استخدامات طريفة في اختيار السوريين لأسماء دكاكينهم

مع التشدد في استخدام الأسماء العربية

بعض المحلات السورية ذات الأسماء الغريبة («الشرق الأوسط»)
TT

قبل أشهر قليلة اشترى سامر دوماني محلا في إحدى أسواق دمشق الشعبية، من خلال مبلغ مالي ورثه عن والده, وقرر سامر تغيير نمط استثمار واسم المحل، حيث كان صاحبه السابق يستثمره في بيع الألبسة والأدوات الرياضية إلى بيع الماكياجات ومستلزمات زينة المرأة, يروي سامر رحلته مع افتتاح محله واختيار الاسم المناسب؛ حيث قرر تسميته في البداية باسم ابنته الصغيرة (زينة)، وهو معبر بشكل جيد عن نمط عمله في المحل، ولكنه عندما أراد تثبيت الاسم في رخصة المحل لدى الجهات البلدية المعنية فوجئ بالرفض، لأن الاسم مستخدم من قبل أحد الأشخاص ولنفس نمط البضاعة التي يريد بيعها، ولذلك لن يتمكن من إنجاز ترخيص المحل, فقرر وضع اسم جديد، وهو اسم عارضة أزياء عالمية، فرُفض طلبه وترخيص محله بهذا الاسم لأن هناك قرارا بمنع تسمية المحلات إلا بالأسماء العربية, فعاد سامر وبحث عن اسم جديد غير مستعمل في مجال تخصص محله، ووجده أخيرا، وهو اسم لزهرة جميلة يحبها سامر.

ولاختيار الأسماء لمحلات المدن السورية من قبل أصحابها حكايات وقصص واعتبارات وتصنيفات متنوعة؛ فمع موجة الانفتاح الاقتصادي الذي تشهده سورية حاليا، ودخول وكالات لمنتجات استهلاكية أجنبية كثيرة، وقيام الكثير من أصحاب المحلات بتسمية محلاتهم بأسماء أجنبية تشبها بأسماء هذه الوكالات، ولجذب الزبائن، اتجهت السلطات المعنية قبل عدة أشهر إلى تشكيل لجان تمكين اللغة العربية، يترأسها محافظ كل مدينة سورية، وتتمتع بصلاحيات واسعة في مجال المحافظة على اللغة العربية، ومنها إنذار أصحاب المحلات ذات الأسماء الأجنبية بتعريبها خلال فترة معينة، وإلا فسيكون أمام عقوبة إغلاق محله حتى يعرب الاسم. كما شددت هذه اللجان على عدم ترخيص أي محل يريد صاحبه إطلاق اسم أجنبي عليه، باستثناء الوكالات الأجنبية وفروعها في المدن السورية.

وقد أسهمت هذه الإجراءات التي لاحظها السوريون واضحة في تغيير لافتات محلات والأسماء المكتوبة عليها.

ويرى الباحث الاجتماعي معن المحمد أن هذا الإجراء جاء في وقته مع موجة تداول الكلمات الأجنبية، وخاصة الإنجليزية، بكثرة في أحاديث السوريين في السنوات الأخيرة، ومنها كلمات صارت شائعة مثل: «هاي»، وباي، وأوكي، ومسيو، وغيرها»، وتعتبر من «البريستيج والإتيكيت» في لقاءات السوريين وحتى في الأوساط الشعبية وطلبة الجامعات والمدارس، ولذلك ركب أصحاب الدكاكين الموجة، وصاروا يطلقون على دكاكينهم، حتى ولو كانت صغيرة وبسيطة، أسماء أجنبية.

ويصنف الباحث المحمد اختيار الأسماء للدكاكين من قبل أصحابها بعدة اعتبارات ومنها أن البعض يعتمد اسم الشارع والسوق والحارة حيث يوجد فيها دكانه، فيطلق الاسم عليه، حتى ولو لم يكن الاسم متناسبا مع طبيعة وتخصص نوع تجارة محله، ولذلك تحدث بعض المواقف الطريفة هنا، مثل وضع أسماء شعراء وفلاسفة ومؤرخين ومشاهير على هذه الدكاكين؛ فنشاهد اسم دكان مثلا: «المتنبي لبيع اللحوم الحمراء» أو «ابن زيدون للفلافل» و«تسقية ومسبحة ابن عساكر» و«الأمين لتصنيع المفاتيح» و«الأصمعي للجلديات» و«ابن رشد لبيع بطاقات الإنترنت والخليوي»، و«عمر الخيام لبيع أجهزة الهاتف والشواحن الكهربائية»، و«زنوبيا لبيع المنتجات البلاستيكية»، و«أوغاريت لبيع الشراشف والبطانيات»، وغير ذلك! والطرافة هنا (يتابع المحمد) الاختلاف الجوهري ما بين الاسم وطبيعة البضاعة في الدكان؛ فقد نفهم أن يطلق على مكتبة اسم المتنبي أو ابن زيدون، وليس على مطعم لبيع الفلافل والمسبحة ولحوم غنم أو عجل أو دجاج.

أما الاعتبار الآخر في اعتماد الأسماء من قبل السوريين؛ فهو اعتماد أسماء عائلاتهم وأولادهم أو ألقابهم التي يكتبونها، فنشاهد مثلا دكاكين باسم «سمر للألبسة النسائية» أو «رامي للألبسة الرجالية» أو «المجد للمأكولات البحرية» أو «غذائيات مروة» أو «أبو العبد للشرقيات» و«أبو النور لتصليح الحنفيات وبيع مستلزمات الحمامات والمطابخ»، أو «أبو العز لخدمات دوزان السيارات»، وغير ذلك! ولكن من النادر (يضحك المحمد معلقا) أن يعتمد صاحب دكان اسم زوجته! وتصنيف آخر يعتمده السوريون في تسميات دكاكينهم، ومنها أسماء المدن والعواصم والأماكن التاريخية الشهيرة، وهذا أمر طبيعي؛ كان يطلق أحدهم اسم «تاج محل» أو «قرطبة» أو «قصر الحمراء» أو «الأندلس» وغيرها, وهناك الكثير من السوريين الذين كانوا يعملون في دول الخليج أو في المغتربات الأميركية وغيرها، وعندما عادوا لسورية وافتتحوا دكاكين أو شركات تجارية مما ادخروه في غربتهم أطلقوا أسماء المدن التي كانوا يعملون بها على محلاتهم وشركاتهم كنوع من الوفاء والحنين لها؛ فنرى مثلا محلات بأسماء «الكويت» و«الرياض» و«الدوحة» و«البرازيل»، وغير ذلك.

وهناك موجة جديدة انتشرت قبل سنوات قليلة في تسمية الدكاكين والمقاهي والمطاعم، وهي إطلاق أسماء شاعرية ورقيقة، وحتى أسماء ثقافية وفلسفية عليها، وقد تبنى هذه الأسماء الجيل الشاب المستثمر لهذه المحلات والمنشآت؛ فبتنا نقرأ مثلا: «مقاهي قصيدة النثر» و«جدل بيزنطي» و«نزل السرور» و«فسحة أمل» و«درج الورد» و«الحور العتيق» أو «مطاعم العشاق» و«درج الياسمين» و«الريان»، وغير ذلك، أو «صالون الفاتنات للتزيين النسائي» أو «نظرة لخدمات التصوير» أو «عصائر الغزال الشارد» و«كافتيريا الوادي» أو «البيلسان» أو «الخوابي» و«الزيتون» و«البستان»، وغيرها، في حين انتشرت أيضا، وبشكل واسع، في السنوات الخمس الماضية موجة تسمية المحلات بأسماء المسلسلات التلفزيونية التي حازت على جماهيرية كبيرة، فصارت متداولة بشكل كبير، ومنها مثلا مطاعم ومقاهي ومحلات لبيع المواد الغذائية باسم «باب الحارة» و«بيت جدي» و«أهل الراية» و«ليالي الصالحية» و«الفصول الأربعة» و«مرايا» و«بقعة ضوء» و«فذلكة»، ومع إطلاق أسماء مشاهير هذه الأعمال على الدكاكين مثل «أبو عصام للحلاقة الرجالية» و«أبو ليلى لخدمات الحفلات والأعراس والمناسبات الاجتماعية» و«أبو صياح للخياطة الرجالية»!