شارع الصحافة في جدة.. مزيج هندي فلسطيني

يحوي 200 متجر.. ونحو 100 مليون ريال «تجوبه» سنويا

معالم من حي الصحافة في جدة («الشرق الأوسط»)
TT

كأنه اختار مكانه بنفسه، وسط عروس البحر الأحمر جدة، بل وكأنه أراد أن يصنع تلك المكانة المتشعبة ليضم حوله أهم المرافق وأكثر المرتادين والساكنين تنوعا. يمتد شارع الصحافة، أحد أكثر شوارع جدة شهرة وأقلها طولا، من شارع فلسطين جنوبا إلى نهاية شارع الأدباء شمالا، مخترقا أحياء مشرفة والعزيزية إلى الشرق من العاصمة التجارية للمملكة.

ويتوازى شارع الصحافة مع شريانين يمتدان من جنوب جدة إلى شمالها، حيث يوازيه من الجهة الشرقية شارع الأمير متعب بن عبد العزيز المعروف بـ«الأربعين»، فيما يوازيه من الغرب طريق الأمير ماجد بن عبد العزيز المعروف بـ«السبعين».

اكتسب شارع الصحافة اسمه من وجود مقري ومطابع صحيفتي «المدينة» و«البلاد» اللتين تعتبران من أقدم الصحف الورقية السعودية اليومية. فوق ذلك فإنك لا تحتاج للسير على قدميك أكثر من عشر دقائق لتصل من شارع الصحافة لمقر ومطابع صحيفة «عكاظ» التي تقع على شارع مجاور يحمل اسمها.

من خلال اسم شارع الصحافة واحتوائه على مقار الصحف، وكذلك وجود عدد من مطابع الكتب والبحوث العلمية حوله، اكتسبت الشوارع المتفرعة منه والمتقاطعة معه أسماء متشابهة، كشارع الثقافة، وشارع التضامن العربي، وشارع المؤلفين، وشارع المؤرخين، بالإضافة لشارعي عباس محمود العقاد وطه حسين، وشارع الأدباء الذي ينتهي شارع الصحافة عنده.

المتجه غربا من طريق الحرمين عبر شارع فلسطين، يلحظ إلى يمينه من التقاطع الرابع لافتة نحاسية قديمة دالة على بداية شارع الصحافة، بجانبها مجسم لمحبرة وريشة انتهت لتوها من كتابة بيت أبو الطيب المتنبي على اللافتة:

«وما الدهر إلا من رواة قصائدي.. إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا»..

إلا أن ذلك ليس أبدا أكثر ما يلفت نظر «الجداويين» ويجبرهم على العبور من الشارع ذي الإشارات الضوئية الأربع، فوجود عدد من الإدارات والمواقع الحكومية والشركات الخدمية فيه يقود الكثيرين إلى معرفة الشارع ومعالمه، ويجعله أحد أكثر شوارع جدة دينامية خصوصا في الصباح.

قائدو السيارات في جدة مثلا يراجعون بشكل مستمر الإدارة العامة للمرور التي تواجه مقر صحيفة «المدينة» السعودية اليومية في بداية الشارع، فتجديد رخص القيادة واستمارات السيارات وتوقيفها وقائديها المخالفين، وكذلك التسديد اليدوي للمخالفات، يتم في مقر الإدارة الشهير في أول شارع الصحافة.

الدولة قامت خلال الأعوام الماضية بنقل عدد من الإدارات الحكومية التي كانت مقراتها في الأحياء المحيطة بشارع الصحافة، حيث حولتها ووضعتها في جنباته. ومن هذه الإدارات الحكومية ذات المقرات الجديدة في شارع الصحافة، إدارة مكافحة المخدرات، وفرعا بلدية العزيزية وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومركز الشرطة الشمالية، وإدارة الدفاع المدني، بالإضافة إلى عدد من المستشفيات كمستشفى العزيزية العام، والإدارة العامة للمرور آنفة الذكر.

فيما لا يزال سكان العزيزية ومشرفة والرحاب يتذكرون وجود فرع وزارة البرق والبريد والهاتف التي تمت خصخصتها عام 1998، ليتحول المقر إلى فرع للشركة الجديدة تحت اسم «مكتب الاشتراكات» بعد ذلك.

ليس هذا كل ما يقال حول وجود المقار الرسمية والفرعية للمؤسسات الحكومية والخاصة في شارع الصحافة، ففي الشوارع التي تتقاطع معه يقع كل من فرع وزارة البترول والثروة المعدنية و«أرامكو» السعودية ومكتب الاستقدام وإدارة تعليم البنات، والمكتب التعاوني للدعوة والإرشاد بالعزيزية، وفروع عدد من المصارف والشركات الخدمية، ومكاتب الخدمات الحقوقية وعدد من المدارس الحكومية والأهلية.

وشارع الصحافة إن كان يحتضن عددا من الدوائر الحكومية، فلطالما عانى ولا يزال كذلك إلى اليوم من تقاسم تلك الدوائر الحكومية وغيرها سكّته وأرصفته من أجل تنفيذ حفرياتها المختلفة على مدار العام، الأمر الذي يحول شارع الصحافة في كثير من الأوقات خلال السنة إلى جمع من الاختناقات المرورية المملة للسائرين فيه.

إذا كان بيت أبو الطيب المتنبي هو أشهر الأبيات الشعرية، فإن بيت محمد سعيد طيب أشهر البيوت في شارع الصحافة، فالناشر والمحامي السعودي يعتبر أشهر ساكني الشارع، إذ يقع منزله أمام «حديقة تهامة» التي حملت اسم ذات المؤسسة الإعلامية العربية الكبرى التي عمل محمد سعيد طيب رئيسا لمجلس إدارتها في فترة سابقة.

لم يكن بيت محمد سعيد طيب محل إقامة للرجل فحسب، بل تعدى ذلك في فترة ما، ليصبح منتدى ثقافيا ومعرفيا يرتاده الكثير من مريدي الثقافة والمفكرين والأدباء، من مختلف أقطار العالمين العربي والإسلامي، كما يحوي عددا من التحف الفنية واللوحات التشكيلية البديعة والتي يعتز صاحبها بها كثيرا. كما يضفي مجسم الكتاب والقلم والنظارات أمام المنزل وعلى نظر المارة رمزية بديعة لشارع الصحافة تضاف إلى حساب مكانته لدى المهتمين بالحراك المعرفي والفكري في عروس البحر الأحمر.

البصمة التي وضعها ويفتخر بها المثقفون على شارع الصحافة منذ عقود، لا تنسي أبناء المدينة الساحلية غربي المملكة، وجود أحد أركان الرياضة السعودية وأقدم أنديتها فيه، فنادي الاتحاد أو «العميد» كما يطلق عليه ظل خلال الأعوام الثمانين الماضية مقصدا لـ«الجداويين» من هواة ومحبي الرياضة، وعشقا يساير الكثيرين منهم منذ نعومة أظفارهم.

وبناء على ذلك الحب والعشق وتلك الرمزية للنادي، فإنه ومنذ انتقاله من مقره القديم بـ«حي البغدادية»، فلا غرابة أبدا بالنسبة لساكني شارع الصحافة وما حوله أن يُحظر التجوال بالسيارات على امتداد الشارع عددا من المرات خلال السنة، وذلك بسبب احتفال «الاتحاديين» بفوز قاري أو عربي أو محلي حققوه، أو بسبب تجمهرهم حنقا على لاعبي فريقهم وإدارته على خلفية هزيمة ما لحقت بهم.

ويسبب وجود نادي الاتحاد في شارع الصحافة فإن هناك حتمية لمرور عدد من المسؤولين على أعلى المستويات في المملكة، وكذلك عدد من المشاهير العالميين في المجال الرياضي خلال زياراتهم للنادي، أو حضورهم المناسبات الكروية المختلفة التي تقام فيه.

تعدد الميزات وكثرتها في شارع الصحافة، والتي تبدأ بموقعه في قلب المدينة، وقربه من الطرق الرئيسية المهمة في جدة، جعلا منه قبلة لعدد من ذوي الدخل المتوسط والراغبين في الاستثمار التجاري. حيث يزيد عدد المتاجر في شارع الصحافة على الـ200 متجر، متنوعة بين محلات الأثاث والملابس الجاهزة والمطاعم والمغسلات والبقالات الصغيرة والكبيرة.

ويشتهر شارع الصحافة على قصره بتعدد محطات البنزين وما يرافقها فيه، حيث يحتوي شارع الصحافة على خمس محطات بنزين موزعة على الضفتين الشرقية والغربية منه.

تلك المحلات التجارية بمختلف أنواعها ومحطات البنزين تجني حسب أصحابها ما يتجاوز الـ200 ألف ريال (53333 دولارا) يوميا. وفي مقابل ذلك يصل إيجار الوحدة التجارية الواحدة المطلة على الشارع إلى 25 ألف ريال (6667 دولارا)، أي أن مجموع الأموال المتداولة فيه يصل إلى نحو 100 مليون ريال سنويا.

ذات الأسباب التي جذبت المستثمرين الصغار جذبت السكان إلى شارع الصحافة، فقد كان الشارع والمنطقة المحيطة به عرضة لارتفاع أسعار العقارات مؤخرا، حيث يتراوح الإيجار للشقق في شارع الصحافة حاليا بين 20 و30 ألف ريال (5333 - 8000 دولار) في السنة على الرغم من قدم البنايات الموجودة فيه.

وجود الدوائر الحكومية والأندية الرياضية والحدائق، قلص عدد السكان في تلك المنطقة عن مثلها في أنحاء جدة المختلفة. وعلى الرغم من ذلك يشتهر شارع الصحافة بازدحام الساكنين من الجاليتين الهندية والباكستانية حوله، ويتركز هذا الوجود في الجانب الذي يخترق حي العزيزية من الشارع، وبإمكان كل من يسير في شارع الصحافة ملاحظة هذا الأمر على المحلات والمتاجر التي كتبت لوحاتها بلغات «الكيرلا» و«الأوردو» إضافة للغة العربية، كما يلحظ انتشار المدارس العالمية هناك.

كما أنه وبمجرد توجهه للصلاة في أحد المساجد الموجودة في ذلك الجانب من الشارع، يلاحظ الزائر اختلاف تلك المساجد واختلاف ألبسة وأشكال مرتاديها، ويشتم أيضا رائحة البخور المميزة الخاصة التي تستخدم فيها. وعلى الرغم من الازدحام بالمصلين فإنك سرعان ما تلحظ الهدوء الشديد داخل المسجد، الأمر الذي يندر وجوده في جوامع المدينة المكتظة بالمصلين على مدار العام.

يحافظ شارع الصحافة على مكانته، ليس ثقافيا فقط، لكن على أكثر من صعيد، ولا ينحصر تميزه في جانب معين أو سبب ما دون أسباب أخرى، ليكون أيقونة في ذلك الجانب من جدة التي لطالما شكلت أيقونة في المملكة بذاتها.