ساري باناراسي في مواجهة الغزو الصيني والتقدم التكنولوجي

النول الكهربائي يختصر التكلفة والوقت اللازمين لنسج الساري > 23% زيادة في واردات الحرير الصيني في عامين

أحد المحلات التي تبيع الساري في الهند, وهو لباس شائع لدى الهنديات (أ.ف.ب)
TT

لا يزال حرير باناراسي، أو فاناراسي، بالنسبة لعالم الموضة شمس الهند، وموضع الكثير من الإلهامات العظيمة وتقدير غالبية خبراء الأزياء في جميع أنحاء العالم.

وتلقى منتجات الأنوال اليدوية المصنوعة من الحرير في مدينة باناراس، الاسم السابق لفاناراس، الواقعة في وسط ولاية أوتار باراديش، رواجا كبيرا في الهند وخارجها، وبصفة خاصة ساري باناراسي الشهير المنسوج يدويا، نظرا لأن الساري اليدوي يصنف بين أفضل الأنواع التقليدية في الهند، وهي الصناعة التي اكتسبت أهميتها خلال حكم المغول.

اشتهر منتجات الساري التقليدي في باناراس بأنها مصنوعة بصورة يدوية عبر نساجين تقليديين عملوا على تطوير العلامة التجارية لساري باناراسي، الذي يلقى رواجا كبيرا نظرا لدقته وجماله وفنه. فينسج الساري يدويا من حرير جيد بتصاميم تقليدية تحمل الكثير من الزخرفة والتطريز سواء على الإطار أو عليه كله.

ويعتبر هذا النوع من الساري، من ناحية تاريخية، من بين أفخم الأنواع في الهند التي تستخدم خيوط الذهب والفضة في تطريزه، والحرير الناعم الغني بالتطريز، ومن ثم يلقى إقبالا كبيرا. ويكتسب هذا النوع من الحرير أهم سماته من التصميمات المستوحاة من الفن المغولي الذي يمزج بين الزخارف النباتية المتداخلة، التي تشكل سلسلة من الأوراق النامية، تدعى جهالار على حافتي الساري، فالتطريز على الطرفين إحدى سمات هذا النوع من الساري.

وكانت خيوط الذهب والفضة تستخدم في تنفيذ تصميمات ساري باناراسي في الماضي، وكان الصانع يمضي عاما كاملا في صنع الساري الواحد، ومن ثم كانت تكلفة هذا الساري مئات الآلاف من الروبيات، وهو الأمر الذي جعله مقصورا على أفراد العائلات الملكية وحدهم، أما في العصور الحديثة فقد أصبح هذا النوع من الساري جزءا لا يتجزأ من ملابس العرس في الهند.

وطبقا لدقة التصميمات والنماذج يمكن لنسج الساري أن يستغرق ما بين 15 يوما إلى شهر، وأحيانا إلى ستة أشهر، وربما إلى عام كامل.

وقد شهدت صناعات باناراسي الحريرية تهديدات خلال الأعوام القليلة الماضية نتيجة لتدفق الأقمشة الحريرية الصينية الرخيصة. فقد زادت واردات المنسوجات الحريرية الصينية المسجلة بنسبة 23 في المائة بين عامي 2008/2009 و2009/2010، بما إجماليه 6.4 مليار روبية، على الرغم من فرض الهند ضريبة ضد الإغراق على المنسوجات الحريرية.

وبفضل سياسات التجارة الليبرالية في حقبة ما بعد الإصلاح، كما هو الحال في الكثير من المراكز الأخرى المعروفة بصناعة المنسوجات في دول أخرى، أصيبت صناعة الحرير في باناراس بضربة موجعة نتيجة النمو المطرد في واردات الحرير الرخيص القادم من الصين نظرا لأن الحرير الصيني يكلف ما بين دولار و1.25 دولار للمتر الواحد، في الوقت الذي يباع فيه الحرير الهندي مقابل 2.5 إلى 4 دولارات للمتر الواحد. وتستهلك صناعة الحرير في باناراس ما بين 12 ألفا إلى 15 ألف طن متري من الحرير كل عام، 60 في المائة منها تأتي من الصين.

يشكل النساجون المسلمون ما يقرب من 60 في المائة من النساجين الذين لا يزالون موجودين حتى اليوم، وغالبيتهم من الطبقة الدنيا وفقراء للغاية. وأكثر من 60 في المائة من العاملين في صناعة النسيج هم من النساء اللائي يعملن في وحدات عائلية صغيرة.

وقد استمر توارث تلك المهنة القديمة والتقليدية في نسج الساري في تلك المساحة البالغ قطرها 125 كيلومترا داخل وحول مدينة باناراس من جيل إلى جيل. وتدر صناعة ملابس باناراس دخلا يقدر بنحو 400 مليار روبية سنويا، وهي مصدر معيشة لما يقرب من مليون شخص في المنطقة.

ومع تدفق المنتجات الصينية الرخيصة، واجهت الصناعة مأزقا وجد معه مصنعو الساري صعوبة في الوقت الراهن في كيفية كسب قوت يومهم. ونتيجة لذلك تخلى أكثر من 60 في المائة من العاملين التقليديين في مجال صناعة الحرير عن وظائفهم التقليدية، ولجأوا إما إلى الهجرة إلى المدن بحثا عن عمل كعمالة غير مدربة، أو العمل في جر عربة الريكشا، أو كعمال في صناعة الطوب في داخل البلاد وخارجها. وهناك بعض حالات الوفيات بسبب الجوع وبيع الدماء، بل وحتى بيع الأبناء في الظروف الاقتصادية البالغة السوء التي تحدثت عنها التقارير الإعلامية في الآونة الأخيرة.

تعود أصول مشكلة النساجين إلى عام 1996، عندما بدأت الحكومة، خلال سعيها لمواجهة المصنوعات الصينية الرخيصة وتعزيز صناعة الحرير في بنغالور، إلى فرض حظر على واردات خيوط الحرير الصيني، وكانت الهدف الرئيسي وراء ذلك اعتماد صناعة ساري باناراسي على خيوط الحرير القادمة من بنغالور. وربما بسبب جودتها الفائقة بدأ تهريب خيوط الغزل الصينية إلى باناراس، وعندما أدرك النساجون أن طلباتهم للحرير الصيني في ازدياد طالبوا بتصريح عام مفتوح لاستيراد الحرير الصيني، وجاءت الضربة الكبرى للنساجين بين عامي 1999 و2000، عندما سمحت الحكومة الهندية بالواردات المعفاة من الضرائب للأقمشة الحريرية الصينية. وفي عام 2001 ألغت الهند القيود الكمية على واردات الحرير بناء على طلب من منظمة التجارة العالمية، ومنذ ذلك الحين بدأت واردات الحرير في تزايد بصورة تدريجية.

كان ظهور المنوال الكهربائي خطرا آخر يهدد وجود المهارات التقليدية لصناعة ساري باناراسي وأرزاق نساجي الأنوال. استخدام ساري المنوال الكهربائي، الذي يبدو مشابها تماما للساري المصنوع على النول التقليدي، جعل الكثير من نساجي الأنوال التقليدية عاطلين عن العمل، فلم تصبح المهارة غير مطلوبة فقط، بل إن النساجين أنفسهم تحولوا إلى زائدين عن الحاجة وعاطلين عن العمل، لأن الأنوال الكهربائية تتطلب عددا أقل من العمال ووقتا أقل في صناعة «ساري» مصنوع على نول يعمل بالكهرباء. فالساري الذي كان يستغرق عشرة أيام كاملة على النول اليدوي يمكن أن ينتج خلال يوم أو يوم ونصف اليوم، وبهذه الطريقة يمكن للنول الكهربائي أن يستبدل عشرة نساجين. بالنسبة للمنوال الكهربائي ذاته، بدءا من التصميم إلى النسيج وحتى التطريز، تنجز العناصر الأساسية من المهارة والتدخل البشري إلى حد بعيد. وقام التجار يدفعهم في ذلك المصلحة الشخصية والسعي وراء تحقيق المكاسب، في تجاهل كامل للمهارة الفذة وأرزاق ملايين النساجين، بالترويج للنسيج عبر الأنوال الكهربائية. ويباع ساري باناراسي المصنوع بنول كهربائي مقابل أسعار زهيدة حيث يبلغ سعره ربع ثمن سعر الساري المصنوع على نول يدوي. ونتيجة لمصالح التجار الأثرياء في تشجيع الأنوال الكهربائية وخفض الاعتماد على العمالة غمرت وحدات إنتاج ساري باناراسي الحريري بالأنوال الكهربائية، وتباع الساريات المصنوعة بأنوال كهربائية على أنها ساريات مصنوعة بأنوال يدوية. وتُحجب عن المستهلكين أي معلومات بشأن الاختلاف بين الساري المنتج يدويا والمنتج من منوال يعمل بالكهرباء.

وتقول جايا جايتلي، السياسية وخبيرة الصناعات اليدوية المقيمة في نيودلهي، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، إن جهود حماية عمال نسج الحرير وحرفتهم بحاجة إلى التركيز على عدد من الجبهات «فالطلب على المنتجات ذات الجودة لعمال الأنوال اليدوية قائم بكل تأكيد، لكن علينا البحث عن وسائل لربط هذا الطلب بحماية معيشة نساجي الأنوال اليدوية».

وصرح محمد شريف أنصاري، وهو نساج، أحضر وفدا من النساجين إلى مكتب جايا جايتلي، لكي يعرضوا مشكلتهم للحكومة في نيودلهي، لـ«الشرق الأوسط»، بأن 47 عضوا على الأقل من هذه المجموعة عرفوا بأنهم قد انتحروا على مدار العام الماضي في وحول مدينة باناراس، لكن لم يكلف أي مسؤول نفسه عناء زيارة عائلات هؤلاء الضحايا أو تقديم التعازي لهم.

وصرحت راضية بيغوم، وهي نساجة أخرى، لـ«الشرق الأوسط»، بأن النساء اللائي قدمن إسهامات مهمة لهذه الصناعة يتعرضن لمعاناة أكبر. وقالت بيغوم «ظروف العمل للنساجين تدهورت بشكل بالغ، لدرجة أنهم عندما ينتهون من صناعة ساري، فإنهم لا يعرفون ما إذا كانوا سيتمكنون من الحصول على مبلغ كاف لتلبية الحد الأدنى من احتياجات العائلة وبدء العمل أيضا في قطعة أخرى، أم لا».

وأرقام الواردات الرسمية للسواري القادمة من الصين تبدو منخفضة، لكن خبراء في مجال صناعة النسيج يقولون إن قدرا كبيرا من المادة التي تستخدم في صناعة الساري يتم استيراده كقماش، وليس كساري مكتمل التصميم، ويشق عدد كبير من قطع الساري طريقه إلى الهند من خلال عمليات التهريب عبر نيبال.

وقالت ريتو سيثي، رئيس صندوق إحياء الصناعات الحرفية غير الربحية «ثمة شك حول ما إذا كان الساري التقليدي قد دخل إلى الصين كساري. وربما يتم استيراده في شكل قماش ورزم من الحرير يقصها التجار فيما بعد ويبيعونها على شكل ساري».

وفي نفس الوقت، يطالب قسم الأنوال اليدوية في وزارة النسيج الهندية المشاهير بالعمل كسفراء تجاريين لترويج العلامة التجارية لحرير باناراسي. وحصل ساري باناراسي المزركش والمنسوج يدويا على تصنيف المؤشر الجغرافي «GI» خلال العام الماضي. وقررت وزارة النسيج مؤخرا استيراد 2.000 طن من الحرير عالي الجودة من الصين لتوزيعه على النساجين في مراكز الحرير الشهيرة بمدينتي كانتشيبورام وباناراس.

وقال راجني كانت، مدير جمعية الرفاهة الإنسانية، وهي منظمة أسهمت بفاعلية كبيرة في حصول ساري باناراسي المزركش على تصنيف «GI»، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «اقترحنا على مفوض التنمية (الحرفية) تبني إجراءات مناسبة للحفاظ على شعبية منتجات حرير باناراسي التي تصنعها أنوال يدوية لكي يتمكن نساجو الأنوال اليدوية من الحصول على فوائد لشهادة (GI)».