الهجرة من لبنان.. صرخة شبابية بـ«لغة الشارع»

رسومات بالفن «الغرافيتي» تعكس هموم الشباب اللبناني وتحل مكان شعاراته السياسية

يزن حلواني الفائز بالمرتبة الأولى أمام لوحته «أناديكم» («الشرق الأوسط»)
TT

بين الهجرة النفسية التي يعيشها اللبنانيون الصامدون في وطنهم والهجرة الفعلية التي حوّلت لبنان إلى بلد العجزة، جاءت صرخة شبابه بـ«الفن الغرافيتي» في شارع الحمرا تحت عنوان «الهجرة.. ألم يعد لنا مكان؟!» ليعبّروا بفنّهم عما يشعرون به من غربة في وطنهم وخارجه. يوم طويل، أمضاه الشباب المشاركون مع المنظمين ولجنة التحكيم المؤلّفة من الفنانين فايق حميصي وعايدة صبرا ورسام الكاريكاتير أرمان حمصي، تاركين العنان خلال ساعات، لمخيلتهم كي تفرغ ما فيها من هواجس مستقبلية تؤرق حاضرهم، ولا سيّما تلك المتعلّقة بالهجرة لتأمين المستقبل والعيش بسلام.

تقول جمانة عبد الهادي إحدى أعضاء منظمي النشاط لـ«الشرق الأوسط» نحن مثل كلّ اللبنانيين نعاني ونرى ما يصيب هذا البلد من هجرة لشبابه وأدمغته، فقرّرنا الانطلاق بهذا المشروع لإيصال صوتنا إلى من ضجرنا من أصواتهم التي تحاصرنا، علنا نستبدل بالشعارات السياسية المعلّبة فنا بلا حدود هو الغرافيتي».

ولأنّ الهواجس مشتركة وجامعة، كانت هذه المناسبة لتجسيدها بـ«الغرافيتي» أو «لغة الشارع» التي زيّنت شارع الحمرا من خلال الجدران المتنقّلة والتي كانت كفيلة بإبراز هوايات طلاب الجامعات والمدارس الذين احترفوا هذه الهواية واعتادوا أن يمارسوها في شوارع لبنانية عدّة مع اعترافهم بأنّ الحرية في ممارسة هذه الهواية تكمن في عدم وجود قانون لبناني يمنع على أي شخص القيام بها.

عبارات عدّة مختصرة كتبت بالعربية والأجنبية عكست هموم هؤلاء، فاختار مثلا الشاب يزن حلواني (17 عاما) الذي فاز بالمرتبة الأولى، كلمة «أناديكم» لمناداة الشباب اللبناني المهاجر للعودة إلى وطنه. وفي حين يجتمع معظم المشاركين على إلقاء التّهم على الدولة اللبنانية، يعبّر حلواني عن وجهة نظره المختلفة بجملة ذيّلت لوحته: «لا تسأل ما يمكن أن يقدّم لك بلدك، بل اسأل ما يمكن أن تقدّمه لبلدك». وحلواني الذي «لملم أسس هوايته» من مصادر عدّة أهمّها «الدهّان» والخطّاط العربي.. يقول: «أعبّر عن أفكاري بفنّ الشارع كي توصل رسالتي أسرع، والأهمّ من ذلك أنّنا بعملنا هذا نساهم في تنظيف الجدران من الملصقات الإعلانية ولا سيّما تلك التي لا تزال مشوّهه منذ الانتخابات الأخيرة». ولأنّ العنوان واحد والوسيلة وحيدة لكنّ الأفكار متنوّعة وإن كانت تدور في فلك الهجرة، كانت لوحة رامي المعلّم وراوول كبريت الساخرة «خلّيك عنّا كلّ شيء - Leaving Beirut» التي فازت بالمرتبة الثانية وتلتها في المرتبة الثالثة لوحة مادونا سمعان «هجرتونا بس ما هجّرتونا». أما ميريلا سلامة فعبّرت عن الهجرة النفسية والوحدة التي يعيشها الشاب اللبناني في وطنه والتي قد لا تقلّ وطأة عن الهجرة الفعلية التي يعيشها خارج هذه الحدود. فيما كانت صرخة كلّ من جولي خوري وتيما غلاييني «بدموع أرزة لبنان» التي تتساقط أوراقها حزنا على شبابها بعبارة «وطنك أبقالك ما تترك ترابك». وفي حين اختار كذلك أحد المشاركين أن يطرح السؤال «لوين»؟ في لوحة واحدة تجمع رموز الأحزاب اللبنانية مع إشارة السلام العالمي علّ أن يتحوّل اجتماع هؤلاء في يوم ما إلى سلام بدل الحروب، عبّر آخر عن ما سماه حالة «اليأس والحيرة» التي تتحكّم في حياة الشاب اللبناني فتجعله يتأرجح بين اتخاذ قرار الهجرة أو عدمه، من بلد يعيش بشكل دائم على «حافة الحرب»، مستخدما كلمة عامية شائعة بين الشباب اللبناني للتعبير عن أجواء سهراتهم «ولعانة» إنما قاصدا بها هذه المرّة الحروب التي «تولع» لبنان وتبقى متربّصة به.

وتجمع منظمتا المشروع عبد الهادي وجيسي تادرس على أنّ هذا النشاط هو «مساحة أو فرصة تعبير حرّة بوسيلة غير تقليدية على لسان الشباب الذين يجمع بينهم همّ مشترك هو الصعاب والتحديات التي يواجهونها يوميا والمهدّدة في الوقت عينه لوجودهم بغض النظر عن انتمائهم الطائفي أو الحزبي. فيجد كلّ منهم نفسه أمام خيارين، إما الانغماس في كفاح يومي لبناء وطن ودولة أو الهجرة خارج الجغرافيا اللبنانية وخارج ذاته الحقيقية وانتمائه إلى الوطن ومسؤوليته كمواطن». أما لماذا الغرافيتي فبكلّ بساطة «لأنه فنّ ديمقراطي يترك لكلّ منا حرية في مقاربته للأمور لتقديم رسائل غير مباشرة. وهو نشأ بالتالي ليعبّر عن صراعات الأفراد داخل المجتمعات والأفكار والمواقف المعبّرة عن روح التمرّد والثورة والغضب والقهر الاجتماعي والسياسي والاقتصادي كما قد يكون وسيلة مهمّة للتعبير عن الفرح والحب..».

وفي نهاية يوم «الغرافيتي» الطويل الذي تخللته عروض مسرحية وموسيقية وتفاعلية تحاكي ثقافة الشارع وفنونه، كان الختام مسكا وموسيقيا على طريقة الفنان اللبناني أحمد قعبور الغنائية المعبّرة عن هموم لبنان وشبابه اليومية، بصرخة واحدة «نحنا الناس».