي. أما الرابع فهو «الحاوي» لإبراهيم البطوط الذي كان آثر الاشتراك في مهرجان الدوحة ترايبيكا الذي أقيم قبل نحو شهر، حيث خرج من هناك بالجائزة الذهبية.

أربعة أفلام تنشد التميز عن الشكل التقليدي لسرد الحكاية والضلوع بنوع من السينما الخارجة عن الخط المعتاد على أمل تأسيس حركة رديفة للفيلم المصري المعتاد.

وإذ تتابع هذه الأفلام تجد نفسك مشتركا في رغبة المخرج الماسة في تحقيق عمل يرفض الاستسلام لمناخ السوق المعمول به ويصر على دخول اللعبة السينمائية بنسيج من المعالجة الفنية والموضوع المختلف، بدوره، عن تلك المطروحة في الأفلام التجارية المتداولة، ومنها ما هو معروض حاليا في مصر وبعض الأسواق العربية الأخرى مثل «لمح البصر» و«إذاعة حب» و«زهايمر»، و«365 يوم سعادة»، و«اللمبي 8 غيغا» وسواها. وهذا الرفض ليس جديدا، وإن كانت أفلام الأمس المصرية عبرت عنه بطرق مختلفة، إذ كان منها ما هو جيد حتى ضمن الأعمال المنفتحة على الجمهور وذات الرغبة في تبؤ النجاح التجاري الواسع الذي كان للسينما المصرية حينذاك. كان من بينها أيضا الأفلام المختلفة التي تشبه، في منطلقاتها ومفاهيمها كما في طرق تنفيذها، تلك المنتجة اليوم، مع اختلاف التسمية، ففي أيام علي عبد الخالق وغالب شعث وصبحي شفيق وشادي عبد السلام وسواهم، كان اسمها «السينما البديلة»، وفي الثمانينات حملت تسمية السينما الجديدة أو المختلفة، وكان قوامها أفلام محمد خان وبشير الديك وخيري بشارة وعاطف الطيب من بين آخرين.

التسمية في حد ذاتها ليست ذات أهمية. إنها لزوم التعريف أكثر منها ضرورة ملحة للتمييز. لكن ما هو مثير للخشية هو حقيقة أن ذلك النوع من الأفلام، إذ أخفق أن يصبح تيارا كبيرا في حد ذاته ورديفا للإنتاج التقليدي، لا يزال يحمل احتمالات إخفاقه اليوم، وربما أكثر من الأمس.

سبب الإخفاق المتوقع ينتمي إلى حقيقة أن الجمهور ليس موجودا لها. ليست هناك المقومات التي تسمح لهذه السينما بالعيش، لأن ما يجعلها تستمر مرتبط بمشتري التذكرة، ومشتري التذكرة اعتاد على نمط من الأفلام لا يكترث لتغييره. لو كان فيلم البطوط «الحاوي» مطروحا اليوم في السوق جنبا إلى جنب أي من الأفلام التجارية السائدة، لنقل مثلا «اللمبي 8 غيغا»، فإن مشتري التذكرة لن يفكر مرتين في أي فيلم سيذهب إليه.

* حالة دائرية

* في حين أن المرء لا يستطيع لوم المشاهد المنفرد، إلا أنه يستطيع لوم الحالة العامة التي تولد مثل هذا التفكير والاتكاء على المعروف والمعهود. لكن اللوم الأكبر هو المنتج والموزع وصاحب الصالة، الذي يعمل كل منهم لحساب الآخر والجميع لحساب الإيرادات. على عكس ما يذهب إليه كثير من النقاد، هذا ليس عيبا، فالسينما في أحد جوانبها تجارة، وكل فيلم بحاجة إلى استرداد تكلفته بلا أي ريب. المشكلة هي أن أحدا من هذا المثلث العامل في الصناعة السينمائية لا يكترث لاستثمار بعض إيراداته ولو في فيلم واحد كل عام أو حتى كل عامين، لا باسم المسؤولية الوطنية ولا حبا في الثقافة العامة ولا رغبة في معاملة الفيلم كنتاج يستحق أن يكون فنيا. والحال هذه، فإن أقصى ما يمكن لهذه السينما البديلة أو المختلفة أو المستقلة فعله هو الاكتفاء بالفرص المحدودة التي تجدها لعلها تستطيع حفر طريق جديدة للاستمرار.

حالة دائرية؟ بالطبع. لكن بعض الجديد فيها هي أنها تحدث الآن وعدد الأفلام المصرية المنتجة هذا العام سوف لن يزيد على 25 فيلما روائيا طويلا. هذا هو نصف ما اعتادت السينما المصرية إنتاجه في معظم سنوات القرن الماضي. هذا يحفز السؤال: هل يعني ذلك أن الأفلام المختلفة الأربعة الواردة عناوينها أعلاه هو نتيجة إخفاق السوق التجارية أيضا؟ أم أنها حالة منفصلة ما دام أنها لا تنتمي إلى تلك السوق أصلا؟

السينما البديلة في أي بلد لا تستطيع العيش إلا إذا كانت مدعومة من الحكومة (وهذا لا يجعلها بديلة، بل رسمية)، أو كانت السينما السائدة في أفضل أحوالها حيث الإقبال متوال والنجاحات كثيرة وعدد الأفلام المنتجة يبرهن على ذلك. هنا، في هذه الحالة، لا ترتفع نسبة الأفلام الخارجة عن النطاق التقليدي فقط، بل تستطيع أن تستمر لأن الانتعاش ليس وضعا انتقائيا بل شاملا. المختلف هذه المرة أن السينما التجارية في مصر أساسا أمام تحديات تجارية كبيرة، ما يجعل نجاح سينما تخرج عن ذلك السائد أمرا أصعب من احتمال نجاحها في مناخ آخر. أربعة أفلام مختلفة هو رقم صحي بلا ريب، لكن بضعة أيام من الصحو لا تعني أن فصل الصيف قد حل.

* الأفلام

* «الخروج» - إخراج: هشام عيساوي.

- تمثيل: محمد رمضان، ومريهان، وسناء مزيان، وأحمد بدير.

- مصر/ الإمارات – 2010.

في نهاية هذا الفيلم، تسبح الفتاة أمل (مريهان) في مياه البحر محاولة اللحاق بالسفينة التي تركت الشاطئ متجهة إلى عرض البحر حاملة فوقها الشاب طارق (محمد رمضان). وكان هذا انتظرها طويلا قبل انطلاق المركب، لكنها تأخرت بسبب مشكلات وقعت في اللحظة الأخيرة. لقد أخبرته أنها ستصل في الموعد المحدد، وحين لم يعد قادرا على الانتظار ركب السفينة وجلس يفكر في الوضع برمته. لكن أحد الملاحين يشاهد أمل وهي تجهد، وقد قطعت شوطا كبيرا بعيدا عن الشاطئ، للحفاظ على سعيها للوصول إلى المركب المنطلق. قواها تخور بسرعة وطارق يراها من فوق المركب وبلا تردد يرمي نفسه في البحر لكي ينقذها.

أمام السيناريو، في هذه الحالات، عدة منافذ: يستطيع أن يصل إليها وينقذ حياتها ويتقدم المركب إليهما لكي يقلهما، وهذه هي نهاية سعيدة. ويستطيع أن يصور وصوله إليها وإنقاذه إياها، لكن المركب مضى بعيدا، مما يضعهما في مأزق حياتي مشترك. كذلك يمكن للسيناريو أن ينتهي والبطل عاجز عن إنقاذ حبيبته فتغرق وهو لا يزال يحاول الوصول إليها. أو كلاهما يغرقان بلا أثر. وهذا الأخير هو ما قرره المخرج عيساوي، الذي سبق وقدم فيلما خارج المسابقة في الدورة الرابعة بعنوان «شرق أميركي» حول شخصيات مصرية وعربية تعيش في لوس أنجليس وتستمد من طينة حياة ما بعد 2001 والصدع الذي أحدثته مواقعها الحذرة داخل المدينة في مواجهة الآثار التي خلفتها العملية الإرهابية.

«الخروج» هو أفضل من الفيلم السابق على عدة أصعدة، لكنه ليس الجواب الفني الكامل للحالة التي يعرضها هنا والتي تنتقل من البحث في المصري في الخارج إلى المصري في الداخل الساعي إلى الهجرة. فالسبب الذي قرر فيه طارق وحبيبته السفر هو الهرب من وضع خاص لن يتيح لهما العيش معا فيه. فهو مسلم وهي مسيحية، وهذا ما يعيدنا إلى فيلم عيساوي الأول، لأن التعايش كان مطروحا بين مسلمي أميركا ويهودييها.

الاختلاف الأبرز هو في تلك النهايات: في «شرق أميركي» حمل تفاؤلا: نعم إذا ما كانت النفوس صافية يمكن للمسلمين واليهود العيش والعمل معا. هناك حالة عدم ثقة يمكن تجاوزها بمد اليد بين الجانبين والنظر إلى الحياة كمصلحة مشتركة. أما في هذا الفيلم فعودة المخرج إلى بلاده لكي يصور فيلمه الثاني كشفت له عن استحالة تحقيق مثل هذا الحلم: هي ستسعى إلى اللحاق بحبيبها. ستبدأ بالغرق في عرض البحر. سيشاهدها وينطلق نحوها. سيغرقان معا. على الرغم من تنفيذ أكثر إيجازا مما كان يجب، فإن هذا ما تحمله هذه النهاية من معنى يصل بوضوح ويترك قيمته الإنسانية ماثلة بوضوح.

قبل الوصول إلى حيث يعترف المخرج باستحالة ما يراه مفترضا به أن يكون، نمر على طارق وأمل اللذين يعيشان في تلك البيئة المدقعة حيث يعملان ويتعرضان لمناطق الضعف المتعددة فيها. والمخرج لا يخشى لومة لائم في مجال إظهار قسوة الظروف عليهما. يقدم الحياة العائلية للفتاة كما يعتقد أنها الأنسب لطروحاته: لديها أم ضعيفة الشأن، تزوجت رجلا (أحمد بدير) لا يتورع عن الاستيلاء على مدخرات الأطفال بلعب الورق المغشوش ولا بيع محتويات البيت أو ضرب زوجته بعدما باع ما ترتديه من أساور. شقيقة أمل تفكر طويلا في حالها وحال ابنها الصغير قبل أن تقدم على الالتحاق ببيت للبغاء يمنحها الثقة بمستقبل أفضل لابنها الوحيد. هذا، في لحظة فالتة من الزمن يطلق النار على زوج جدته فيرديه قتيلا. تهرع أمل إلى الغرفة وتمسك المسدس ويشاهدها الجيران فيولولون فتهرب. هل ستظهر الحقيقة؟ هل ستعترف الشقيقة بأن طفلها هو الذي أطلق النار؟ لن ندري. بعد لحظات ستموت أمل غريقة ويغلق الباب عليها.

* «المغني» - المخرج: قاسم حول.

- تمثيل: عامر علوان، وأثمار خضر.

- العراق - 2010.

سبعة من الأفلام الـ10 المعروضة في مسابقة مهرجان دبي هي لمخرجين جدد. قاسم حول من الثلاثة الآخرين. باعه طويل في العمل السينمائي داخل العراق (أيام النظام السابق) وخارجه. وهو قليل الإنتاج أيضا. هذا الفيلم يأتي كمشروع تطلب سنوات طويلة من التحضير المالي لأجل إنتاجه. المخرجة اللبنانية الراحلة رندة الشهال واكبته قبل وفاتها، وهو أكمل الجهد ووجد السبيل لإقناع جهات فرنسية بتمويله.

على نحو متوقع من المخرج العراقي فإن «المغني» هو عن الوضع في العراق أيام صدام حسين. يختلف عما سبقه في هذا المجال في أنه يختار صرحا للأحداث غير مسبوق: شخصيات وحكايات تلتقي تحت سقف أحد قصور الرئيس الأسبق، وما يحدث معها يصبح عنوانا لحال العراق خلال الفترة، أو هكذا هي وجهة نظر المخرج على الأقل.

فيلم «المغني» يختلف قليلا في هذه الناحية من حيث إنه يروي حالة محددة لا يمكن الاستطراد منها للتعليق على الوضع الحالي أيضا: في يوم عيد ميلاد الرئيس صدام حسين، خلال الحرب العراقية - الإيرانية. توجد بعض الشخصيات في حفل خاص في أحد قصور صدام حسين (ولو أننا نرى الجزء المحدود من المكان). يصل ضابط برتبة كبيرة وصل إليها بترقية خاصة من الرئيس ومعه زوجته الجميلة. تصل امرأتان تعملان في «الميديا» مع رغبة إحداهما في التحول إلى مذيعة تلفزيونية. كذلك هناك الشاعر الذي ينوي إلقاء القصائد التي تتغنى بشجاعة الرئيس وحكمته ونظامه ومعه زوجته التي ترفض الانضمام إلى الجوقة العازفة ولا تكف عن الشكوى.

كل هؤلاء وسواهم يصلون في الوقت المحدد ويتعرضون للتفتيش الدقيق الذي يتضمن، حسب قول الفيلم، البحث عن أسلحة الدمار الشامل في أماكن معيبة من الجسد، قبل السماح لهم بالدخول شريطة تعقيم اليدين وعدم لمس أي أدوات طعام أو مصافحة أي أحد آخر قبل مصافحة الرئيس أولا. من لا يصل في موعده المحدد، المغنى (عامر علوان) إذ تتعطل سيارته القديمة وسط الدروب الزراعية ويمضي معظم النهار راكضا بعوده وسط الحقول في اتجاه بغداد قبل أن يجد من يوصله بعيدا عن القصر. حين يصل يستقبل بلكمة قوية ترميه أيضا، لكن صدام طلب الاستماع إليه وهذا يضمن له المثول أمامه.

طبعا صدام كان وصل واستمع للقصيدة وتابع رقصة «فلامنكو» إسبانية قبل أن يسأل عن سر غياب المغني. حين مثل ذاك طلب منه أن يغني ووجهه إلى الجدار، وهذا ما يفعله المغني والدموع تسرح على خديه.

لكن هناك أمورا أخرى تقع في تلك الليلة: الضابط يكتشف أن زوجته ضاجعت الرئيس، ولذلك تمت ترقيته، وزوجة المغني تتحدث عن مساوئ النظام وكيف أن زوجها باع نفسه، والمرأة التي تحلم بحضور على الشاشة التلفزيونية تكاد تحقق حلمها، لقد قابلها أحد ولدي صدام ووعدها خيرا وهو يلحظ شكلها ويعاين جمالها. والمخرج لا يتوقف عند ذلك بل يصور انتحار الزوج العسكري، وإلقاء القبض على الزوجة التي تقاد إلى غرفة تحت الأرض حيث (مفترضا وليس على نحو ظاهر) سيعتدى عليها وستضرب وقد لا ترى وجه الحياة بعد ذلك الحين.

كل هذا جزء من خامة كان يمكن لها أن تشكل فيلما أفضل بكثير في عدة نواح. مثلا الانتقال بين ما يقع في القصر وسعي المغني إلى الوصول إليه، ليس متساويا في النتيجة الفنية والدرامية لأن تركيبة الفيلم ليست صحيحة. وبما أن المخرج أراد فيلما عن «المغني» (كما عنوانه)، فإن هناك واجبا جعله المحور الحقيقي لما يدور. حلان هنا: فيلم يدور برمته خارج القصر وبعيدا عن مشاهد صدام ومراسمه والحفلة أساسا، حول ذلك المغني الذي ينطلق صباحا وما يتعرض إليه - رغما عنه - مما يمنعه من الوصول في الوقت المحدد، مع ما سيكشفه ذلك من خوفه من العقاب من ناحية، وحال من يمر بهم من بشر من ناحية أخرى، أو يقدم وصول المغني إلى الحفل (ولو كان متأخرا بعض الشيء) وجعله أكثر حضورا ومعاينة لما يدور.

إلى ذلك، هناك الحوار الضعيف والمكتوب بعضه لكي يتكرر، مع أن مضمونه وصل من المرة الأولى. الأسوأ هو الأداء الذي قام به الممثل الذي لعب دور صدام حسين. في ربع الساعة الأولى نسمعه يتحدث بالفصحى، ثم بعد ذلك ينتقل من العامية إلى الفصحى. عدا حواره ذاك، فإنه لا يعكس شيئا يجسد الشخصية التي ما زالت ماثلة لأعدائه كما لمحبيه. ما نراه ليس بالضرورة صدام رغم أنه مقصود به أن يكون.

لقد فوت المخرج فرصة كبيرة لوضع سوريالي بسبب عدم ضبطه مكامن السخرية في المشهد العام. ذلك الموقع المختار لجمع كل هذه الشخصيات وعرضها أمام صدام في أوج زعامته، كان يمكن أن يستفيد من معطيات كثيرة. بما أن الخروج عن الواقع ليس أهم من مهمة إنجاز فيلم جيد، فإن الفيلم كان يستطيع أن يستوعب الصورة السوريالية مجسدة بمشاهد داخلية إضافية وليس موحى بها بفضل اجتهاد المشاهد وحده. «المغني» في نهاية الأمر جريء في ما يطرحه، لكنه أقل جرأة في كيفية ما يطرحه.

* «رصاصة طايشة» - إخراج: جورج هاشم.

- تمثيل: نادين لبكي، وتقلا شمعون، وهند طاهر.

- لبنان – 2010.

أفرزت الحرب الأهلية اللبنانية عددا كبيرا من الأفلام التي تحدثت عنها. بعضها متصل أكثر بجبهة القتال التي اشتعلت ست عشرة سنة، وبعضها تناول الجبهة الداخلية وآثار ما يقع في خطوط التماس عليها.

«رصاصة طايشة» هو من الفئة الثانية ويدور حول عائلة مسيحية مؤلفة من الأم وبنتيها وابنها وزوجته وابنتيهما وكلهم تحت سقف واحد. نُهى (نادين لبكي) تختلف عن الباقين في قراءتها للواقع الذي تعيشه. إنها على أهبة القبول بعريس لا ترغبه فقط من باب الخوف من أن تصبح عانسا كما شقيقتها. لكن حبها الحقيقي هو لجوزيف على الرغم من عيوبه، فهو، بالنسبة لنهى، منطو ولا يتفاعل كما تريده. في يوم زيارة عائلة العريس لعائلة نهى، تخرج نهى مع جوزيف في سيارته القديمة إلى بعض أحراش البلدة ويختلفان. تخرج من السيارة لتفاجأ بملثمين (مسيحيين) يجرون رجلا وضعوه في كيس حيث يتم إعدامه بعدة رصاصات. مطلق الرصاص ما هو إلا فتاة من ميليشيا (ما). حين يهرع جوزيف لمعرفة ما يدور، يؤمر بالامتثال ويسأل ما إذا كان في هذا المكان وحده. يجيب بنعم لكي يمنع الأذى عن نهى التي تشهد قيام المسلحين باقتياده بعيدا. سوف لن تراه بعد الآن وسوف لن نراه نحن أيضا بعد ذلك المشهد.

لكننا سنرى الفتاة القاتلة نفسها، فهي ليست سوى شقيقة العريس. المشهد الذي عني المخرج بسرده يحتوي على اختلاف شديد في الرأي: القاتلة تدافع عما تقوم به الميليشيات المسيحية في المخيمات الفلسطينية، وزوجة شقيق نهى تنبري لتقول إن هذا الهجوم على المخيمات الفلسطينية (والفيلم كان أورد في مطلعه أن أحداثه وقعت خلال ذلك) هو فعل غير إنساني، كون القتل كان عشوائيا.

يلي ذلك خلاف أكبر شأنا بين نهى وشقيقها، فهي قررت رفض الزواج وشقيقها يضربها، مما يؤدي بها إلى ترك البيت ليلا. تحاول والدتها اللحاق بها، مما يؤدي إلى مأساة تعاني منها نهى لسنوات كثيرة بعد ذلك، إذ انفصلت تماما عن الحياة فاقدة الرغبة فيها. يحاول جورج تقديم فيلم مدروس بعناية. لكن الخطأ ليس كتابيا، كما العادة في الكثير من الأفلام الأخرى، بل في اختيار المخرج من اللقطات حجما وتنوعا. ذلك المشهد الطويل الذي يقع خلال الزيارة العائلية وما ينتج عنه من مواقف، كان من المفترض أن يكون متوترا على نحو تلقائي، لكن ما يمنع ذلك هو معاملة كل الشخصيات بلقطات متساوية الحجم والزوايا، مما يخلق مشهدا مسطحا رغم ما يدور، حواريا، فيه.

جورج هاشم يملك خلفية مسرحية وربما، ربما فقط، شاهد أعمالا لإنغمار برغمن، الذي لديه أيضا خلفية مسرحية، وحاول الاستلهام من أسلوبه. وإذا كان هذا الافتراض صحيحا كما يوحي الفيلم به، فإن النتيجة لم تتضمن تحليل لقطات برغمن وأسباب استخدامها على هذا النحو وما يعنيه المكان من حضور. على ذلك، الفيلم تجربة مستحقة تنضم بتميز للأعمال اللبنانية التي تطرقت إلى فاجعة أثبتت هشاشة الوضع وضعف اللحمة التي تربط بين الناس. حقيقة، إن المخرج اكتفى بذلك القدر من السياسة وانصرف إلى «تفليم» حياة امرأة لا تحقق ما تريد في ظل تلك الظروف يمنح الفيلم أفضل قيمه وخصاله.