اختتام «مهرجان المسرح العربي» في بيروت بالعرض الإماراتي «السلوقي»

العراقيون في «كامب» أدانوا الاحتلال الأميركي باحترافية عالية

مشهد من المسرحية الإماراتية «السلوقي»
TT

بعد ستة أيام من العروض المسرحية المتواصلة، قدمت خلالها 16 مسرحية عربية، وأقيمت الندوات والمحاضرات، أنهى «مهرجان المسرح العربي» في دورته الثالثة أعماله في بيروت، مساء السبت الماضي، بمسرحية «السلوقي» الإماراتية التي شاهدها الجمهور في «مسرح المدينة»، وكانت قد فازت قبل ذلك بجائزة أفضل نص في «مهرجان المسرح الخليجي».

وشاركت في الاحتفال الختامي فرقة «كورال الفيحاء» التي باتت تعرف في المنطقة العربية بأدائها الصوتي المميز، من دون أي مرافقة موسيقية، لأشهر الأغنيات التراثية والحديثة.

وعلى الرغم من فارق اللهجات، استطاع الجمهور اللبناني أن يتابع مسرحيات كويتية، مغربية، سودانية، ليبية، تونسية، هذا غير الأردنية، المصرية، والسورية كما لقي هذا المهرجان الممول من حاكم الشارقة، الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، حفاوة خاصة من اللبنانيين، الذين عبروا لمرات عدة، خلال الاحتفالية، عن افتقادهم لأي دعم للمسرح وفنانيه، على غرار ما يحدث في دول عربية أخرى.

كان لافتا أن عددا من المسرحيات دارت مواضيعها حول أزمة الممثل والمسرح في العالم العربي، هذا كان موضوعا أساسيا للمسرحية التونسية «حقائب»، واللبنانية «فيفا لا ديفا»، والأردنية «سكان الكهف»، بينما عنيت مسرحيات أخرى، مثل الكويتية «تتانيا»، والسودانية «طائر الصدى المفقود»، وكذلك المغربية «حمار الليل»، بمأزق الإنسان في عصر يفتقد للمبادئ واحترام القيم، مما يسهل سطوة القوي على الضعيف.

وعلى الرغم من طول المسرحية الإماراتية «السلوقي» التي اختتم بها المهرجان، وتغليب الكلمة فيها على متعة الفرجة، في الكثير من المشاهد، فإن الجانب الموسيقي الحي الذي اعتمد على إيقاعات الضرب على الدفوف والغناء الخليجي، أمتع المتفرجين. هذه المسرحية التي كتبها عبد الله إسماعيل، عن رواية «قلب كلب» للروسي ميخائيل بوليغاكوف، وتؤديها «فرقة مسرح الفجيرة» تحكي قصة رجل يعثر على كلب سلوقي مريض فتخطر له فكرة الاستعانة به للتغلب على أعدائه. يلجأ الرجل إلى إعطاء دواء مقوّ للكلب لتغيير حالته، فإذا به يتحول إلى إنسان يعيث فسادا، ويقلّب الناس على بعضهم بعضا ويخلق الفتن، ويبدأ في الاقتصاص من كل أولئك الذين أساءوا إليه في حياته الكلبية السابقة. إنها حكاية تفاضل بين وفاء الكلب وحقد الإنسان، وتتساءل ضمنا عن فضيلة أحدهما على الآخر.

استعان المخرج حسن رجب بالرواة الذين يمرون على خشبة المسرح وكأنهم يسيرون على عجلات تحركهم ببطء، وسط ظلام لا يبدو خلاله سوى طيفهم، كما اعتمد الموسيقى الحية ليجعل من الحوارات الساخرة أكثر حيوية.

وربما أن أحد أهم العروض التي شدت الانتباه، وهي كثيرة، ذاك الذي قدمته «جماعة المسرح التجريبي» العراقية تحت عنوان «كامب».

وإذا كان الموضوع في حد ذاته، وهو عذابات العراقيين وآلامهم ومعاناتهم من الحروب والاحتلال، هو مما بات مألوفا، فإن النص والإخراج جاءا مبتكرين وممتعين لجمهور كان ينتظر الجديد والمختلف.

المخرج الشاب والموهوب مهند هادي وضع نفسه أمام تحد كبير كان عليه أن ينجح فيه، وفعل؛ قيد نفسه بمساحة ضيقة ومحدودة للخشبة بفعل ديكور يعتمد الغرف المغلقة التي تنفتح أبوابها ويعاد إغلاقها بسرعة، ليحكي عن وطن بأكمله، واكتفى بستة ممثلين في هذا الحيز الضيق ليمثل معاناة شعب.

غرفتان صغيرتان جدا على جانبي المسرح توحيان بأننا أمام مجموعة من الغرف بسبب أبوابهما التي تفتح وتغلق، أما الخلفية الفاصلة بين الغرفتين فهي إطار كبير، كأنما شاشة عملاقة تدور داخلها الأحداث. وما بين حركات الممثلين الخلفية وتلك الأمامية في الغرف وبينها، تدور المشاهد.

وعلى الرغم من ألوان الملابس يخيل للمتفرج أنه أمام صور بالأسود والأبيض بسبب الأبيض الناصع الذي طليت به الجدران، والستارة السوداء التي تصنع خلفية الشاشة أو ما يراد أن يكون كأنه مكان للعرض.

كل ممثلين اثنين يدور بينهما حوار ما، هناك ممثلان آخران يدور بينهما الحوار نفسه، لكن تحرك الشفاه ليس بالضرورة أن يصدر صوتا. ربما يريد أن يقول المخرج إن الحالة المأساوية الواحدة، هي حالات بالجملة في العراق الكليم.

أحيانا نرى في الشاشة صورة لمقهى، لا يتبين لنا سوى نصف طاولة مع شخص واحد يجلس إليها، ولا نكتشف الشخص الآخر لأنه على الطرف الأيمن وبات خارج المشهد، جهة اليسار نرى نصف المشهد أيضا لطاولة وشخص واحد، ربما رأينا يدا للشخص الآخر المختفي أو حركة. لا تعرف من يتكلم مع من، المهم أن الحوار دائر، ومستمر وعنيف أحيانا.

الحكايات التي يتفنن المخرج في إظهارها على شكل صور جامدة أو لقطات قصيرة مختصرة من حيث الكلام وطول المشهد، تدين الاحتلال الأميركي، تلعب على وتر الانقسام الطائفي العراقي، ولا ترحم التخلف الاجتماعي الذي يظلم المرأة.

أجمل ما في هذا العمل أنه يقول الكثير، باختصار لافت، ويدين العنف والظلم بسخرية تطلق ضحكات المتفرجين. غمز ولمز وفكاهة طالعة من قلب النار.

عمل مبدع وشيق يأنف من الغلظة والنواح، على الرغم من أنه يتكلم عن واحدة من أكثر القضايا العربية دموية اليوم.

وإن كان لمهرجان المسرح العربي الذي يجول كل سنة عاصمة عربية، حيث يحط فيها ليعرض آخر وأفضل النتاجات العربية، من فضل يجب أن يشكر عليه، فهو على الأقل يعرّف سكان البلد الذي يستضيفه وبالمجان، على جيل مسرحي عربي شاب له لغته وأدواته. فللمرة الأولى اكتشف الجمهور اللبناني، مسرحيا تونسيا شابا وموهوبا هو جعفر القاسمي، والعراقي مهند هادي. ولم يسبق للمتفرج في بيروت أن تعرف عن كثب، على الرغم من العروض القليلة المتفرقة التي تمر في العاصمة اللبنانية على المسرح الخليجي، على التآلف مع اللهجة، ويقول وهو يخرج من الصالة، كما كان يتكرر: «اللهجة صعبة بس كانت مفهومة».