الغش الرقمي.. من الهموم التربوية العالمية الحديثة

استخدام أجهزة التشويش بات شائعا في قاعات الامتحانات

طالبتان تؤديان امتحانا رسميا
TT

الغش في الامتحانات من القضايا والهموم التربوية العالمية الخطيرة التي تؤرق حاليا دول العالم، حتى المتقدمة منها، فمع قرب نهاية الفصل والعام الدراسيين وبدء موسم الامتحانات في المدارس والجامعات تطفو على السطح سنويا هذه القضية في محاولة للحد منها، وبخاصة مع وجود الاختبارات والأسئلة التقليدية وغير الدقيقة للامتحانات، وكذلك مع التطورات التكنولوجية الحديثة المذهلة والمتزايدة التي أساء البعض من الطلاب استخدامها في ابتكار أساليب جديدة للغش قد تصعب ملاحظتها واكتشافها.

لكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن باستخدام التقدم التكنولوجي أيضا ابتكار أساليب حديثة للتغلب على، والحد من، فنون الغش التكنولوجية الآخذة في الانتشار، لنقول وداعا للغش في الامتحانات؟

للاختبارات والامتحانات أهمية متزايدة في عملية التعليم، وتشكل تحديا ومنعطفا مهما في حياة الطلاب؛ إذ يتوقف عليها مستقبلهم وتأهيلهم للالتحاق بالجامعات والكليات المفضلة لديهم والحصول على الشهادات الجامعية، ولتحقيق هذه الأهداف قد يلجأ بعض الطلاب إلى الغش للنجاح والحصول على درجات مرتفعة من دون وجه حق ومزاحمة المتفوقين الحقيقيين ممن جدوا واجتهدوا وعانوا للوصول إلى القمة والحصول على التفوق الحقيقي المشروع، وبخاصة في امتحانات مرحلة الثانوية العامة التي تستدعي سنويا قلقا واستنفارا داخل كثير من المنازل، وقد تعقد تحت حراسات أمنية مشددة.

ومع التقدم التكنولوجي العالمي الحالي والمتسارع، وبالإضافة إلى الطرق التقليدية في الغش التي يمكن للمراقبين في الامتحانات ملاحظتها واكتشافها مثل استخدام القصاصات الورقية الصغيرة والأوراق الشفافة، المعروفة بـ«البراشيم» والكتابة على المساطر أو المقاعد أو الحوائط أو الملابس أو أعضاء الجسم كالأيدي والأذرع، استخدم بعض الطلاب أساليب تكنولوجية حديثة أكثر تطورا ودقة في أساليب الغش الرقمي، قد لا يمكن اكتشافها والتعرف عليها بسهولة، وذلك باستخدام أجهزة الاتصالات الرقمية الحديثة والدقيقة كالهواتف المحمولة؛ إذ يمكن بكاميرا الهاتف تصوير أسئلة الامتحان وإرسالها لشخص ما وتلقي الإجابات، والسماعات اللاسلكية كسماعة البلوتوث المغطاة والمخبأة في أماكن مخفية، والتي من خلالها يتم إرسال الإجابات لاسلكيا وفي رسائل نصية قصيرة، وبخاصة في أسئلة الاختيار من متعدد، والصواب والخطأ، وكذلك باستخدام الأقلام وساعات اليد المتطورة، وانتشرت الكثير من الفيديوهات على مواقع الإنترنت كموقع «يوتيوب» تتضمن أشهر طرق وأساليب الغش التكنولوجية الحديثة، هذا بالإضافة إلى أن شبكة الإنترنت تمتلئ بالكثير من مواقع بيع البحوث الأكاديمية، فمن خلالها أصبحت كتابة البحوث أكثر سهولة؛ إذ يستطيع الأفراد الحصول على المعلومات المطلوبة لأبحاثهم وتقديمها على أنها من أعمالهم الخاصة.

وفقا لدراسة استطلاعية أجرتها منظمة «Common Sense Media» الأميركية وموقعها الإلكتروني على الإنترنت (www.commonsensemedia.org)، عام 2009 في الفترة من 28 مايو (أيار) حتى 5 يونيو (حزيران)، على فئة من الطلاب يبلغ عددهم 1013 وتتراوح أعمارهم بين 13 و18 عاما بهدف معرفة ما إذا كانوا يستخدمون التكنولوجيا الحديثة في الغش، توصلت إلى أنه: أقر أكثر من 35% باستخدامهم الهواتف المحمولة في الغش، وأكد 52% منهم استخدام شبكة الإنترنت في بعض أشكال الغش، وقال 38% إنهم حصلوا على نصوص من مواقع في الإنترنت ونسبوها لأنفسهم.

ولكن لم تقف دول العالم مكتوفة الأيدي للتصدي إلى، ومواجهة، ظاهرة الغش الرقمي، فباستخدام التقدم التكنولوجي أيضا يمكن منع الغش الرقمي في قاعات الامتحان من خلال كثير من الأساليب والتجهيزات والأجهزة التكنولوجية الحديثة، ومنها وضع أجهزة للتشويش وكتم الإشارات اللاسلكية وأجهزة للمراقبة الإلكترونية، واستخدام تقنيات الراديو للكشف عن وجود أي هواتف محمولة أو أجهزة إلكترونية أخرى مع الطلاب داخل لجان الامتحانات، هذا بالإضافة إلى برامج كومبيوتر متقدمة ومحركات بحث خاصة يمكنها تحليل المعلومات والتعرف على معدل الغش فيها، بل والإشارة للمواقع المأخوذة منها.

على سبيل المثال، تقابل الصين مسألة الغش في الامتحانات والتصدي لها بجدية واهتمام بالغين، فقد قامت بتثبيت الكثير من كاميرات الفيديو وأجهزة المراقبة الإلكترونية والتشويش وكاشفات المعادن في نحو 60 ألف قاعة من قاعات امتحانات الثانوية العامة في يونيو عام 2009، لضبط أي حالات غش قد يقوم بها بعض الطلاب، وفي الصين أيضا في أبريل (نيسان) 2009، تم الحكم على 8 أفراد بين أولياء أمور وأساتذة بالسجن بتهمة استخدام تكنولوجيا متقدمة لمساعدة الطلاب على الغش في الامتحانات.

وأخيرا.. الغش في الامتحانات ظاهرة عالمية خطيرة متعددة الأسباب والدوافع، ومتداخلة الأبعاد والأطراف، ومعقدة الحلول، تستدعي الاهتمام والتوقف عندها طويلا والتدخل سريعا وعدم التهاون فيها، حرصا على سلامة الفرد والمجتمع، وبخاصة مع التطور التكنولوجي المتزايد واستخدام التكنولوجيا الحديثة كالهواتف المحمولة في دعم العملية التعليمية.