ما بين نوافير شوكولاته، وصنابير شوكولاته، تنقلت مجموعات من الصغار وهي تتذوق وتستمع لشروحات تفصيلية تتدفق معلومات سلسة ومبسطة عن حبوب الكاكاو وكيفية استخلاصها لصنع مختلف المنتجات، بما في ذلك مثلجات الشوكولاته ومشروباتها ومأكولاتها بكل الأحجام والأشكال، وجميع النكهات والألوان، بما في ذلك شوكولاته أون لاين توفر لهم أن يحولوها من بذرة إلى سوائل.
ذلك وأكثر هو حصيلة ما توفره قرية الشوكولاته النمساوية «الخضراء»، والخضرة هنا ليست لونا، بل هي مذهب وسلوك حفاظا على البيئة، مع اعتماد كامل على مبدأ التجارة الحرة.
تقع القرية ضمن مرتفعات إقليم استريا النمساوي وسط جبال الألب بمقاطعة فيلدباخ، على مساحة 5500 متر مربع، ويعمل بها 112 عاملا. أما إنتاجها فيقدر بما بين 50 ألفا إلى 80 ألف منتج يوميا، في 200 شكل مختلف ومتنوع، بما في ذلك تلك النوافير والمواسير التي تصب شوكولاته سائلة رقراقة تتوافر للزوار مجانا لينعموا بها كما يشاءون باعتبار أنهم أساس الربح الذي أدى للتوسعة والانتشار، فالقرية لا تقوم بأي أعمال دعاية أو إعلان، مكتفية بالكلام الطيب الذي يقوله عنها كل من يتذوق منتجاتها فينصح بها آخرين.
هذا السلوك التجاري المتواضع، إن لم نقل «النادر»، يعتبر بندا من بنود السياسة الإنتاجية التي ترمي للاكتفاء وإرضاء نوعية معينة من الزبائن، بدلا من الانتشار على حساب الجودة.
حتى عام 2004 كانت القرية مجرد مصنع صغير لا تتجاوز مساحته 200 متر مربع يقوم بتشغيله 4 أفراد فقط، ولا يعرفه غير السكان الريفيين من أهل الجبال حول المنطقة، ثم شيئا فشيئا دبت رياح التغيير التي حولته من مصنع صغير إلى قرية كاملة توسع إنتاجها، وتغيرت أساسياته ليصبح مظهرا عصريا من مظاهر العولمة، مع اعتماد كامل على مبادئ التجارة العادلة (Free Trade).
تستورد القرية حبوبها من الكاكاو من مزارع برازيلية ونيكاراغوية، تعتمد على أسمدة طبيعية، وتقسم الأرباح بين عمالها بالتساوي بعد تجارة مباشرة من دون وسطاء أو عمولات.
وما إن تصل الحبوب إلى أرض القرية بالنمسا حتى يبدأ تحويلها إلى شوكولاته طبيعة مائة في المائة، ألبانها وزبدها من أبقار تعيش طليقة حرة في سهول واسعة لتتغذى تغذية طبيعية من خشاش الأرض والأعشاب الطرية، فيما هي مسترخية هانئة تستمتع بحب وعناية ورفاء. ولمزيد من الحياة الطبيعية تم توصيل القرية بينابيع مياه صافية، كما تتم إضاءتها من مولدات شمسية وأخرى تعمل بقوة الرياح.