«مهرجان المسرح العربي» يواصل عروضه في بيروت بمشاركة 17 دولة

«سكان الكهف» أردنيون يلوذون بأحلامهم هربا من الجشع

TT

المسرحية الأردنية «سكان الكهف» التي قدمت على مسرحين لبنانيين، أحدهما في طرابلس والآخر في بيروت، ضمن إطار «مهرجان المسرح العربي» الذي عقد دورته الثالثة في لبنان هذه السنة، تذكر، من حيث عنوانها، بمسرحية «أهل الكهف» الشهيرة للأديب الكبير توفيق الحكيم. لكن التشابه يتوقف هنا، إذ أن توفيق الحكيم يركز على فعل الزمن على البشر والتحولات التي يتركها على الأحياء، أما «سكان الكهف» المأخوذة عن نص الأميركي (أرمني الأصول) ويليام سارويان، فهي عن البؤس الذي يتعرض له الفنانون في مجتمع مادي جشع لا يعترف بالأحلام وتمنيات الأبرياء.

القصة تدور حول مجموعة من الفنانين يعيشون في مسرح قديم ومهجور، تتداعى حجارته وأتربته عليهم وتتسرب مياهه الرطبة لتزيد من بؤسهم، يقاومون الجوع والفقر، ويستعينون على مأساتهم بالتمثيل والحب واستذكار الجميل من أيامهم والنضر من طموحاتهم. إلا أن قبول الفنانين بواقعهم المدقع لم يكن كافيا لحمايتهم من الأسوأ، فقد وصلت جرافات الهدم إلى المسرح، لتحرمهم حتى من السقف الذي يستظلون به، دون رأفة بهم، أو اعتبار لقيمة المسرح القديم الذي ما عاد يستحق البقاء في نظر المخططين والمتمولين.

من المفارقات الغريبة أن يقدم العرض الأول من هذه المسرحية في لبنان مساء الأربعاء الماضي على مسرح «بيت الفن» القديم، الذي لم يجد من يعنى بأمر اهتراءاته والتآكل الذي دب في أنحائه وقيل للحضور إنها مجرد مصادفة أن يعرض هذا العمل هنا، وإن هذا المسرح سيرمم أخيرا، بعد الحصول على هبة من أحد السياسيين. أما العرض الثاني مساء الخميس، فتم تقديمه في «مسرح بيروت»، وهو أحد أقدم مسارح العاصمة اللبنانية. مسرح تعرض للإغلاق والهجر أكثر من مرة، آخرها كان منذ سنوات قليلة بسبب تدهور أحواله سواء لناحية التمديدات أو لجهة البناء بحد ذاته. وعلى أي حال فالمسرحان اللذان قدمت على خشبتيهما المسرحية مصابان بنفس الداء الذي يتحدث عنه الممثلون خلال هذا العمل، مما جعل الديكورات الطبيعية للمكان مناسبة تماما.

ما كان على المخرج الأردني خليل نصيرات في الحالتين سوى أن يزيد على الموجود لمساته، من بعض الأعمدة الحديدية التي وقفت على قطع من الطوب، وشيء من الأتربة والغبار، وسلم حديدي عتيق في خلفية الخشبة، ليقنع متفرجه بأنه في مسرح آيل للسقوط.

أربعة ممثلين أساسيين، أحدهما سيد المسرح (أحمد العمري) الرجل الكبير الذي قضى عمره ينافح عن الفن حتى وصل إلى حائط مسدود، ومعه سيدة المسرح (أريج جبور) شريكته في المغامرة التي لم توصل إلى ما يسعدهما، لتدخل على الخط شابة (سوزان البنوي) لاذت حديثا بالمسرح بعد أن تاهت عن طريق الخلاص وفقدت قدرتها على الفرح. يكمل المشهد الرباعي شاب كان ملاكما سابقا (بلال زيتون) يبدو هو الآخر غير قادر على التأقلم مع العالم الخارجي، ووجد في هذا المكان الرطب ما يمكن أن يريحه. العلاقات العاطفية الثنائية بين سيد وسيدة المسرح، كما بين الشابين، هي جزء من الحبال التي يتمسكون بها، والتي تتدلى فعليا على المسرح لتتمم المعنى الرمزي المراد الإشارة إليه. أما قطع لعبة «الليجو» ذات الأحجام الكبيرة والملونة فاستخدمت من قبل الممثلين كناية عن حالات الهدم والبناء التي يعيشون على وقعها. فيما الأغنيات التي تصدح بين الحين والآخر، والرقصات الأليمة، بقيت كأنها غير قادرة على تعبئة خلخلة تعاني منها المسرحية. وإذا كان النص الذي تم تعريبه ليتماهى مع الواقع العربي قد نجح في الكثير من المرات في جذب المتفرج وإضحاكه لما يتمتع به من روح السخرية، فإن حركة الممثلين المكرورة بالجري من عمود حديدي إلى آخر، والقفز من جهة إلى جهة ثانية خلقت جمودا بصريا، خاصة أن الإضاءة لم تلعب الدور المرجو منها إلا في الجزء الأخير من المسرحية. ويمكن القول إن الاعتماد على النص بقي هو الأساس، حتى اقتحم العمال المسرح مع المهندس القيم على هدم المكان، وبدأوا بلف شريط أحمر يصل بين الأعمدة و«يزنر» المساحة. وما بين شفقة المهندس الذي يريد تأجيل الهدم، وضغط الضرورة لتنفيذ المطلوب والتخلص من المسرح الذي يقف عائقا أمام التجديد، يبدأ الممثلون بتسلق السلم الحديدي للمغادرة وهم يودعون الحضور، إلا أنهم في النهاية يتراجعون ويختارون البقاء مهما كانت النتيجة.

وجدير بالذكر أن موضوع أزمة المسرح، والصعاب الكبيرة التي يواجهها الممثل هذه الأيام، من ضائقة عيش إلى افتقاده لتقدير مجتمعه، ووصوله إلى نهايات مأساوية كان محورا للكثير من المسرحيات في «مهرجان المسرح العربي» الذي بدأ في الحادي عشر من الشهر الحالي ويستمر حتى الخامس عشر منه. فقد تحدثت عن معاناة الممثل مسرحية «حقائب» التونسية، وكذلك مسرحية «فيفا لا ديفا» اللبنانية، و«سكان الكهف» الأردنية. كل قال كلمته على طريقته، لكن المحصلة هي أن المسرح في نزعه الأخير ويحتاج لمن ينقذه.