حفر الشوارع اللبنانية مرصودة من غوغل.. ويطاردها الأهالي بكاميراتهم

موقع إلكتروني يشجع المواطنين على تصويرها ومقاضاة الدولة

حفرة وسط الطريق في مدينة جونيه بعد أن أضاف صاحب الصورة إلى الجانب المأساوي روحه الساخرة
TT

«هام! حفرة أفقية ضخمة في بداية الطريق المؤدي إلى رومية تتسبب بأضرار جسيمة». هذا النداء العاجل أطلقه موقع «جور دوت كوم» الإلكتروني اللبناني بينما كنا نكتب هذا المقال، و«الجورة» بالعامية اللبنانية هي الحفرة ومجموعها «جور». أما الموقع فمتخصص في تنبيه المواطنين إلى أماكن الحفر التي باتت تقض مضاجعهم، وتشعرهم بالرعب وهم يجتازون الشوارع بسياراتهم، لا سيما حين تغطي الأمطار معالم الطريق، ويصبح اكتشافها شبه مستحيل، ويدفع الناس الثمن من حياتهم.

ورغم مأساوية الوضع، فإن الموقع الذي أنشئ منذ ما يقارب الأربعة أشهر يتفادى العبوس، ويلعب على روح الدعابة بدءا من اسمه مرورا بأهدافه وانتهاء بطريقة تعامله مع زواره الذين يتفاعلون باستمرار مع المعلومات الموجودة عليه. ويقول إيلي أبو صعب صاحب فكرة الموقع والقيم عليه: «نزود زائرنا بخرائط من غوغل، يستطيع أن يستند إليها قبل مغادرته منزله، ليعرف مكان الحفر التي سيمر بها، ويتمكن من تفاديها». وحين نضحك قائلين له إنه من غير المعقول أن يلجأ المواطن في كل مرة إلى الخريطة قبل أن يبدأ مشواره، يجيبنا: «المسألة في غاية الجدية، فالحفرة غالبا ما تردم بحجر كبير، وهو ما يزيد خطورتها على ركاب السيارات. وثمة من يدفع حياته ثمن هذا الإهمال». ويضيف إيلي: «مشكلة الزفت في لبنان قديمة، والموضوع سياسي بامتياز له علاقة بالفساد وغش المتعهدين. فنحن نعرف جيدا لماذا تتشكل الحفر. لأن مادة ضرورية جدا، وهي الأغلى ثمنا لا تضاف إلى الزفت قبل تعبيد الطرقات، فتتشقق الأرض بسرعة، وتظهر الحفر عند أول هطول للأمطار الشتوية. وبالتالي فالمسألة بحاجة إلى رقابة ومعالجة على أعلى مستوى».

الموقع يشرح لزواره كيف تتكون «الجور» وما أسباب تكاثرها، مع رسوم توضيحية، كما أنه يدلهم على أفضل الوسائل القانونية لتقديم شكواهم والمطالبة بحقهم من التعويضات. كما يزود المشتكين بأرقام وعناوين كافة البلديات والجهات المسؤولة عن أوضاع الطرقات. ويقول أبو صعب: «الفكرة جاءتني عندما انحرفت سيارة أحد الأصدقاء عن الطريق بسبب حفرة أراد تلافيها، فتعرض لكسور كبيرة وبقي غائبا عن الوعي لمدة ثلاثة أشهر. ومع ذلك فكل ما اهتمت به السلطات المختصة هو مراجعة أهله للتعويض عن شجرتين تكسرتا بسبب انحراف سيارته. وهنا تساءلت كيف تطالب الدولة بحقها في شجرتين، ولا تلتفت لحق الضحية، ومن يطالب به؟» كان إيلي أبو صعب، صاحب الموقع الإلكتروني متطوعا في الصليب الأحمر لمدة 8 سنوات، وهو حاليا صاحب شركة إعلانات تصمم المواقع الإلكترونية، ورغبة منه في متابعة عمله التطوعي بعد تركه الصليب الأحمر مول موقع «جور» من شركته الخاصة، راغبا في خدمة الناس. ويشرح لنا أن محامين ومهندسين يتعاونون مع الموقع لبلوغه أهدافه.

وعن هذه الأهداف يتحدث أبو صعب قائلا: «نحن نقوم بمهمة أرشفة الحفر الموجودة في لبنان. قد يبدو الأمر كوميديا، لكننا نعلم أن المسؤولين يدعون دائما حين يتعرض أحد المواطنين لحادث بسبب حفرة أنها جديدة ولم يعلموا بوجودها. نحن نطلب من المواطنين أن يصوروا الحفر التي يرونها ويضعوا صورها على الموقع، مع تعيين مكانها، وبالتالي سنكون على علم بعمر كل منها. ولن يتمكن أي مسؤول من التنصل من مسؤوليته حينها. ليس ذلك فحسب، لنا أهداف بعيدة المدى، منها أن نتوصل إلى إقناع المسؤولين بتوفير خط ساخن بحيث يتصل المواطن من خلاله للإعلام عن وجود حفرة في مكان ما كي يتم إصلاحها على الحال. هذا يتطلب وقتا لكننا سنصل إلى مبتغانا». ويتابع أبو صعب: «نحن لم نكتشف البارود. هذه خدمة موجودة في كندا، وعندما يبلغ المواطن، يشكر على الخدمة التي قام بها. وحدث معي أن بلغت في كندا عن حفرة قابلتها وأنا ذاهب إلى عملي، فوجدتهم في طريق العودة يصلحونها».

الموقع اللبناني يخاطب الشباب وبات له آلاف الزوار، كما أن له صفحة على «فيس بوك» يكتب على حائطها أصدقاؤه عن تجاربهم المريرة مع الحفر، وينشرون صورها ويخبرون الزائر عن أماكنها ليتمكن من تجنبها، ويسعد إيلي لأن للصفحة اليوم أكثر من ألفين و600 صديق، معتبرا أن دعم الناس «يقربنا من بلوغ أهدافنا، خاصة أننا بدأنا اتصالا مع وزارة الداخلية، لنرى كيف نستطيع التنسيق معها، والملف قيد الدرس. ففي النهاية هي المسؤول الأول مع البلديات ووزارات أخرى عن حال الطرق. والشعب اللبناني مثل الإسفنجة يمتص الاقتراحات التي تقدم له خاصة الإيجابي منها. فثمة من يريد التغيير، وهؤلاء باتوا يتفنون في عرض صور الحفر ومتابعة تطورات أحوالها، خاصة أن عددها كبير جدا، أكبر مما يمكن أن نتصور».

لا ينكر إيلي أبو صعب أن عدد اللبنانيين الذين تضرروا من الحفر ويريدون الادعاء على الدولة للتعويض عليهم لا يزال قليلا جدا ويضيف: «لا يزال المواطن غير مؤمن بأنه يستطيع تحصيل حقوقه، رغم أننا نعرض عليه من خلال موقعنا النصوص القانونية التي تؤكد أنه قادر على ذلك، كما أننا نعرض للكثير من الحالات التي استطاع من خلالها المواطن أن يقاضي الدولة». ويضيف أبو صعب: «بكل تجرد وموضوعية أقول: هذا الموقع ليس للفكاهة، إنه أداة ليس على المسؤولين سوى استخدامها والاستفادة منها. ونقول للنواب والمجالس البلدية: ما دمتم قد ترشحتم بهدف خدمة الشعب، فحين ندل أحدكم على عيب ما أو علة يتوجب إصلاحها يتوجب عليكم شكرنا. ما نقوم به هو عمل دراجي البلديات الذين من المفترض أنهم يجوبون منطقتهم لرصد الحفر والمخالفات. أما وأننا بتنا نقوم مع الناس بهذه المهمة، فقد صارت البلدية بحاجة لدراج واحد يصل إلى مكان الحفرة التي بلغنا عنها ليتأكد من وجودها، ومن ثم يبدأ إصلاحها. ونحن نعمل لنكون في المستقبل على ارتباط إلكتروني بالبلديات، ويكفي عندها أن نرسل (إيميلا) كي تعرف البلدية بالحفرة المستجدة». «نحن نقوم بما نستطيع، يقول إيلي، والباقي على الدولة».