بسبب المناخ الجاف.. المزارعون الهنود يتجهون إلى زراعة محاصيل جديدة

بعد أن أثبتت دراسات أن التراجع قد يصل إلى 30% خلال العقد الثامن من القرن الحالي

محاولة المزارعين التكيف وزراعة محاصيل جديدة وتبني استراتيجيات جديدة للتأقلم مع عقد من الزمن تبدو مؤلمة من أوجه كثيرة
TT

هبت رياح موسمية شديدة وتسببت في هطول أمطار غزيرة العام الحالي استمرت لأيام وأسابيع، في بعض الأحيان، مما جعل الطرق في حالة سيئة ومليئة بالحفر والبرك الصغيرة. وأصبحت المناطق المنخفضة في الريف مبللة، وامتلأت الخزانات في القرى بشكل خطير.

وشاركت الرياح بنصيبها من المصاعب من فيضانات وتسرب المياه من الأسقف وانتشار الإنفلونزا، ومع ذلك فهذا الوقت يمتاز بالجمال؛ حيث تعود الأشجار والغابات للحياة وتتنقل الطيور والفراشات، وأحيانا الأرانب، بين الأمطار.

من أجمل ذكريات طفولتي هي حقول الأرز المغمورة بالمياه بعد الرياح المصحوبة بالأمطار؛ حيث ما زلت أذكر كل هكتار كان به اللون الأخضر الزمردي الذي يمتد حتى الأفق.

فوجئت العام الحالي بشعور لا يمكن أن يخطئه المرء بقلة عدد حقول الأرز؛ حيث أفسحت الأراضي الزراعية بطول الطرق السريعة المجال للمباني. وبدت الحقول مختلفة حتى في قلب الريف، فقد كان هناك القليل من الأرز والمحاصيل التقليدية مثل البندق وقصب السكر، بينما كثرت زراعة الكازارينا وشجر زيت النخيل والمحاصيل التي تسمى المحاصيل النقدية.

تحدثت مؤخرا مع المزارعين في هذه المنطقة، وأكدوا لي حدوث تغير في أنماط الزراعة، وقد عزز هذا القول بشكل من الأشكال ما يشاع عن تراجع في الزراعة. تحتاج الكثير من المحاصيل إلى كمية كبيرة من المياه وعدد كبير من العمالة، في حين يوجد نقص متزايد في كلتيهما. لم يعد باستطاعة المزارعين حول إلفالاباكام زراعة المحاصيل التي كان آباؤهم يزرعونها.لكن يعتبر هذا التغير مؤشرا يبعث على الأمل في مجال الزراعة في هذا الجزء من جنوب الهند وإن كان في بدايته؛ حيث يشير إلى محاولة المزارعين التكيف وزراعة محاصيل جديدة وتبني استراتيجيات جديدة للتأقلم مع عقد من الزمن يبدو مؤلما من أوجه كثيرة.

في ظهيرة أحد الأيام الممطرة زرت مزارعا عمره 80 عاما يسمى فينكاتافاردها ريدي يمتهن الزراعة منذ عام 1950 ويعيش في منزل ذي سقف مرتفع وبه أقواس أنيقة وأرضية لطيفة مغطاة بالإسمنت على أطراف أرض مساحتها أكثر من 50 هكتارا أو 100 فدان.

أخذ ريدي يحكي موجزا لتاريخ الزراعة في المنطقة وهو يجلس على كرسي من القصب في شرفة منزله. قال ريدي إن الزراعة عند بداية عمله بها كانت مجالا صعبا، لكن في نهاية الستينات ومع بزوغ الثورة الخضراء بدأت الأمور تتحسن حتى وصلت إلى أفضل أحوالها في السبعينات والثمانينات عندما كانت المياه متوافرة والعمالة رخيصة والأسمدة الكيماوية تزيد غلة المحاصيل.

لكن السنوات الأخيرة كانت عصيبة؛ حيث تسببت الكيماويات في تآكل التربة، وتسببت مضخات المياه رخيصة الثمن والآبار في انخفاض مستوى المياه الجوفية. وزاد الدخل بفضل الفرص الجديدة في الصناعات المحلية والمدن. وعلى الرغم من أن هذا التطور الأخير يفيد أهل القرى، فإنه يجعل من المستحيل الحصول على أيدٍ عاملة في الحقول بأجور معقولة. قال ريدي: «قطاع الزراعة بأكمله ينهار»، مضيفا أن أبناءه الثلاثة يعيشون في المدينة وغير مهتمين بالعمل في المزرعة.

لم يكن أي من هذا جديدا بالنسبة إليَّ؛ فقد سمعت قصصا مشابهة من مئات المزارعين على مدار سنوات؛ حيث تنتشر هذه القصص في أنحاء البلاد. وقد كتب سوامينثان، الذي يلقب في كثير من الأحيان بأبي الثورة الخضراء في الهند، عن «أزمة الزراعة الهندية».

وبحسب تقديرات معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، وهو مؤسسة بحثية مقرها واشنطن، يمكن لتغير المناخ أن يؤدي إلى تراجع في كمية المحاصيل الزراعية بالهند بنسبة 30% خلال العقد الثامن من القرن الحالي. لكن عندما بدأ ريدي الحديث عن التغيرات التي تحدث في مزرعته، صحبني في جولة وأراني كيف تغير الحال، وعندها سمعت أمرا جديدا بالنسبة إلي، هو إمكانية حدوث تغير، وهو ما قد يضر بالقطاع الزراعي. يبدو ريدي في حال جيد؛ حيث يسير مستعينا بعكاز، لكنه ما زال قادرا على الوقوف على قدميه والحفاظ على ثباته وسط الوحل. وقد أراني ريدي تقنيات الري الحديثة التي أدخلها للحفاظ على المياه، وأشار إلى الأنابيب المصنوعة من الألومنيوم التي تمر عبر حقوله وكذلك العمود الفقري لنظام الرش. وقد قام بتثبيت شبكة ري بالتنقيط.

وقد قال لي إنه اتجه بشكل كبير إلى الطرق العضوية وأراني حوضا مزروعا من الأسمدة العضوية (أغلبها من سماد البقر) موضوعة على عمق 4 أمتار أو 13 قدما، وقد استخدمها في زراعة جوز الهند. وقال: إن الثمرات كانت أكبر ومذاقها أفضل.

وأضاف ريدي أن الزراعة العضوية هي الخيار الوحيد المتاح للمزارعين؛ فهو لا يتخيل استمرار الزراعة إن ظلت تعتمد على الكيماويات التي سممت التربة لفترات طويلة. وتحدث ريدي كثيرا عن المحاصيل الجديدة التي كان يزرعها؛ حيث تخلى عن زراعة المحاصيل التقليدية مثل الكثير من المزارعين الآخرين ووجد أن زراعة الفاكهة والخضراوات موفرة أكثر. وأوضح ريدي أن زراعة الموز وجوز الهند والمانجو قد حافظت على بقاء المزرعة على مدار السنوات القليلة الماضية.

كان ريدي يأمل في إنتاج محصول تم استيراده مؤخرا من ماليزيا؛ حيث أشار إلى أرض مساحتها 10 هكتارات مزروعة بجذوع شجر قصيرة وغليظة سوف تنتج جرارا ممتلئة بزيت النخيل.

عبر البعض عن قلقهم من التأثير البيئي الذي قد ينتج عن زراعة شجر زيت النخيل، خاصة في جنوب شرقي آسيا، لكن ريدي قال: إن زيت النخيل صحي وصديق للبيئة. وأضاف أنه تم استخدامه في الوقود الحيوي وأن الكثير من المزارعين يتجهون إلى زراعته. ويعتقد ريدي أن زيت النخيل يمثل مستقبل الزراعة في هذه المنطقة.

واتفق أحد المزارعين من أقرباء ريدي معه في الرأي؛ حيث قال إنه عندما اتجه إلى زراعة شجر زيت النخيل أخبره مهندس زراعي بأنه سيتمكن قريبا من شراء سيارة «مرسيدس» وهو ينتظر، شأنه شأن ريدي، منذ سنوات. ويتوقع الاثنان تدفق الزيت خلال بضع سنوات.

في طريق عودتنا إلى المنزل مع بداية حلول الظلام سألت ريدي إن كان يعتقد أنه من الممكن إنقاذ مزرعته، فأجابني، مشيرا إلى زيت النخيل تحديدا: «ما زال الأمر في طور التجريب، فلننتظر ونرَ». وقال بشكل عام: «يحدوني الأمل، يجب أن يحدوني الأمل، فمن دون هذه التقنيات الحديثة كلها، لكانت الزراعة قد انتهت. إنني أراقبها يوما تلو الآخر».

* خدمة «نيويورك تايمز»