تنامي التحاق طلاب مسلمين بكليات كاثوليكية أميركية

أثار صدمة وحيرة المسؤولين الإداريين

إحدى الكليات الكاثوليكية في واشنطن (أ.ب)
TT

خلال فترة استراحة قصيرة بين الحصص الدراسية الأسبوع الماضي، تسللت ريف شبنان إلى غرفة خالية بالجامعة الكاثوليكية لبدء صلاتها اليومية.

وفي طرف آخر من الغرفة، حمل الجدار صورة ضخمة ليسوع حاملا الصليب. وعلى جدار آخر، تدلت صورة لقس راحل. وعلى ارتفاع كبير، تدلى تمثال خشبي صغير للمسيح مصلوبا.

واعترفت شبنان بأن هذه الغرفة ليست بالمكان المثالي للصلاة بالنسبة إلى مسلم، لكن بعد الفترة التي قضتها بالجامعة الكاثوليكية، وتتجاوز عامين، أصبحت الغرفة المكان المألوف لها لإقامة الصلاة، واكتسبت في عينيها قدسية خاصة. وقالت شبنان (19 عاما)، من السعودية، إن الله موجود في كل مكان، حتى داخل الجامعة الكاثوليكية الأولى بالولايات المتحدة.

الملاحظ أن السنوات القليلة الماضية شهدت ارتفاعا كبيرا في أعداد الطلاب المسلمين، أمثال شبنان، الملتحقين بجامعات كاثوليكية عبر مختلف أرجاء الولايات المتحدة. وأشار «معهد أبحاث التعليم العالي» إلى أنه في العام الماضي جاءت نسبة الطلاب المسلمين داخل الكليات الكاثوليكية أعلى منها داخل الكليات التقليدية التي تستمر الدراسة بها أربع سنوات. وأثار هذا التدفق المسلم على الكليات الكاثوليكية صدمة وحيرة المسؤولين الإداريين. وقد حرصت بعض الكليات الكاثوليكية على توفير أماكن صلاة للمسلمين، واستعانت بأئمة مسلمين لإمامة الصلاة بها.. إلا أن كليات أخرى لا تزال في حيرة من أمرها حول كيفية التكيف مع هذا الواقع الجديد.

جاءت واحدة من كبرى الزيادات في أعداد الطلاب المسلمين داخل الجامعة الكاثوليكية في شمال شرقي واشنطن. خلال السنوات الخمس الماضية، وبينما تضاءلت أعداد الطلاب المسيحيين الكاثوليك بالجامعة، ارتفعت أعداد الطلاب المسلمين لأكثر من الضعف، من 41 طالبا عام 2006 إلى 91 هذا الخريف. ويأتي أكبر عدد من الطلاب الدوليين الآن من السعودية.

من جانبهم، قال طلاب مسلمون إنهم يلتحقون بكليات كاثوليكية لأسباب إقبال أقرانهم الآخرين عليها نفسها، وهي المباني الجذابة وأساتذة على مستوى رفيع وبرامج أكاديمية تتلاءم مع اهتماماتهم. إلى جانب ذلك، يشعر الطلاب المسلمون بانجذاب روحي نحو قيم مشتركة تجمع الديانتين المسلمة والمسيحية.

وأوضحت شبنان، التي تدرس العلوم السياسية وغالبا ما تغطي شعرها بـ«إيشارب» ذي لون بيج باهت، أنه «نظرا للطابع الديني الواضح للمكان، لا يعد من المستغرب هنا أن تهتم بأمر دينك، وأن تصلي وتجعل الدين أولوية. إنهم يشتركون معنا في القيم نفسها».

وفي إجراءات تحمل أصداء الثقافة الإسلامية المحافظة، تفصل الجامعة أماكن نوم الطلاب والطالبات وتفرض مواعيد معينة للزيارة. وتحظر الجامعة الدخول في علاقات حميمة قبل الزواج. وتعد الصلاة اليومية والصيام الدوري من الأمور الشائعة.

في الوقت ذاته، يجد الطلاب المسلمون أنفسهم منغمسين فيما قد يبدو أحيانا في أيقونات ورموز غريبة عليهم، مثلا، يزين كل فصل تقريبا تمثال للمسيح مصلوبا. ويضم الحرم الجامعي تمثالا للسيدة العذراء وطفلها المسيح. وغالبا ما يستهل الأساتذة الدروس بدعاء ليسوع. كما تفرض الكلية خوض دورات دراسية في علم اللاهوت.

وهكذا، وجدت شبنان نفسها تشتري أول إنجيل في حياتها لمساعدتها في دورة كانت تخوضها عن العهد القديم. وأضافت بابتسامة أن ذلك أيضا كان السبب وراء تسجيلها اسمها لخوض دورة تعليمية تشكل مدخلا لمعرفة الإسلام. وقالت: «كنت أبحث عن مادة سهلة. وقد تعلمت الكثير من الأمور الجديدة.. وكان من المذهل بالنسبة إليّ أن أرى كيف يرى شخص من خارج الإسلام تماما ديننا».

ومع ذلك، تبقى هناك بعض الجوانب السلبية وراء كون المرء مسلما داخل جامعة ينتمي غالبية أبنائها إلى الكاثوليكية.

مثلا، يتناول غالبية الطلاب المسلمين جميع المأكولات المعروضة بمطعم اتحاد الطلاب. إلا أنه بالنسبة إلى الطلاب الأكثر تشددا، فإن الحاجة إلى الطعام قد تضطرهم إلى التوجه إلى منطقة بوتوماك للعثور على لحم حلال.

ورغم أن كليات كاثوليكية أخرى خصصت غرفا للصلاة وجمعيات طلابية لخدمة طلابها المسلمين الذين تتزايد أعدادهم، فإن الجامعة الكاثوليكية لم تتخذ أيا من الخطوتين. ولإقامة صلواتهم اليومية الخمس، غالبا ما يناضل المسلمون للعثور على حجرات دراسية خالية يمكنهم الصلاة فيها.

ويتعبد بعض الطلاب داخل الكنائس الصغيرة التابعة للجامعة أو الكاتدرائية التي تطل على الحرم الجامعي بأكمله.

خلال الفترة التي قضاها بالجامعة الكاثوليكية وتتجاوز أربع سنوات، تردد علي بصيري (27 عاما) بانتظام على الكنيسة الصغيرة القائمة بكلادويل هول، وهي أقدم مباني الحرم الجامعي، إلى درجة أن صداقة تولدت بينه وبين عازف الأرغن هناك.

وقد استغرق بصيري بعض الوقت حتى تكيف مع الحياة خارج إيران. خلال النصف الأول الدراسي له بالجامعة، عاش بصيري في مساكن الطلاب داخل الجامعة، وحاول ألا يبدو مصدوما عندما كانت النساء يمددن أيديهن لمصافحته ويحتضنه أحيانا.

وأوضح بصيري أن جميع المدارس بإيران دينية وتخضع إلى إدارة الحكومة الإسلامية. وحملت الجامعة التي نال منها درجة البكالوريوس اسم رجل دين مسلم، وحدد قسم الهندسة الذي كان يدرس فيه قواعد مفصلة للصلاة، وفصل أماكن الصلاة المخصصة للرجال والنساء بستار. إلا أنه داخل الجامعة الكاثوليكية، تمكن بصيري من صياغة سبل جديدة للتواصل الروحي مع السماء، فخلال عدة مرات أسبوعيا، حرص طالب الهندسة الكهربية على المرور أمام تمثال مرمري للسيدة العذراء بمدخل كنيسة كلادويل والجلوس في صفوف المقاعد بالكنيسة لينصت إلى أدعية إسلامية عبر جهاز «إم بي 3» يحمله معه.

وقال: «أعتقد أن هناك أمرا قويا بشأن هذا المكان، لأن الناس هنا يفكرون دوما في الله، وليس في حياتهم أو دراستهم فحسب».

وقد تمكن بصيري من تكوين صداقات مع كاثوليكيين لا يقلون تدينا عنه.

وعن ذلك، قال أحد أصدقائه، ويدعى كيني وايت (20 عاما) من أنابوليس: «إنه يعلمني صلاته بالعربية، بينما أعلمه الصلوات التي أتلوها كمسيحي كاثوليكي. لقد عرفت أمورا جديدة عن الرب من خلال معرفتي ببصيري ودينه. لقد كان ذلك جزءا مهما وجميلا من وجودي هنا».

وكان هذا النوع من العلاقات هو الدافع وراء محاولات بصيري بناء اتحاد للطلاب المسلمين. وكان يرغب في مساعدة الطلاب المسلمين على التواصل مع بعضهم والتجمع للصلاة، إلى جانب الإسهام في إثارة حوارات عبر الأديان.

وقد استعان بمستشار في شؤون الجامعات وملأ الاستمارات اللازمة، ومرت فترة لم يسمع خلالها بأي تطور جديد بهذا الخصوص.

بعد ذلك، تحدث إليه أحد المسؤولين الإداريين وأخبره بأن محاولة إقامة اتحاد مسلم داخل مؤسسة كاثوليكية بهذا الحجم لن تفلح.

وعندما سئل عن تقييمه لهذه التجربة، بدا بصيري مترددا إزاء التفوه بأي انتقادات ضد مؤسسة قال إنها احتضنته تماما ومنحته فرصة للارتقاء دينيا وأكاديميا.

وقال: «أتفهم صعوبة ذلك. في إيران، إذا حاولت إقامة اتحاد كاثوليكي داخل جامعة مسلمة، سيبدو الأمر على الدرجة نفسها من الغرابة والصعوبة».

والملاحظ أن كليات كاثوليكية أخرى شهدت تناميا في أعداد الطلاب المسلمين بها، خصصت بالفعل غرفا لهم للصلاة وتأسست بها اتحادات للطلاب المسلمين.

ويوجد بجامعة جورج تاون، التي شهدت هي الأخرى تزايدا في أعداد الطلاب المسلمين بها، غرفة للصلاة واتحاد للطلاب المسلمين ومركز كامل مخصص لتعزيز التفاهم المسلم - المسيحي. وفي عام 1999، استعانت الجامعة بإمام مسلم ليعمل طوال الوقت. وأكد المسؤولون الإداريون الكاثوليك بالكليات التي اتخذت مثل هذه الإجراءات أنهم لم يجدوا بها ما يشكل تحديا لهويتهم الدينية.

وعن ذلك، قال ماركو ماسيني، مسؤول بجامعة بينيديكتين في إلينوي: «إننا لن نتخلى عن الصليب ولن نبدل أسماءنا. نحن فخورون بما نحن عليه. وكرم الضيافة جزء من الفلسفة البينيديكتية. لذا، فمن المهم أن نرحب بالأفراد من مختلف الديانات».

يذكر أنه عندما رفضت الجامعة الكاثوليكية الاعتراف رسميا بجمعيات طلابية أخرى، مثل منظمة الدفاع عن المثليين، جاء ذلك لأن معتقدات مثل هذه الجمعيات تتعارض مع تعاليم الكنيسة. إلا أن جون غارفي، رئيس الجامعة، أوضح أنه رغم عدم توفير خدمات دينية، فإن مسؤولي الحرم الجامعي يحرصون على جمع معلومات من المراكز الدينية القريبة ويعرضون الاتصال بها على الطلاب.

وقال: «أعتقد أن هناك كثيرا من الفوائد وراء وجود طلاب من ديانات أخرى هنا، فهم يحملون معهم بهاء تقاليدهم الدينية».

ويؤكد الطلاب المسلمون هناك أنهم استفادوا أيضا، فمثلا، قال بصيري إنه خلال السنوات التي قضاها بالجامعة الكاثوليكية، خاض الكثير من التجارب للمرة الأولى في حياته، منها مقابلة راهب وقس، والاحتفال بقداس، ومعايشة أجواء عيدي الفصح والشكر.

وأكد بصيري أن إيمانه بالإسلام ترعرع ونضج خلال السنوات الأربع الماضية أثناء دراسته في مبان تحمل أسماء قادة كاثوليك، وداخل فصول مزدانة بتماثيل للمسيح مصلوبا، ومع أقران يحملون أسماء قديسين.

وقال: «لقد تبدلت صورة نبي وإلهي في عيني الآن، بل وأصبحت أكثر بهاء».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»