بمناسبة «يوم المسرح العالمي» العرب يحتفون بمسرحهم في بيروت

مشاركة 17 دولة بعد أن أعلنت الجزائر انسحابها للسنة الثانية

مشهدان من مسرحية «حقائب» التونسية («الشرق الأوسط»)
TT

انطلقت في بيروت أعمال «مهرجان المسرح العربي» بحضور عدد كبير من الفنانين المسرحيين والممثلين العرب والمخرجين والأكاديميين، الذين جاءوا للاحتفال بالفن الرابع في «اليوم العالمي والعربي للمسرح» الذي بات تقليدا سنويا، في كل عاشر من شهر يناير (كانون الثاني). من 17 دولة عربية اجتمعوا يوم أول من أمس، في «قصر اليونيسكو» بدعوة من «الهيئة العربية للمسرح» التي تقيم هذه الاحتفالية منذ ثلاث سنوات، كل عام في دولة عربية مختلفة برعاية وتمويل من رئيسها الأعلى، حاكم الشارقة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي.

هذه السنة كان دور بيروت، حيث احتشد المسرحيون العرب، للافتتاح ومتابعة الندوات التي تقام صباح كل يوم، فيما تركت فترتا ما بعد الظهر والمساء للعروض المسرحية التي اختيرت من بين الأفضل لتشارك في هذا المهرجان.

وفي الافتتاح الذي قدمته الممثلة جوليا قصار تحدث مدير المهرجان جان داود مرحبا بالضيوف العرب في بيروت، معتبرا المسرح هو «إرادة الجمال مقابل التشويه، وإرادة البناء مقابل الهدم، وإرادة النهضة من المستنقع». كما تحدث مدير عام وزارة الثقافة اللبنانية عمر حلبلب عن المسرح وأهميته، تبعه الأمين العام للهيئة العربية للمسرح إسماعيل عبد الله بكلمة أشاد فيها ببيروت، واعتبر أن اختيارها لتكون مكانا لهذه الدورة جاء عرفانا بدورها الثقافي الخلاق. ونادى قائلا: «يا أهل المسرح جئناكم نشكل خريطة نريدها جديدة في زمن العولمة»، مشيدا بدور حاكم الشارقة، الرجل المسرحي الذي أراد للشمل المسرحي العربي أن يلتئم من خلال هذا المهرجان السنوي، الذي يقام في اليوم الذي يحتفل فيه العالم كله بالمسرح.

وألقى المسرحي العراقي، وأحد رواد جيله الفنان يوسف العاني كلمة المسرح العربي في هذه المناسبة، متسائلا: «هل لدينا مسرح عربي حقا؟» طالبا من الحضور ألا يفكروا بالرد على تساؤله بعجالة. طارحا سؤالا صعبا على من أهدوا عمرهم لهذا الفن الصعب الذي يعاني الكثير من التهميش. وتحدث العاني عما كابده المسرح العراقي من قمع وما تعرض له هو شخصيا من اعتقال، حالمًا بالحرية وبأن «لا يسأل فناننا إلى أين أنت ذاهب؟ ما دام حاملا رسالته النبيلة يجوب بها خشبة المسرح العربي الواحد. فهي هويته وجواز سفره».

وربما كانت اللحظة الأكثر تأثيرا في هذه الأمسية المسرحية الجامعة هي عندما بدأ تكريم الرائدين المسرحيين الكبيرين، أنطوان ولطيفة ملتقى. وإذ تمكن أنطوان ملتقى من الحضور لتكريمه على المسرح وسط تصفيق حار من الحضور، فإنه اعتذر عن غياب زوجته التي تعرضت لحادث، وقال: «لطيفه زوجتي حزينة كثيرة لأنها لم تتمكن من أن تأتي لرؤيتكم، وتقول شكرا للهيئة التي أسسها الشيخ سلطان بن محمد القاسمي». مضيفا: «يا ريت عنا وزير يهتم بالمسرح. من 60 سنة ونحن نعمل لم يسأل عنا أحد، ولم يهتم أي من المسؤولين بما نقوم به». ووجد كلام أنطوان ملتقى صدى قويا من الحضور الذي صفق، وشجع ووافق على شكوى الرجل. الفيلم القصير الذي استعاد مسار الثنائي وزواجهما في الكنيسة كما على المسرح، كان مؤثرا، ومهما، خاصة لأولئك الذين لم يعاصروا جيل الستينات المسرحي الذي بنى المداميك الأولى للحركة المسرحية اللبنانية.

وطالت تلك الأمسية الافتتاحية، حيث عرض خلالها مسرحية «حقائب» التونسية التي نالت أكثر من جائزة، بينها جائزة أفضل عرض في مهرجان المسرح التجريبي في مصر، واختيرت لافتتاح هذا المهرجان.

«حقائب» ميزتها أنها مشغولة بمهارات الجيل المسرحي التونسي الجديد الذي لم نتعرف عليه من قبل. يعرف اللبنانيون، كما كل العرب المعنيين بالمسرح، الأعمال البديعة لفاضل الجعايبي وتوفيق الجبالي ومحمد إدريس والمنصف السويسي. وها هم يتعرفون الآن إلى جيل آخر، يحاول أن يضع لمساته على الخشبة. جيل لم ينسلخ عن الذي سبقه لكن له لغته وديناميكيته الخاصة.

كاتب المسرحية يوسف البحري يركز على معاناة الممثل، يعتبره حقيبة كما يشي عنوان المسرحية ويحاول أن يخرج منه مشاعره وأحاسيسه، يجعله يتكلم عن معاناته. النص يأتي مقطعا مجزأ، أما المشاهد فأرادها المخرج جعفر القاسمي ومصمم السينوغرافيا أشبه بالاسكتشات التي على المتفرج إعادة وصلها ببعضها.

هذا التشظي المقصود، في العرض، يكاد يصبح سمة لبعض المسرحيات الجديدة، وهو أمر يستسيغه البعض، ويتبرم منه البعض الآخر. لكن «حقائب» تتغلب على نقاط ضعفها العديدة، بقوة حضور الممثلين، والتركيز على متعة الفرجة والمشهديات الخاطفة، والمهارة في استخدام الضوء والعتمة.

الإضاءة الخافتة طوال ساعة ونصف الساعة هي مدة العرض، تترافق مع الغمامات البيضاء التي تبث سحبها، فيما يتحرك الممثلون بسرعة وحيوية، يعتمدون الجمل القصيرة، مع النبرة العالية وتكرار الجمل، لخلق ديناميكية دائمة على الخشبة.

عرض لحال الممثلين، سخرية من أوضاعهم، حوارات كوميدية سوداء، لعب على الكلمات، منها تنبثق أحلام وتمنيات الممثلين الذين يؤكدون أنهم لن ييأسوا وسيبقون يدافعون عن وجودهم ومهنتهم.

صناعة المشهد شغلت المخرج الذي أجاد في إمتاعنا على خشبة فارغة تماما استعان بغلالات شفافة، ليصنع منها الجبل والسقف ويشكل الشخصيات. ومع خدعة الظلمة المضاءة بخفوت شديد، تركت للمتفرج مساحة للخيال. لا بد أن الفنون التصويرية السينمائية والتلفزيونية وحتى الإلكترونية بات لها تأثيرها على صناعة المشهد المسرحي، ونصه المتروك بلا شخصيات مركزية أو عقدة أساسية.

إنه زمن الصورة والبروجكتورات التي يستخدمها المخرج على خلفية المسرح ويضيئها أو يطفئها إيذانا ببدء استكش وانتهاء آخر، على وقع موسيقى جميلة بدت جزءا أساسيا من العرض. ولم ينس المخرج أن يجعل البروجكتورات ترقص في نهاية المسرحية رقصة عنيفة أغشت أبصار الحاضرين، قبل أن تنطفئ الأضواء إيذانا بانتهاء رحلتنا في دواخل الممثلين التي قدمت على أنها حقائب تستحق التفتيش في مكنوناتها.

العرض التونسي هو الأول في سلسلة العروض التي ستقدم في كل من بيروت وطرابلس، موزعة على خمسة مسارح. والعروض هي: «فيفا لا ديفا»، «مدينة المرايا»، «ألف وردة ووردة»، «مساحات أخرى» (لبنان). عرض «ينعاد عليك» (تونس/لبنان)، «السلوقي» (الإمارات)، «حمار الليل» (المغرب)، «تتانيا» (الكويت)، «عجايب» (مصر)، «سيليكون» (سورية)، «سكان الكهف» (الأردن)، «الإطار» (ليبيا).

جدير بالذكر أن الجزائر كانت قد أعلنت عن انسحابها من فعاليات المهرجان. وفي مؤتمر صحافي عقد مؤخرا، قال المستشار الإعلامي في المسرح الجزائري فتح النور بن براهم، إن المسرح الجزائري راسل اللجنة التنفيذية وأبلغها بتجميد عضوية الجزائر في الهيئة العربية للمسارح إلى حين تغيير مدير الهيئة التنفيذية لمهرجان المسرح العربي الفنان المصري أشرف زكي «الذي شتم الشعب الجزائري عبر قنوات فضائية عربية». وأضاف بن براهم أن «زكي شتم شهداء الجزائر وتسبب بتصريحاته خلال أزمة كرة القدم في تشتيت الفنانين الجزائريين والمصريين» مطالبا زكي بتقديم اعتذار علني للشعب الجزائري. وأوضح أنها «المرة الثانية على التوالي التي يرفض فيها المسرح الجزائري المشاركة في هذه الفعالية بعد رفضه المشاركة في دورة تونس التي أقيمت السنة الماضية».

ورغم الخلافات العربية التي وصلت شظاياها إلى المسرح يتابع المهرجان عروضه وجلساته النقاشية حتى يوم السبت الخامس عشر من الشهر الحالي.