سائحون يحاكون المستكشفين الرواد للمناطق القطبية

مئات الأشخاص يشاركون في الاحتفال بالذكرى المئوية لاستكشاف القطب الجنوبي

ينوي الكثيرون التوجه إلى المنطقة القطبية عبر التزلج على الجليد (نيويورك تايمز)
TT

عندما وصل المستكشف البريطاني روبرت فالكون سكوت إلى القطب الجنوبي ووجد أنه قد سبقه لهناك رولد أموندسن والفريق النرويجي المعاون له، تملكه اليأس، وكتب في مذكراته متحسرا: «يا إلهي العظيم! هذا مكان بشع».

إلا أنه رغم بشاعته تلك، على وشك أن يشهد تدفق مئات الأشخاص سيرا على الأقدام - يضمون سائحين ومغامرين ومغرمين بالتاريخ - للاحتفال بالذكرى المئوية لوصول أموندسن (14 ديسمبر/كانون الأول 1911) وسكوت (17 يناير/كانون الثاني 1912) للمنطقة. وبالفعل، بدأت وتيرة الاستعدادات في التسارع.

وينوي البعض التزلج على الجليد على نفس الطرق التي سلكها أموندسن وسكوت، وقراءة مذكراتهما على نحو يومي والتعليق في المدونات الخاصة بهم على تجربتهم. ويستعد آخرون للوصول إلى القطب باستخدام شاحنة. أما الراغبون في التعرض لقدر أقل من الإجهاد، فينوون الوصول هناك عبر طائرات مجهزة لخدمة الركاب، بينها عدة طائرات ستنزل الركاب قبل الموقع المحدد ببضعة أميال حتى يتمكنوا من التزلج على الجليد طوال المسافة المتبقية والشعور بمتعة المغامرة والنصر.

من بين الشركات العاملة بمجال تنظيم هذه الرحلات «بولار إكسبلوررز»، التي يوجد مقرها بضاحية في شيكاغو. تفرض الشركة رسوما بقيمة 40.5 ألف دولار مقابل نقل الفرد جوا إلى القطب الجنوبي في أي من المئويتين (حسب الأحوال الجوية). وتصل تكلفة الرحل بالنسبة للأشخاص الراغبين في إنزالهم قبل درجة أو درجتين من المنطقة المنشودة إلى 57 ألف وخمسمائة دولار.

من جهتها، قالت آني أغينز، من «بولار إكسبلوررز»: «سنلتقط كثيرا من الصور، وبمقدور المشاركين الاتصال بأحبائهم من داخل المنطقة القطبية. إنه من المثير للغاية اتباع سبيل هؤلاء المكتشفين الأوائل».

إلا أنه بطبيعة الحال، لن يرغب أحد في محاكاة الرحلة الاستكشافية التي قام بها سكوت بأكملها، حيث لقي هو ورجاله حتفهم في خضم عاصفة ثلجية خلال رحلة عودتهم من القطب الجنوبي التي امتدت لـ800 ميل، وقد عثر عليهم جميعا داخل خيمة اتضح لاحقا أنها على بعد 11 ميلا فقط من مخزن حيوي للإمدادات.

من ناحية أخرى، ينوي الكثيرون التوجه إلى المنطقة القطبية عبر التزلج على الجليد، ثم العودة جوا. ومن بين هؤلاء مات إليوت، 28 عاما، بريطاني، والذي من المقرر مشاركته في سباق للتزلج على الجليد لمسافة 440 ميلا، مع جره معدات تبلغ زنتها 200 رطل. يقيم إليوت في ويندسور ويعمل في شركة تخص عائلته تعمل بمجال بيع الورق، ويصف نفسه بأنه ما يزال «مبتدئا» في زيارة القطب.

وأشار إلى أنه لم يسبق له قط ممارسة التزلج على الجليد في دولة أجنبية، بجانب أنه ليس من عاشقي الطقس البارد. ومع ذلك، فإنه حرص على التدرب من خلال سحب إطاري سيارة باستخدام حبل لعدة ساعات يوميا.

وأوضح إليوت: «أود معرفة مدى قدرتي البدنية على الصمود». يذكر أن إليوت دفع نحو 95 ألف وخمسمائة دولار للمشاركة في المسابقة التي تجري تحت رعاية شركة مقرها لندن تدعى «إكستريم وورلد ريسيز». وأضاف: «من الرائع أن يصل المرء هناك أولا ورفع علم المملكة المتحدة على القطب الجنوبي قبل وصول النرويجيين هناك».

أما ديفيز نيلسن، 52 عاما، الذي يدير شركة لإنتاج الحديد الصلب في شيكاغو، فسيتمتع برحلة تحمل قدرا أقل من الضغوط العصبية، حيث ينوي استقلال واحدة من طائرات أموندسن التي تديرها شركة «بولار إكسبلوررز» تكريما للإنجاز التاريخي النرويجي. وستكون تلك مغامرته الثانية بمنطقة القطب، ففي عام 2009 سافر جوا إلى القطب الشمالي للاحتفال بمئوية بعثة روبرت بيري الاستكشافية.

وقال نيلسن، الذي ينوي التزلج لمسافة 30 ميلا تقريبا، إنه في السفر إلى القطب، «عليك الاستعداد للمشقة».

بصورة عامة، من المتوقع ألا تزيد الحشود المتوجهة إلى القطب الجنوبي عن مجرد نقطة في بحر إجمالي أعداد السائحين المتدفقة على القطب الشمالي، والذين بلغت أعدادهم الذروة عند مستوى 46 ألفا في موسم 2007-2008، لكنها تراجعت بسبب فترة الركود العالمي. إلا أنه نظرا لأن غالبية الأشخاص الذين يتجهون للقطب الشمالي يستخدمون السفن في انتقالهم وغالبا ما يتجاوزون الساحل، فإنه من المتوقع زيادة حركة السياحة بمنطقة القطب ذاتها.

من جانبها، لا يبدو أن هذه الأنباء تسعد «المؤسسة الوطنية للعلوم»، التي تدير «محطة أبحاث أموندسن - سكوت». وأطلقت رسالة إلى جميع الزائرين المحتملين مفادها: لا تنتظروا ترحيبا حارا بمجيئكم.

وقال بيتر ويست، مسؤول «مكتب البرامج القطبية» التابع للمؤسسة: «هؤلاء الذين يفدون للمنطقة ليس لدينا عملية نتبعها في التعامل معهم سوى السماح لهم بمعرفة أنهم عند منطقة القطب وأن هذه محطة أميركية. وليس بإمكاننا إمدادهم بأي من أسباب الراحة».

ومع ذلك، يبقى هناك محل صغير للهدايا يمكن للزائرين شراء قمصان وما شابه ذلك منه، وبعث رسائل تحمل خاتم بريد القطب الجنوبي. وأكد إيفان بلوم، من وزارة الخارجية، أن محطة الأبحاث «لم تقم لخدمة السياحة»، وأضاف: «نرغب في أن تدرك الحكومات الأخرى أنه لا ينبغي أن يظهر الناس فجأة ببساطة عند القطب الجنوبي».

على مدار معظم الوقت، سينتشر الزائرون عبر أرجاء القطب الجنوبي، وسيقام سباق التزلج على الجليد الأكبر، الذي تنظمه «إكستريم وورلد ريسيز»، بمنطقة بعيدة عن الطرق التي سلكها سكوت وأموندسن. ومن المقرر أن يشارك 51 متسابقا مقسمين إلى ثلاثة فرق بالتزلج على الجليد، حسبما أوضح توني مارتن، مؤسس الشركة. ومن المقرر أن يجري التدريب على السباق الذي يتضمن القفز في حفر ثلجية وتجاوز الصدوع الأرضية العميقة داخل معسكر في النرويج، وما تزال بالمسابقة أماكن شاغرة.

وأشار مارتن، خلال مقابلة أجريت معه هاتفيا من القطب الجنوبي، إلى أنه «لا نقدم جوائز نقدية أو سيارات». ووصف عملاءه بأنهم «مجرد أناس عاديين» يرغبون في توفير «دفعة لأنفسهم على الصعيدين النفسي والبدني». ومن المقرر أن يتدرب كل متسابق جهاز لتحديد المواقع الجغرافية وستتوافر طائرات حال الحاجة لإجلاء شخص من منطقة معينة.

من بين المسافرين المغامرين الآخرين هنري ورسلي، لفتنانت كولونيل بالجيش البريطاني، والذي ربما يحمل أفضل المؤهلات التاريخية بين جميع المشاركين في الرحلة، حيث تربطه صلة قرابة من بعيد بفرانك ورسلي، كابتن سفينة إرنست شاكلتون، التي حملت اسم «إنديورانس». وينظم هنري ورسلي سباقا خاصا به إلى القطب الجنوبي يضم فريقين، كل منهما مؤلف من رجلين.

وقال: «نرمي إلى محاكاة سباق سكوت وأموندسن من نقطتي البداية لهما. أنا أتولى قيادة الطريق الذي سلكه الفريق النرويجي وصولا إلى جبل أكسيل هيبرغ الجليدي من باي أوف ويلز، بينما يقود صديق لي فريقا آخر عبر الطريق الذي سلكه سكوت، وهو الأمر الذي سبق لي القيام به منذ بضع سنوات».

من ناحية أخرى، يحاول البعض التقليل من أهمية الجانب التنافسي في هذه الرحلات، والتشديد على الجانب التاريخي. من بين هؤلاء جان غنار وينتر، مدير «المعهد النرويجي القطبي»، الذي ينوي الوصول للقطب في ذات اليوم الذي بلغه فيه أموندسن، وسيكون عضوا بفريق مؤلف من أربعة أشخاص من المقرر أن يعيدوا تفاصيل رحلة أموندسن ثم يعودوا جوا إلى الوطن. على الجانب البريطاني، ينوي بين سوندرز، 33 عاما، المقيم في لندن، والذي يهوى التزلج على الجليد لمسافات طويلة، اقتفاء آثار سكوت - وإكمال رحلة العودة التي لم يتمكن سكوت من إنجازها.

ومن المنتظر أن يشارك ديفيد ويلسون، حفيد إدوارد ويلسون، عالم التاريخ الطبيعي الذي سار للقطب الجنوبي برفقة سكوت ومات إلى جواره، عددا من الأحفاد الآخرين لأعضاء البعثة الاستكشافية التي قادها سكوت، في رحلة إلى القطب الجنوبي لإحياء ذكرى المستكشفين الرواد.

ويؤكد ويلسون على قناعته بأن البعثة البريطانية توجهت إلى القطب الشمالي لمهام بحثية علمية، وليس للسباق للوصول إلى القطب. واستطرد ويلسون بأن الأفراد الذين ينوون عقد منافسات «يسيئون تماما فهم ما حدث منذ 100 عام».

رغم كل هذه الضجة، يصر بعض المخضرمين في الرحلات إلى المنطقة القطبية على أن أنتاركتيكا ليست مكانا مناسبا للمبتدئين.

عن ذلك، أكد روبرت سوان، الخبير البيئي الذي سار على طريق سكوت حتى القطب الجنوبي عام 1985 أنه «مكان يرغب في رؤيتك ميتا. وقد اكتشف سكوت هذا الأمر منذ 100 عام».

* خدمة «نيويورك تايمز»