السعودية تشهد ولادة فن «الكوميديا الارتجالية»

القائمون عليها يعتبرونها إسهاما في رفع الوعي المحلي.. ويصفون بوادرها بـ«المشجعة»

من اليمين: فهد البتيري، عبد الله محمد، إبراهيم خير الله، ضمن مجموعة من فناني الكوميديا الارتجالية يتوسطهم الفنان الكويتي طارق العلي
TT

تشكلت مؤخرا، في السعودية، ملامح فن كوميدي جديد، بعد أن اشتهر عالميا، ويسعى القائمون عليه على نشره وتعزيز ثقافته في البلاد، بعد أن اكتسب صبغته المحلية الخاصة.

وقد ظهر هذا الفن (فن الكوميديا الارتجالية)، أو ما يعرف بـStand-up Comedy، منذ عقود في الولايات المتحدة الأميركية، كوسيلة ترفيهية، تتطرق إلى الكثير من الهموم السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتعرضها بشكل ساخر وكوميدي، عن طريق شخص واحد يقوم بجميع الأدوار، فهو المؤلف وكاتب السيناريو والمؤدي أيضا، وأبرز هذا الفن عددا من النجوم أمثال جيم كاري وجيري سينفيلد.

وبعد أن اجتاحت موجة هذا الفن عددا كبيرا من دول العالم، وصلت هذه الموجة في السنوات القليلة الماضية إلى السعودية، ولاقت قبولا عند شريحة كبيرة من مواطني السعودية ومقيميها، وبدأ تقديم هذا اللون كما انتشر دوليا، باللغة الإنجليزية، على الرغم من أنه لم يكن موجها إلى فئة الأجانب من متحدثي الإنجليزية فحسب، بل كان موجها إلى عدد كبير من العرب، مواطنين ومقيمين، إلى أن ظهر في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أول عرض في السعودية من عروض الكوميديا الارتجالية، يقدم بالكامل باللغة العربية، والذي يعتبر الأول من نوعه على المستويين المحلي والعربي.

كانت شركة «لوكسري إيفينتز»، التي تخصصت في تنظيم المناسبات الترفيهية والرياضية، قد نظمت أول عرض عربي كامل للكوميديا الارتجالية، قدمه عدد من فناني الكوميديا الارتجالية السعوديين، وشاركهم الفنان الكويتي طارق العلي، الذي اعتبر حضوره دعما وتحفيزا للشباب السعودي، الذي أبهره بالعروض المقدمة.

الأمير خالد بن منصور بن سعود، رئيس مجلس إدارة «لوكسري إيفينتز»، برر اختيارهم لتنظيم هذا العرض بأنه مفقود في السوق السعودية، ورغبة من شركتهم بالمبادرة في تقديم الفنون الجديدة.

وحول بداية تجربتهم في تنظيم هذا النوع من العروض، ذكر الأمير خالد لـ«الشرق الأوسط»: «بدأنا أول الأمر باللغة الإنجليزية، وكانت أسهل، وذلك لانتشارها في الدول الغربية، ثم قدمنا أول عرض عربي، عرَّف الشارع السعودي، وهو الشريحة المستهدفة لدينا، ماهية الكوميديا الارتجالية».

رئيس مجلس إدارة «لوكسري إيفينتز»، أكد سعي الشركة إلى نشر ثقافة الـStand-up Comedy Show، أو ما اصطلح عليه عربيا بمسمى «عروض الكوميديا الارتجالية»، مشيرا إلى تمكنهم من إدخاله إلى ثقافة الشارع السعودي، وفي الوقت الذي لا يزالون فيه في بداية الطريق، فإنهم حريصون على أن تكون الكوميديا الارتجالية عاملا قويا من عوامل الترفيه في السعودية.

وأشار الأمير خالد إلى حرص الشركة على تقديم التجربة العالمية للكوميديا الارتجالية، وإكسابها الصبغة المحلية، بما لا يتعارض مع المبادئ الدينية والاجتماعية، وعادات المجتمع وتقاليده.

وفي الوقت الذي يشير فيه الأمير خالد إلى أن العروض الترفيهية في السعودية لا تصل إلى حد الإرضاء، أوضح أن عروض الكوميديا الارتجالية تلقى رواجا كبيرا وحضورا واسعا، مشيرا إلى امتلاء المقاعد في العروض التي تم تقديمها عبر شركتهم.

الكوميديان السعودي إبراهيم خير الله كان أول من بدأ تقديم عروض الكوميديا الارتجالية باللغة العربية، بعد أن بدأ في تقديم عروضه عام 2007 باللغة الإنجليزية، إلا أنه استنكر تقديم العرض بالإنجليزية في الوقت الذي يشكل فيه العرب غالبية الجمهور أو جميعهم على المستوى المحلي، فبدأ تقديم عروضه بالعربية منذ عام ونصف العام في أحد العروض؛ حيث كان الوحيد الذي يقدمه بالعربية على الرغم من أن جميع مقدمي العرض كانوا أيضا من العرب.

خير الله يبرر تقديمه للعرض العربي بأن كثيرا من النكت ممكن أن تضحك الأجانب من غير العرب، لكنها لا تضحك أهل البلد، أو تجعلهم يبتسمون في أحسن الحالات، الأمر الذي دعاه لتقديم عروضه باللغة العربية، وباللهجة المحلية أيضا.

كان خير الله قد بدأ حياته الفنية على خشبة المسرح منذ عام 1994، وعلى الرغم من الاختلاف الذي يراه خير الله بين فن المسرح وفن الكوميديا الارتجالية، فإنه يجد أن المسرح أضاف له الكثير في تجربته الحالية؛ حيث ألهمه ضبط الحركة أثناء العرض، وسرعة البديهة، والراحة في التعامل أمام الجمهور.

إبراهيم خير الله يرى أن بوادر هذا الفن في السعودية جيدة ومشجعة، مؤكدا وجود النية في التوسع، واقتحام مجال الإنتاج التلفزيوني بشكل واسع، منتقدا الإعلام المرئي بسبب عدم اهتمامه بالعروض الكوميدية المحلية، وإصراره على عرض عروض الكوميديا الأجنبية فقط.

عروض الكوميديا الارتجالية تظهر كطريق ينتهجه الكثير من الفنانين للعبور نحو عالم التمثيل السينمائي الكوميدي.. ويستشهد خير الله ببعض الفنانين العالميين كجيم كاري، دلالة على هذا الأمر، إلى جانب الحضور الملحوظ للمنتجين والمخرجين السينمائيين لعروض مقدمي هذه العروض.

ولكن لا يبدو أن الكوميديا الارتجالية طريق إلى التمثيل فحسب؛ حيث غيرت هذه العروض حياة خير الله، ونقلته من حياة الأرقام، كموظف مصرفي، إلى التصميم الدعائي الكوميدي؛ حيث احترف هذا المجال وأسس مؤسسته الخاصة بذلك، إلى جانب تقديمه لعروض الكوميديا الارتجالية.

الكوميديا الارتجالية لا يبدو أنها ارتجالية تماما؛ حيث تسبقها عدد من المراحل قبل بداية العرض، تبدأ بالتحضير الجيد للعرض، والاطلاع على الأحداث الحاصلة على أرض الواقع مما يهم جمهور العرض، وطبقا لخير الله فإن هذا الجمهور يحتاج إلى دارسة أيضا قبل تقديم العرض؛ حيث إن عددهم وفئتهم لها اعتبار مهم في تحديد العرض.

ويستفيد خير الله من أسعار تذاكر الدخول في تحديد فئة أو طبقة الجمهور، كذلك فإن المدينة التي يقدم فيها العرض تحكم عليه أيضا في فقرات العرض، وذلك وفقا لاهتمام سكان تلك المدينة أو المنطقة التي يتم فيها تقديم العرض.

ويتفق مع خير الله زميله الكوميديان فهد البتيري؛ حيث يختلف قليلا في لفظة «الكوميديا الارتجالية»، التي تقابلها بالإنجليزية «Stand-up Comedy Show»، معللا ذلك بأنها ليست ارتجالية تماما، بل يسبقها إعداد وتحضير للعرض، إلا أنه يرى هذه الترجمة هي الأقرب بعد نقلها عن الإنجليزية.

وعلى الرغم من أن هذا الفن عُرف مؤخرا عن طريق العروض الأميركية والأوروبية، فإن البتيري يرى أن هذا الفن يعود إلى أعماق الثقافة العربية، عبر ما يُعرف سابقا بمسمى «الحكواتي»، كما يعتبر البتيري كثيرا من التصرفات الارتجالية التي يؤديها فنانون عرب على خشبة المسرح، كعادل إمام وطارق العلي وحسين عبد الرضا، عاملا مشتركا بين فن الكوميديا الارتجالية والمسرح.

كان البتيري قد تعلم معادلة الـStand-up Comedy Show الأساسية في فترة إقامته في تكساس الأميركية عام 2006، وبدأ حينها تقديم عروضه باللغة الإنجليزية، وقدم بعد ذلك عددا من العروض في السعودية والبحرين منذ عام 2008، إلى أن قدم عرضه العربي الأول في أكتوبر الماضي.

البتيري، من خلال تجربته في تقديم عروض الكوميديا الارتجالية باللغتين العربية والإنجليزية، يجد صعوبة في ترجمة النكتة الإنجليزية إلى العربية؛ نظرا لبعض الفوارق بين اللغتين؛ حيث تفقد بعض الكلمات خواصها الفكاهية عند ترجمتها.

ويرى البتيري أن العربية تتميز بمساحة حرية أكبر، لا سيما في ظل وجود عدد من الكلمات ذات المعاني الازدواجية، التي تضيف إلى النكتة.

ويعتبر البتيري أن الحرية ميزة كبيرة تتميز بها الكوميديا الارتجالية، خصوصا أن مقدم العرض هو المؤلف وكاتب السيناريو والمخرج والممثل أيضا، كما تتميز بقلة تكلفتها المادية، وعدم وجود قيود على المواضيع، وإمكانية التنقل بين عدد كبير من المواضيع في وقت قصير.

كذلك تتميز بتفاعل كبير مع الجمهور، أكبر من بقية الفنون الكوميدية الأخرى، لا سيما أن الكوميديا الارتجالية تعتبر أكثر الوسائل الكوميدية ارتباطا بالواقع.

الكوميديا الارتجالية، كفن جديد يدخل إلى المجتمع المحلي، يواجه بعض الصعوبات في تسويقه، وبحسب البتيري، فإن فناني هذا اللون من الكوميديا يواجهون صعوبة في العثور على مسارح أو صالات عرض مجهزة بالتقنيات الصوتية المطلوبة لتقديم هذا اللون، الأمر الذي يضطرهم كثيرا إلى بناء مسارح مؤقتة.

ويرى البتيري مستقبلا واعدا لهذا الفن في السعودية، يمكنه أن يصل إلى كوميديا هادفة وخالية من التهريج، وليست ساخرة فحسب، الأمر الذي يعتبره عاملا مساعدا على رفع مستوى الوعي لدى أفراد المجتمع المحلي.

الكوميديان عبد الله محمد يرى أن مقدم الكوميديا الارتجالية يقع على عاتقه حمل كبير؛ حيث لا بد من مراعاة ثقافة الجمهور الحاضر، مع وجود ثقافة الوقوف على المسرح، والقدرة على التحكم بالمعلومة، ووصولها للمتلقي من دون الإساءة إلى أحد.

عبد الله، الذي كان مهتما بفن الكوميديا الارتجالية منذ 2005، استغل زياراته لنيويورك الأميركية في دراسة ومتابعة هذا اللون من الفنون الكوميدية، وجد فرصته في تقديم أول عروضه في السعودية بصعوبة وصفها بالكبيرة؛ حيث يعتبر أن فرصة إثبات الذات هي واحدة من كبريات العقبات التي تواجه الكوميديان.

فوائد اجتماعية ونفسية، أو رسالة وابتسامة، هي أبرز الفوائد التي يصفها عبد الله محمد من وراء فن الكوميديا الارتجالية، لا سيما إن كان الكوميديان يعي جيدا مسؤوليته، وذلك عبر الإمساك بالقضايا الحساسة والواقعية، التي تلامس اهتمام المجتمع، وبلورتها في قالب كوميدي مضحك، بحيث تصل رسالة بشكل غير مباشر، وبطريقة مسالمة مع ابتسامة لطيفة، الأمر الذي يصفه بأنه يخلق جمهورا واعيا مثقفا بمرور الوقت.