التشكيلية السعودية جميلة ماطر لـ «الشرق الأوسط»: يستفزني البياض فأزيله بالأتربة والخامات

إشعاعاتها اللونية التشكيلية تعكس واقع البيئة العسيرية.. ومفرداتها الفنية تمزج الماضي بالحاضر

جميلة ماطر تسعى إلى تخليد فن حديث يقارب الفن التجريدي ولا يتطابق معه
TT

تجسد لوحات الفنانة التشكيلية السعودية جميلة ماطر انعكاسات اجتماعية إنسانية محفوفة بفلسفات علمية، يستنبط من خلالها المتذوق لهذا الفن واقع البيئة العسيرية التي تمكنت جميلة ماطر من خلال مفرداتها الفنية مزج الماضي بالحاضر مع بعض التحديات العلمية الفيزيائية غير المباشرة التي تعصف بمخيلة كل من جالت عيناه على لوحاتها ليدرك أنه تعرض لإشعاعات لونية تشكيلية متمردة.

تقول الفنانة لـ«الشرق الأوسط»: «أسرفت كثيرا في استخدام الألوان المائية والزيتية والباستيل في بداياتي، ولكنني سرعان ما لملمت أفكاري لأقف عند خامات مختلفة دون الالتفات إلى الانتماء لأي مدرسة فنية من حيث تصنيف لوحاتي، فالمهم هو أن أعبر عن فكرة معينة وبطريقتي».

فهي ترى أن اللون لا يعد الوسيلة الوحيدة لإنتاج رؤية محددة للوحة، لذلك هي تسعى إلى تخليد فن حديث يقارب الفن التجريدي دون أن يتطابق معه، فتقول: «اللون مفردة مهمة في اللوحة ولا يعني مضامينها الفكرية والفنية الكاملة، فأنا أشعر أنني في تعاملي مع لوحتي أتمرد على كل قوانين الرسم ومبادئه وكأنني أحيي ثورة على قيم الفن السائد، لذلك شعرت بحاجتي إلى البحث عن جديد لا يأبه لما قبله».

ولأنها تنتمي إلى بيئة فنية أبدعت في فن النقوش الجدارية بمختلف أشكالها وتكعيباتها وألوانها المستخدمة، عادت جميلة ماطر لتتمعن جيدا في هذه الفنون القديمة، حتى تقرر أن تبني تكوينات جديدة على أنقاض الفن التقليدي مع إضافات تشكيلية جديدة، فتضيف: «وجدت أن التكوينات الماضية للفن التقليدي الذي يسمى بالنقش كانت تكسر الجمال وتعيد بناءه حسب رغبة الفنان الشخصية، فالفن التقليدي كان دائما يحظى بمعنى وإمكانية فلسفية لصالح الجوانب الجمالية».

إلا أن التناقض التشكيلي العلمي الواضح، من خلال استخدامها الأيقونات العلمية الفيزيائية، الذي تربع على الإبداعات البصرية لديها، يضع المتلقي داخل دائرة من التساؤلات الفنية المجدية حتى تسهل عليه فهم فلسفة اللون والكتلة، فتخصصها الفيزيائي جعلها تقلب القوانين لتخلق نهجا فنيا جديدا، مضيفة: «كثيرا ما أعتمد على العنصر والفراغ وحركة الإلكترونات والمدارات والفوتونات وأجعل العنصر يجسد حالات إنسانية، وهذا يعني أن المتلقي ينبغي أن يكون لديه خبرة بصرية تساعده على استيعاب هذه التساؤلات الملقاة داخل زوبعة من الفن التشكيلي».

إلا أنها استدركت قائلة: «إلا أن لوحاتي تعكس قضايا إنسانية واجتماعية بطريقة علمية وفلسفية وبشكل مدروس، بحيث تكون الأفكار مرتبطة ببعضها، فأنا عادة ما أضع الألوان بطريقة عشوائية بحيث أزيل استفزاز البياض الموجود على القماش بالأتربة والأسلاك والأوراق والخامات المختلفة لكن بطريقة تخدم الفكرة»، مشيرة إلى أن المضمون هو ما يهمها، وأرجعت السبب إلى القيمة الفنية التي يعبر عنها للعمل، وكل ما تبقى هو مجرد أدوات، فالأمر - بحسب قولها - ليس تحديا للمادة وليس حرفة أو صنعة عكس الشكل الذي تأتي أهميته من خلال كونه المساعد الذي يوصل الفكرة إلى المتلقي، بيد أن الأهم هو عملية صنع اللوحة والخروج من إطار إعادة إنتاج المنتج وتكرار ما يعمله الآخرون.

وتؤكد التشكيلية جميلة من خلال حديثها أن الزمن يسيطر على بعض لوحاتها ويفرض وجوده السياسي والاقتصادي والثقافي، وإن أبت، فهي فنانة تسابقها مشاعرها، لتلتقط ريشتها وتبدأ بكسر حواجز البياض وفرض قوانين لونية تجسد زمنا معينا وحدثا محددا.

فعلى الرغم من الأثر الإيجابي للفن التشكيلي الذي أصبح يحاكي أهم الأسس الثقافية في السعودية، فإنه يفتقر إلى معارض دولية ونقاد أكاديميين متخصصين في تاريخ الفن وعلم الجمال، وعلى ضوء ذلك تقول جميلة ماطر: «نلاحظ أن معظم الذين مارسوا النقد هم كتاب أو صحافيون أو تشكيليون، حيث يعد نقدا لا يخدم الفن التشكيلي، لأن الكتابة النقدية ينبغي أن تتحلى بقدر عال من المعرفة في مجالات عدة كمجال الفنون والخامات»، وأضافت أنه «على الرغم من اهتمام الصحافة اليومية، وهي الأكثر انتشارا، بالكتابة عن الفنون التشكيلية والنقد الفني، فإنها لا تعتبر نقدا فنيا يدعم الفن التشكيلي قط».