السعوديون يستقبلون مواليدهم بحفلات باهظة الثمن

تتجاوز تكلفتها الـ20 ألف ريال ليوم واحد.. والأزواج يتذمرون ويصفونها بأنها نوع من التقليد الأعمى

تفضيل المستشفيات الأهلية على المستشفيات الحكومية بهدف الاستعداد لإقامة حفل استقبال المولود («الشرق الأوسط»)
TT

حفلات استقبال المواليد ظاهرة جديدة تثقل كاهل الزوج، وتنذر بتفاقم أوضاع البيت المالية عند بعض الأسر، مضافا إليها عبء تكاليف المستشفيات الخاصة. وتصر بعض النساء على إقامة مثل تلك الحفلات لمجاراة أقرانهن من الصديقات والقريبات والظهور بشكل يعكس نوعا من الرفاهية. فهناك أسباب عدة تدفع المرأة الحامل إلى تفضيل المستشفيات الأهلية على المستشفيات الحكومية لإمكانية اختيار غرفة خاصة واسعة مع جناح خاص بهدف الاستعداد لإقامة حفل استقبال المولود.

ورصدت «الشرق الأوسط» بعض الآراء المتباينة حول إقامة مثل تلك الحفلات التي ظهرت خلفية لمجموعة من الحفلات الحديثة وآخرها حفلات الطلاق.

تقول منى صالح، معلمة من المنطقة الشرقية «أصبح التجهيز للمولود الجديد أمرا ضروريا يعكس نوعا من (البرستيج) العائلي، خاصة بين زميلاتي المعلمات وأسرتي. فنحن لا نبالغ في تلك الحفلات، لكن من المهم الظهور بشكل يواكب التطور، وإن كان هناك إخلال بسيط في الميزانية يقبل التعديل مستقبلا». وحول التجهيز لهذا الحفل تقول منى «تجهيزاتي للحفل لا تتعدى منطقتي، فأنا أقوم بجمع بعض الألعاب الصغيرة وتغليفها وشراء أنواع معينة من الشوكولاته الفرنسية والمتوافرة في السعودية كنوع من الضيافة، بالإضافة إلى تزيين السرير واختيار لون الروب ليتناسق مع لون تزيين الغرفة، كما أنه لا بد من اختيار نوع البخور الممتاز». وتضيف منى أنها لا تنسى أن تتفق مع صالون تجميل ليرسل لها كوافيرا داخل السويت ولوضع الماكياج الخفيف الذي - بحسب قولها - يتناسب مع وضعها كأم والدة.

وأوضحت سعاد الرويلي، ربة منزل من مكة المكرمة، أن تجهيزاتها لحفل المواليد (السوفنير) لا بد أن تكون من لبنان أو الكويت، مرجعة السبب إلى خبرتهم في عملية التجهيز لهذه الحفلات من دون أن يأخذ ذلك من وقتها ويكون على مستوى عال من الجودة المتمثلة في التغليف والتنسيق.

وأشارت سعاد إلى أن البطاقات المصاحبة لتلك الهدايا والحلويات دائما ما تحمل إشارة إلى موقع ومكان التجهيز، وهذا يعطي الحفل نوعا من الرقي في التقديم. وأبانت سعاد أن حفل الاستقبال لا بد أن يكون في المستشفى، وضمن غرفة خاصة داخل غرفة المريضة، وهذا عادة بحسب ما ذكرت يتوافر داخل المستشفيات الأهلية، حيث تعد الأم الزينة اللازمة لتلك الغرفة والتي دائما ما تأخذ شكلا ولونا معينين يشيران إلى جنس المولود.

من جانب آخر، تقول عائشة سفر، ممرضة من منطقة عسير «أنا حامل في شهري الرابع، وهذا أول حمل لي، وبدأت منذ الآن في تجهيز حفل الاستقبال حيث أعتمد على بعض مواقع الإنترنت المتخصصة في التجهيز لمثل هذه الحفلات».

وعن المبالغ الطائلة تقول عائشة «لا بد أن أوفر مبلغا معينا من كل راتب، وعلى الرغم من ذلك فإنه ينقصني الكثير، وهذا ما يدفعني إلى الطلب من زوجي الذي دائما ما يتذمر ويقلل من أهمية الحفل ويرى أن كل ما أخطط له هو نوع من التقليد الأعمى».

وفي رأي معاكس يبدو أن هذا الوضع لا يعجب العمة فاطمة العدواني، من منطقة عسير، حيث قالت «إن مثل تلك الحفلات ما هي إلا نوع آخر من التبذير، حيث تكلف الكماليات والضيافة (السوفونير) مبالغ طائلة قد تتجاوز الـ20 ألف ريال ليوم واحد». وأضافت فاطمة «إن البذخ الذي تبديه بعض المحتفلات سينعكس سلبا على وضع أسرهن الاقتصادي، وقد يخل بميزانية الأسرة، فالاحتفال ضمن المعقول ووفق ما أوصانا به الدين، و(العقيقة) تعتبر كافية، وتجمع عددا كبيرا من الأهل والأصدقاء، حيث لا يشترط أن يكون الاستقبال الراقي مرتبطا بالمال الكثير والمكلف للغاية، فقد تصرف الأم مبلغا كبيرا على الحفل ورغم ذلك يظهر خاليا من الجمالية، في حين أن البساطة والذوق يعكسان نوعا من الضيافة المريحة داخل المنزل».

وتذكر السيدة فاطمة حال الأم الوالدة قديما، حيث كانت «الشيلة السوداء» تميز المرأة حديثة الولادة، والتي تعكس تعبها وحاجتها للراحة بعد معاناة الحمل الولادة. كما أنها وبحسب قولها تبعد الحسد عنها. وحول الأطعمة المقدمة لها تقول السيدة فاطمة «المرأة الوالدة تقدم لها أنواع معينة من الطعام، كالعصيدة والمرق، وتمنع من الإكثار في أكل الوجبات الدسمة التي تحتوي على نسبة كبيرة من السمن والدهن، ويفرش لها فراش طوال فترة النفاس، ويؤمن لها جو دافئ ولبس مريح يقيها شر الإصابة بالبرد، فكما كان يقال قديما «النفساء قبرها مفتوح 40 يوما»، وهذه مقولة آبائنا الأولين للدلالة على أن المرأة في فترة النفاس معرضة للإصابة بالمرض، وعلى ذلك فهي تحتاج عناية ورعاية خاصة لا أن تحتفل وتضع مساحيق التجميل ورائحة البخور تفوح خارج الغرفة، وهي مستلقية على سرير مزركش، ويغطيها مفرش باهظ الثمن، وتحفها الزينة من كل حدب وصوب لتظهر وكأنها عروس في ليلة العمر.

في سياق آخر، تحدث مدير أحد المستشفيات الخاصة، فضل عدم ذكر اسمه، قائلا «تقيم الكثير من الأمهات مثل تلك الحفلات باهظة الثمن والمبالغ فيها، فالوالدة الأم تحرص على أن تظهر بشكل مترف وتقدم أغلى أنواع الحلويات إلى جانب القهوة العربية كشكل من أشكال الضيافة المترفة». وأشار المدير إلى أن كل ما تحتويه الغرفة من زينة وكماليات وحلويات وهدايا يبقى مكانه، مرجعا السبب إلى كثرة هذه الأشياء وعدم قدرة الأم ومرافقيها من الأسرة على حمل كل تلك الأغراض التي تبقى صالحة لمدة يومين أو ثلاثة.

وحول تكاليف الإقامة في المستشفى يقول المدير «تتراوح أسعار الإقامة في غرف المستشفيات الخاصة بين 5 و7 آلاف ريال، وتزيد في حال العمليات القيصرية لتصل إلى 10 آلاف ريال، وبزيادة 1000 ريال عن كل يوم، بالإضافة إلى أسعار الأشعات والتحاليل والأدوية وحضانة المولود».

وفي ما يتعلق بالزوج ورد فعله، يبدي فهد داوود، موظف في أحد توكيلات السيارات في مدينة الرياض، غضبه الشديد تجاه متطلبات زوجته لإقامة مثل هذه الاحتفالات التي يراها تبذيرا وقلة مسؤولية من الزوجة تجاه ظروفه المادية، وهو ما جعله يضطر إلى الاقتراض من أحد الزملاء في العمل وهو مجبر هربا من وابل الإصرار والتكرار الذي توجهه له الزوجة. ويقول «لم أتمكن من دفع إيجار المنزل، ومع ذلك اقترضت مبلغا يضاهي دفع الإيجار كي أغطي مصاريف الحفل الذي أرى أنه يضيف لميزانية المنزل عبئا جديدا يقتضي التسديد». ويضيف فهد أن النساء يعشن حالة من التقليد الأعمى لكل ما هو جديد على ساحة الاحتفالات، فعلى الرغم - بحسب قوله - من أن مثل هذه المظاهر كانت مقتصرة على الطبقة المخملية، فإنها باتت ضرورة ملحة عند أغلب النساء.