السليمانية.. عاصمة ثقافية ومشاريع تجارية وسياحية

مسؤول الاستثمار في المحافظة الكردية لـ«الشرق الأوسط»: شبابنا يريدون عملا سهلا وراتبا مغريا

عمران حديث في مركز السليمانية («الشرق الأوسط»)
TT

تستقبلك محافظة السليمانية، ثاني مدن إقليم كردستان العراق، سواء كنت قادما إليها جوا من خلال مطارها الدولي، أو برا بواسطة السيارة، بمدخل عريض وأنيق يكشف لاحقا، عندما تتوغل في عمق المدينة، عن جهود بلدية حريصة على إبقائها نظيفة ومتطورة.

قبل الدخول إلى المدينة يرصد الزائر العشرات من المشاريع السكنية والتجارية (مراكز تسوق)، والسياحية والصناعية التي تمتد مع أفق المدينة حتى تتسلق الجبال، ولاحقا سوف نكتشف من خلال نوافذ أحد الفنادق الحديثة في منطقة سرجنار السياحية في السليمانية، غابة الرافعات التي ترتفع ومعها ترتفع طوابق الأبنية الحديثة والملونة، فالمعروف عن الأكراد حبهم للألوان التي تأتي كمعادل لوني للجبال الجرداء التي تحيط بها، إذ يبدو أن الاهتمام بالزراعة لا يحتل أولويات المستثمرين، وحسب خبيرة كردية في علوم الزراعة، فإن «شحة المياه والنقص في الأيدي العاملة هما ما سبب انحسار المساحات الخضراء، حتى إن الفلاحين الذين يعيشون في الريف الكردستاني اتجهوا إلى مهن أخرى، باستثناء الزراعة التقليدية للقمح وبعض الخضراوات التي تعتمد على الأمطار، فإننا لا نلحظ هناك توجها جديا من قبل المستثمرين نحو قطاع الزراعة».

لكن ثمة مشروع سياحي استثماري ضخم قرب مركز السليمانية، وحسب أيضا رئيس الحكومة برهم صالح، فإنه يضم «اليوم الآلاف من الأشجار التي تمت زراعتها في واد فسيح، إضافة إلى الفنادق والفللات السياحية».

وقد أتاح قانون الاستثمار في إقليم كردستان، السخي بمنح الأراضي والتسهيلات، فرص عمل للآلاف من الشباب للانخراط في أعمال البناء والسياحة والمشاريع الصناعية. وحسب المدير العام للاستثمار في محافظة السليمانية، فرمان غريب سعيد، فإن «هناك عشرات المشاريع الاستثمارية التي تم الترخيص لها خلال الأعوام الستة الماضية، منها 21 مشروعا تم الترخيص لها عام 2010، بينها 9 مشاريع سكنية، و5 صناعية، و6 تجارية، ومشروع صحي واحد يتعلق بإنشاء مستشفى خاص».

ويعترف سعيد لـ«الشرق الأوسط» بأن «هناك شحة في المشاريع الزراعية»، مستدركا بأن «هناك 3 مشاريع زراعية استثمارية قيد الدراسة ضمن 172 مشروعا تنتظر الترخيص لها خلال النصف الأول من العام الحالي». ويتحدث بلغة الأرقام والإحصاءات الدقيقة ويقول: «في لائحة دراسة الجدوى الاقتصادية والفنية للمشاريع المقدمة هناك 26 مشروعا تجاريا، و25 خدميا، و45 صناعيا، و59 سكنيا، و9 سياحية، و3 مشاريع رياضية، إضافة إلى 3 مشاريع زراعية، كما تم التفاهم بين حكومة الإقليم والمسؤولين الإيرانيين، خلال الزيارة الأخيرة لرئيس الحكومة إلى طهران، لإنشاء أكبر منطقة صناعية في منطقة عربد غرب السليمانية، وخصصنا 3200 دونم لها»، مشيرا إلى أن «الكلفة الإجمالية للمشاريع الاستثمارية للعام الماضي (26 مشروعا) بلغت ما يقارب الملياري دولار».

وتعتمد سياسة رئيس حكومة الإقليم في موضوع معالجة أزمة البطالة على تشجيع القطاع الخاص لاستيعاب العاطلين، وهذا ما يؤيده المدير العام للاستثمار في السليمانية الذي يؤكد أن «هذه المشاريع ستحل مشكلة ما يقرب من 10 آلاف عاطل عن العمل، ولا سيما أن قانون الاستثمار لإقليم كردستان يلزم أصحاب المشاريع بأن تكون الأولوية بتشغيل الأيادي العاملة المحلية». وبسؤاله عن سبب انتشار العمال من خارج الإقليم أو حتى من خارج العراق، كالعمالة الآسيوية مثلا، يعترف سعيد قائلا: «شبابنا الأكراد يريدون عملا سهلا ورواتب كبيرة، وهذا لا يتوافر في أي مشروع استثماري أو غيره في العالم».

ومع أن مدينة السليمانية قد تطورت كثيرا، فإن شكاوى الناس لم تنقطع، سواء بالحديث عن الأزمات التقليدية التي تتعلق بالسكن والعمل وقلة مستوى الرواتب، وعلى حد إيضاح صحافي كردي، فإنه «من الصعب إرضاء الناس، وخاصة في السليمانية، فمثلا المواطنون هنا يشكون من أزمة السكن، وكانت الحكومة قد منحتهم قطع أراض سكنية لبنائها وحل جزء من هذه المشكلة، لكن غالبية هؤلاء باعوا قطع الأراضي بأسعار زهيدة لكونهم حصلوا عليها مجانا وعادوا يشكون من أزمة السكن، لهذا تتجه الحكومة إلى تشجيع الاستثمار في قطاع السكن المناسب ومساعدة المواطنين على شراء شقق سكنية بأقساط مريحة، وهذا ما حدث في بعض المشاريع السكنية هنا». وأشار هذا الصحافي، الذي فضل عدم نشر اسمه، قائلا لـ«الشرق الأوسط»، إن «واقع الحياة في السليمانية يؤكد ارتفاع القدرة الشرائية للمواطنين، وهذا ما نلمسه من خلال الطرز المعمارية للبيوت والعمارات، وأنواع السيارات الحديثة التي يقودها الغالبية من الناس، وانتشار المجمعات التسويقية التي تجد فيها بضاعة مستوردة من مناشئ أوروبية وصينية وتركية». وإذا كانت أطراف المدينة وما حولها قد تحولت إلى ورشة عمل مفتوحة لتنفيذ العشرات من المشاريع، فإنه في مركزها تقوم ورشات أخرى لتحديث الشوارع ومد أنابيب المياه الثقيلة.

وتعرف السليمانية باعتبارها مدينة يهتم أهلها بالثقافة، بل تعتبر العاصمة الثقافية لإقليم كردستان، إذ تنتشر فيها المسارح وصالات العرض السينمائي وسيفتتح بها قريبا المتحف الوطني للفن الحديث، كما تضم أكبر دار للنشر والترجمة «سردم» التي يشرف عليها الشاعر الكردي شيركو بيكس، وتنتشر في ذراعها السياحية، سرجنار، عشرات الفنادق المتطورة والمطاعم التي تقضي العوائل فيها سهرات نهاية الأسبوع على إيقاع موسيقى وأصوات مطربين عرب وأكراد، بينما يعلو وسطها فندق جديد يتكون من 28 طابقا أسندت إدارته إلى شركة «ميلانيوم» العالمية.

ويقول هندرين حكمت، من أهالي المدينة، وهو أستاذ العزف على آلة السنطور التراثية، وواحد ممن طوروا هذه الآلة، إن «اهتمام الشباب هنا بالفنون كبير، إذ توجد كلية ومعهد للفنون الجميلة، ومعروف عن الأكراد عامة، وأهالي السليمانية خاصة، شغفهم بالموسيقى وبالدبكات الكردية التي يجيدها الجميع هنا».

وبسؤال رئيس حكومة الإقليم حول حقيقة ما يتردد عن أنه اهتم بمحافظة السليمانية لكونه ابن هذه المدينة، أجاب مبتسما: «أنا لم أهتم بهذه المحافظة على حساب أربيل ودهوك، فأنا رئيس حكومة الإقليم وليس رئيس حكومة السليمانية، واهتمامي يتوزع على كل مدن وقرى كردستان، وعندما نرى أن هذه المدينة أو القرية تحتاج إلى اهتمام فلا نتراجع، من دون أن نحسب أن هذه تابعة لتلك المحافظة أو محافظة أخرى»، ويضيف: «إنني أمضي جل وقتي في أربيل لكونها العاصمة ومكتب رئيس الحكومة هناك، وأخصص وقت راحتي في العطلة الأسبوعية للسليمانية ودهوك التي زرتها مرات عدة، إذ أتفقد المشاريع وألتقي الناس هنا وهناك».