«غاليري باروسا» يستضيف معرضا لفنون السكان الأصليين في أستراليا

يجمع بين أجيال ومدارس متعددة ومختلفة

جانب من بعض معروضات «غاليري باروسا»
TT

لكل بلد، خاصة إذا كان بحجم قارة كما هي أستراليا، ذاكرة وسكان، وفي حالة هذا البلد، فإن السكان الأصليين أصبحوا قلة قليلة. منهم من لا يزال يعيش على نسق أجداده الأولين بالبدائية المعروفة، ومنهم من اختار نسق الحياة المعاصرة، التي خلقها المستعمر فحول بها أستراليا من دولة أو شبه قارة بعيدة إلى مكان معروف في العالم ومقصد للسياح وأرض للأحلام والثراء. كل ذلك، لكثرة ما فيها من خيرات ونعم. لكن لهؤلاء السكان الأصليين طباع وعادات وتقاليد، لا يزال حتى الذي غرق في بحور الاندماج بالمعاصرة منهم يعيشها ويمارسها، كما لو أنها الحبل الذي لا يريد قطعه بين حاضره وماضيه.. هي حبل خلاصه الذي يعيده إلى أصوله كما خلقته أمه كائنا فريدا لا يشبه أحدا ولا أحد يشبهه.

والحق أن ضمن الأشياء التي تميز السكان الأصليين في أستراليا (Aborigines) هي الحرف اليدوية، التي لا يزال قسم كبير منهم يعمل بها. وكذلك الفن التشكيلي الخاص بهم، الذي يعتبر أحد أهم عوامل الجذب السياحي ومادة أساسية للتعبير عن هوية أستراليا كافة، فالمستعمر الذي سلب الأرض وما عليها وما تحتها ثم تبعه المهاجرون الذين عملوا في الأرض واستغلوها أيما استغلال لم يتمكنوا من نزع هوية هذه القارة الحضارية أو تحييدها قليلا عن حقيقتها وانتمائها الجغرافي والإنساني، ففي كل متجر لبيع الهدايا أو التذكارات، لا بد من وجود فنون السكان الأصليين ومنتجاتهم من المصنوعات الخشبية. وهذا إن يقول شيئا، فإنه يرفع من قيمة هؤلاء الناس ويعلي شأنهم، كما يعلي من شأن ثقافتهم وتقاليدهم، ويؤكد رويدا رويدا أن هذه القارة وما عليها لهم وحدهم دون غيرهم.

في «غاليري وادي باروسا للفنون الجميلة» تم افتتاح معرض يمجد فنون الصحراء، أو ما يطلق عليه فنون السكان الأصليين. المعرض لا يحتوي فقط على لوحات تعبر عن ثقافات هؤلاء السكان التقليدية، بل يطال بعض الفنون الأخرى كالخزف والرسم على السيراميك. الأمر اللافت في هذا المعرض هو التزاوج بين السكان الأصليين وفنونهم المعروفة وبعض الفنانين المعاصرين الذين ينتمون إلى الأجيال الجديدة من المهاجرين. هنا فقط نعرف أن «الأبوريجين» لم يتنازلوا عن فنونهم في حين أن المواطنين الجدد على القارة لم ينتحلوا فنون أصحاب الأرض، بل تحولوا إلى فنون أخرى، هي في الغالب إما تنتمي إلى الفنون الأوروبية بمدارسها المتنوعة، وإما إلى بعض الفنون الأكثر معاصرة بجميع أشكالها. لكن كنوز المعرض، مع الكثير من التقدير للفنانين المعاصرين والصغار في غالبيتهم، لا تظهر سوى في الرسومات التي تعبر عن ثقافة البلد الأم، كما أن المشاركين في هذا المعرض هم، على الأغلب، من كبار فناني الصحراء الأسترالية، فالمعرض ليس سوى محاولة لدمج القديم قدم أستراليا بالجديد الطارئ والمندمج في بلد يقع على الطرف الآخر من العالم.

يحتوي هذا المعرض على مجموعة لوحات ليانيما توني واتسون المولود عام 1930، وهو أكبر الفنانين التشكيليين الذين ينتمون إلى السكان الأصليين. كما يحتوي على عدة لوحات بقياسات مختلفة لمواطنته إيرنا إيناتا التي أيضا تعادله في العمر، كما يضم المعرض أيضا منحوتات خزفية مطلية برسوم الصحراء للفنانة نفسها. وتجزم مديرة المعرض جودي تولز بأن جمع هذين الفنانين في معرض واحد يعتبر إنجازا كبيرا لـ«الغاليري» لنواح كثيرة، أهمها، كما تورد، أن كلا منهما ينتمي إلى مجموعة قبلية معينة، وبالتالي فإن الأنماط التي يستخدمانها في الرسم، وكذلك نوعية الألوان التي غالبا ما تكون من مواد طبيعية، مختلفة كليا. وهذا يضيف إلى المعرض الغنى الذي يتوخاه، وخاصة أن الجمع بين أجيال ومدارس كثيرة ومختلفة فيما بينها هو في الأساس رسالة قوية تعبر عن ابتعاد الفنون عن أي أمور أخرى قد تخلق الكثير من الحساسيات في أغلب الأحيان، كما أن أعمال هذه النوعية من الفنانين، غالبا ما تكون نادرة وتباع بأثمان عالية جدا، وتتهافت الكثير من المتاحف على اقتنائها. وكل هذا بسبب الشهرة الكبيرة التي يحظى بها هؤلاء الفنانون.