بعد موجة الثلوج.. هل يغرق فيضان نهر السين باريس؟

قبل 100 عام نزلت القوارب إلى شوارع العاصمة الفرنسية

أحد مشاهد فيضان عام 1910
TT

أغلقت شرطة المرور في باريس الطريقين السريعين اللذين يمران بمحاذاة ضفتي نهر السين، وسط العاصمة الفرنسية، بعد ارتفاع منسوب مياه النهر لمسافة تقارب الأربعة أمتار وبشكل يهدد بفيضانها على المناطق المطلة عليه. كما توقفت النزهات النهرية لأكثر من 40 باخرة مطعم عائم كانت تستقبل السياح الكثر في مثل هذا الموسم من عطلة رأس السنة.

ويأتي طفح النهر الذي يخترق باريس من شرقها إلى غربها بعد مرور قرن من الزمان على الفيضان الكبير الذي عرفته العاصمة عام 1910 وتسبب في عرقلة الحياة فيها وإنزال القوارب إلى طرقاتها. ورغم الهدوء النسبي الذي تواجه به بلدية باريس احتمالات حصول فيضان وشيك، هذا الشتاء، فإن الخبراء يؤكدون أنه لن يكون أقل عنفا من فيضان أوائل القرن الماضي وسيغرق كافة ممرات المترو تفاديا لانهيار أنفاق المحطات المحفورة تحت الأرض. أما الشبكة الكهربائية فسيتم قطعها بشكل جزئي لنجد 3 ملايين شخص، تقريبا، محرومين من الكهرباء.

وحسب باسكال بوبلان، نائب رئيس نقابة عمال المياه في العاصمة ومؤلف كتاب عن احتمالات تكرر فيضان مماثل لما عرفته باريس في القرن الماضي، فإن من الصعب التكهن بموعد الفيضان المحتمل، فالنهر قد يفيض بعد أُسبوعين أو بعد 300 سنة. لكن المسؤولين يمكنهم استشراف الفيضان الكبير قبل 3 أيام من حدوثه، وهي فترة لا تسمح إلا بالقليل من الاستعدادات. مع هذا، ليس من الممكن العيش تحت وطأة الخوف من غرق وشيك، فلكي يحدث الفيضان لا بد من اجتماع عوامل مناخية عديدة. لذلك يخفف بوبلان من خطورة الأمر ويقول إن الباريسيين لا يعيشون في فيلم من أفلام الكوارث الطبيعية.

ومع محاولة التهوين من المخاطر، فإن الفيضان عندما يأتي فلا أحد يمكنه الحيلولة دونه. ولهذا تخطط الدولة لبناء سد خامس يحجب المياه الفائضة، بتكلفة تصل إلى نصف مليار يورو. وتسمح السدود الأربعة الموجودة حاليا بتخفيض منسوب مياه النهر بارتفاع 70 سنتيمترا. وهو رقم قد يبدو ضئيلا لكنه، حسب بوبلان، كفيل بتقليل تكلفة الأضرار بنسبة الربع. وحسب التقديرات، فإن فيضانا مماثلا لذاك الذي حدث قبل قرن من الزمان يمكن أن يكلف 17 مليار يورو. ومع إقامة سد خامس يمكن تخفيض منسوب النهر لارتفاع 30 سنتيمترا إضافية، مع ما يترتب على ذلك من تخفيف للأضرار. لكن من الصعب منع الفيضان بالكامل. ولهذا لا بد من مواصلة الجهود الكفيلة بتقليص مساحته والتقليل من فترته الزمنية.

وبمناسبة مئوية فيضان 1910، امتلأت المكتبات بالمنشورات والصور والملصقات والبطاقات البريدية التي سجلت مشاهد من ذلك الحدث الذي جعل الرجال ذوي القبعات والباريسيات الأنيقات ذوات الأثواب الطويلة، يكشفون عن سيقانهم أو يعتلون منصات خشبية تم رفعها فوق الشوارع والأزقة، أو يستأجرون حمالين لكي يركبوا على ظهورهم من هذا المبنى إلى ذاك، أو يستخدمون القوارب ليمخروا عباب الجادات العريضة. فنهر السين، البالغ طوله 776 كيلومترا، هو مثل غيره من الأنهار الكبرى، لا يرحم عند فيضانه أهل العاصمة ولا الأقاليم الأُخرى التي يمر بها ليسقي حوضا تزيد مساحته على 78 ألف كيلومتر مربع، أي ثلث مساحة فرنسا. كما يعتبر السين وسيطا ممتازا للنقل المائي، ومكانا جميلا للسياحة النهرية في العاصمة وبعض المناطق التي يخترقها.

وتشير السجلات البلدية إلى أن الفيضان الأول الموثق للنهر في العاصمة ومحيطها جرى عام 583. أما الفيضان الأشد فقد وقع عام 1658 وزاد منسوب النهر فيه بارتفاع 39 سنتيمترا عن الفيضان الكبير الذي حدث في القرن الماضي. وأطلق الباريسيون على طوفان النهر عام 1740 تسمية «الفيضان التذكاري». وفي عام 1876 غرقت كل الجزر التي تتوسط السين. وفي عام 1910 وصل منسوب النهر أعلى ارتفاع له في منطقة أندريسي وهو 24.30 متر. ومع حلول الأربعينات والخمسينات تراجعت حدة الأضرار بفضل رصف جانبي النهر بالأحجار، خصوصا في مناطق العاصمة.