الباحة: الضباب يحول قائدي السيارات إلى «ملاحين»

يستخدمون شاشات «جي بي إس» ويلجأون إلى الذاكرة عند الضرورة

الضباب الكثيف الذي يلف نواحي منطقة الباحة لم تشهد المنطقة مثله منذ 3 عقود («الشرق الأوسط»)
TT

أجبر الضباب الكثيف الذي يكسو العديد من المناطق السعودية، وبينها الباحة، هذه الأيام قائدي السيارات للتحول إلى «ملاحين» عبر استخدام أجهزة التوجيه الإلكترونية «جي بي إس». وأطلت ظاهرة الضباب في منطقة الباحة برأسها من جديد، بكثافة لم تشهدها المنطقة منذ ثلاثة عقود، انعدمت خلالها الرؤية الأفقية لأقل من عشرة أمتار أحيانا على الطرق مما اضطر قائدي السيارات لاستخدام ذاكرة المكان، وحاسة الملاحة الأرضية في خطوط السير أثناء القيادة بسبب انعدام الرؤية.

الموظف محمد الطلحي، من سكان منطقة الهدى بالطائف، يقول إن هذه الظاهرة موجودة في جبال الهدى والشفا، ولكنها ليست بالصورة الموجودة في الباحة، وإنه أصبح لا يعتمد على الرؤية أثناء الذهاب للعمل بقدر ما يعتمد على حفظه للطريق ومنحنياته، حتى لا يصل متأخرا.

فيما يؤكد عثمان أبو راس، من منطقة بني ظبيان بالباحة، أنه يعاني من التحرك وإيصال زوجته للعمل والأبناء إلى المدارس، كونه يقطع وقتا طويلا يصل إلى الساعتين في إنجاز هذه المهمة في فصل الشتاء، على الرغم من قصر المسافة التي لا تزيد على خمسة كيلومترات، لكنها تشكل هما في التحرك بالسيارة لانعدام الرؤية.

وتمتد معاناة التنقل إلى عدد من المواطنين خاصة في شأن التسوق وقضاء الاحتياجات الغذائية والاستهلاكية، بيد أن عددا قليلا لجأ لأسلوب التخزين والشراء بكميات كبيرة، خوفا من الخروج واختراق الضباب.

ويعيش مجتمع الباحة هذه الأيام قسوة البرد وشدة الهواء، وتساقط الأمطار بشكل يومي ومتابعة الإدارات الحكومية ذات العلاقة بخدمات المواطنين، وعلى رأسها إمارة المنطقة بتوجيهات ومتابعات الأمير مشاري بن سعود، أمير المنطقة، وكذا الأمانة والبلديات والطرق والدفاع المدني والدوريات الأمنية والمرور، الذين يعيشون حالة استنفار وترقب، ومتابعة الهلال الأحمر وجهات أخرى لتلقي البلاغات لانهيارات على الطرق وحالات اصطدام السيارات وضياع أشخاص.

وشهدت الباحة نتيجة لانتشار الضباب الكثيف حادثة ضياع هي الأولى من نوعها حيث تاه أحد المشاركين الأجانب في المؤتمر العالمي الذي أقامته الشؤون الصحية مؤخرا بفندق قصر الباحة.

وتعود التفاصيل إلى خروج ضيف إيطالي، من الفندق دون أن يخبر أحدا، وسار باتجاه الخط الدائري وسط الضباب، حتى وصل إلى أسفل جبل البريدة، وتاه عن الطريق أثناء عودته، وبسبب عدم حضوره الجلسات بحثوا عنه في غرفته فلم يجدوه وبدأوا يبحثون في ردهات الفندق وبانعدام وسيلة الاتصال بينهم وبينه ظنوا أنه تردى من خلف الفندق لعدم الرؤية، لأنه يقع على منحدر باتجاه عقبة الباحة في هوة سحيقة، مما حدا بالدكتور عبد الحميد سفر مدير عام الشؤون الصحية إلى طلب البحث عنه بواسطة الدوريات الأمنية، التي انتشرت في مدينة الباحة للبحث عنه حتى وجدوه منتظرا من يسعفه للعودة.

كما تاه أحد المواطنين أثناء اتجاهه لعقبة الباحة، قادما من الطائف باتجاه المخواة ودار في منطقة لا يزيد قطرها على 500 متر لأكثر من ساعة، يريد الخروج فيجد نفسه في ذات المكان، لا يعلم أين مدخل العقبة على الرغم من قربه منه.

وطالب عدد من السكان أمانة الباحة والبلديات بتكثيف اللوحات الإرشادية على الطرق وأن تكون في مستوى نظر قائد السيارة حتى يعرف اتجاهه، لأن اللوحات المعلقة لا تكاد ترى في مثل هذه الظروف، وتزداد تعقيدا في الليل.

البعض علق بالقول إن ظاهرة الضباب في المنطقة قد تكون أشد مراقبة للسير والسرعة في القيادة في طرق المنطقة وشوارعها العامة في المحافظات من نظام «ساهر» المروري، وخاصة في الباحة والمندق وبالجرشي وأجزاء من القرى، لأنها تحد من السرعة ولا تسجل مخالفات على من يتهور، لأنه سيدفع الثمن غاليا إن لم يلتزم بالسرعة التي تتدنى لأقل من عشرة كيلومترات في الساعة.

مدير مرور المنطقة، العقيد صالح الجعيد، نفى حدوث وفيات جراء الضباب، معيدا ذلك إلى تفهم المواطنين وتعاونهم في مثل هذه الظروف الجوية، ولكنه طالب بالحرص والتأني وصولا للسلامة المرورية والاسترشاد بالدوريات حالة التوهان عن خطوط السير التي يريدها قائد السيارة، وقال إن الدوريات تمشط الطرق على مدار الساعة، وتتلقي البلاغات عن طريق الرقم المجاني للمرور.

سعيد مخايش، مدير عام التربية والتعليم، الذي وجدته «الشرق الأوسط» يذاكر في منزله لأداء اختبار الماجستير في الجامعة، أكد أنه تم هذا العام تأجيل بداية الاختبار ولأول مرة، إلى الساعة الثامنة، في جميع مراحل التعليم العام بنين وبنات، وقال أن التنسيق بينه وبين مدير الدفاع المدني موجود لمتابعة ما قد يحدث من هطول أمطار قد تتسبب في إعاقة وصول الطلاب والطالبات من وإلى منازلهم.

وأعرب مخايش عن تخوفه من تأثر الطلاب بالضباب في الحضور إلى الاختبارات في موعدها، وطالب أولياء أمور الطلاب وسائقي النقل المدرسي بنين وبنات التعاون والتحرك مبكرا في وقت يسمح بالوصول لقاعات الاختبار في الوقت المناسب، مشيرا إلى أن لوائح الاختبارات كفلت لمعالجة تأخر الطالب والطالبة عن الاختبار حق الاختبار في بداية الفصل الدراسي الثاني إذا ما ثبت عدم وصوله لظروف قهرية.

وفي شأن آخر قال المحامي عبد الرحمن حافظ إن الظروف الجوية التي تعيشها الباحة قللت من أعداد المشتكين وأصحاب الدعاوى المنظورة في المحاكم والإدارات ذات العلاقة.

وقال إن فرص متابعة المواطنين لمعاملاتهم قليلة بسبب الضباب، وعدم القدرة على الوصول إلى الباحة مما يقلص أعداد المراجعين والمشتكين، مبينا أن تأجيل القضايا لوقت آخر سيسبب ضغطا في العمل نتيجة للتأجيل. وفي شأن ذي صلة، أغلقت السلطات عقبة قلوة بزهران الموصلة لمحافظة قلوة على بعد 20 كيلومترا من أعلاها باتجاه صدر مساعد، من الطريق السياحي، لوجود انهيارات جبلية وطينية على جوانبها من رأس العقبة، حيث تمركزت الدوريات الأمنية والمرورية لمنع السيارات من النزول منها، ووضعت اللوحات الإرشادية التحذيرية في مدخلها وتوجيه قائدي السيارات للاتجاه من عقبة الباحة الذي سيضاعف من خط السير إلى أكثر من 80 كيلومترا.

كما شهدت أكثر المساجد في القرى الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وكذا المغرب والعشاء طيلة الأيام الماضية، وتقلص مرتاديها بسبب المطر والبرد الشديد وخلت السواق من المتسوقين، مما سيضاعف من خسائر المحلات التجارية وخاصة محلات بيع الملابس الشتوية التي اكتظت بالملابس الثقيلة، ويتخوف أصحابها من تكدسها وانصراف الناس عن شرائها مع أواخر الشتاء في مارس (آذار) القادم.