مصطفى تمساح.. موسيقاه طالعة من الطنجرة ومدقة الثوم

آلاته مبتكرة.. ويعتمد على الإدهاش والإنعاش

مصطفى تمساح يعزف على آلاته الموسيقية المتنوعة
TT

غالبا ما يعتمد العازف اللبناني مصطفى تمساح على مفاجآت «ليست عالبال»، كما فعل في أحد البرامج التلفزيونية بتقديمه آلة القرعة (نصف قرعة مجففة داخل إناء الماء) قبل أن يصفق له الجمهور بحماسة لسماعه صوتا موسيقيا مبتكرا نتيجة احتكاك الماء بالهواء.

مصطفى تمساح معروف في محلة طريق الجديدة بـ«عازف الماء»، حيث لم تسلم طناجر المطبخ بكافة قياساتها وأنواعها من تحويلها إلى آلات موسيقية متآلفة مع باقي الآلات، وكل طنجرة تمتاز بصوت مختلف عن الأخرى.

هوس تمساح الموسيقي لم يتوقف عند الطنجرة بل تعدى إلى الدلو وقناني الزجاج المتعددة القياسات التي قام بدوزنتها بعد ملئها بالماء لإنتاج معزوفات موسيقية جديدة النغمات.

ومع تمساح تتعرف أيضا على آلة موج البحر الكفيلة بإسماعك صوت اصطدام الموج بحصى الشاطئ. صوت آت من حركة عشرات حبيبات الخردق داخل دائرة خشبية مغطاة بجلد الماعز.

الابتكار الهوائي المائي يشمل كذلك مدقة الثوم من خلال تحويلها إلى آلة تصدر طنة قصيرة وجديدة عند احتكاكها بالماء.

ولم ينس العازف البيروتي إدخال صوت العصافير إلى موسيقاه عبر مجموعة كبيرة من الصافرات، وكل صافرة تعطيك زقزقة معينة. الأمر نفسه ينسحب على الأجراس النحاسية ذات الرنات القريبة من أصوات القردة والزواحف (كالعقارب والحيات)، بينما بات لصناديق الخشب والطبلة صوتيهما الخاصين. آلات أفريقية ولاتينية ويابانية معدلة النغمات منها: «الجامبي، ودونغ، وباتا، والكاخون، والتباليس، والداهولا، والكودو»، يصطحبها تمساح معه في حفلاته الموسيقية داخل وخارج لبنان، وكل مجموعة منها لها وقتها، ومناسبتها، تبعا لنوعية الحفلة، التي يحييها، ومنها ما يكون في فنادق فخمة في بيروت. الغاية من هذه الابتكارات والتعديلات، كما يقول، هو الانفراد بأدوات ليست متوافرة عند باقي العازفين، «هذه آلات خاصة بي، وفي تقديري لا أحد بإمكانه اختراع مثلها»، مشيرا بإصبعه إلى عدة العمل التي تساعده في تنفيذ أفكاره الإبداعية.

الرغبة في الابتكار دائما تقود مجنون الموسيقى إلى ما هو جديد، يقول: «أقوم حاليا بتحويل برميل نبيذ إلى آلة موسيقية ستنضم قريبا إلى مجموعتي».

تمساح لا يزال يزور، مع آلاته الموسيقية، الكثير من البلدان الأوروبية والأميركية والخليجية والعربية والآسيوية، قاصدا أحيانا الأسواق الشعبية فيها لشراء النحاسيات القديمة وما شابه، وإدخال التعديلات عليها شكلا ولونا لتدخل بعدها عالمه الموسيقي بينما تشكل سوق الأحد في لبنان مقصده الدائم للغاية نفسها.

الدهشة هي من أبرز الانطباعات لدى جمهور تمساح، «في اليوم الأول من هذا العام وبينما كنت أهم بالعودة إلى لبنان بعد مشاركتي في إحدى الحفلات علمت بوصول مجموعة من السياح الأميركيين إلى المطعم الذي أعزف فيه للاستماع إلى موسيقاي فسارعت إلى تقديم عرض حصدت منه إعجاب الجمهور الذي امتزج بالتأمل والاسترخاء». يقول ابن الثلاثين عاما وهو يتصفح صوره مع المعجبين والمعجبات داخل ألبومه الخاص: «المجموعة السياحية انضم إليها بعد ثلث الساعة مجموعة أخرى من السياح، معظمهم لبنانيون مغتربون ليقترب أحدهم قائلا: نغماتك إما شكلها شكل الملائكة وإما ملائكة اتخذت صوت الموسيقى».

من عمر الخمس سنوات انطلق إلهامه الأول بالطناجر محولا أغطيتها إلى آلات، بينما كان العقاب بانتظاره من الأقارب على الضجة الصادرة عن ولد شقي كان يعمد أيضا إلى كسر شفرات اللواقط الهوائية للعزف بها ليعلم، لاحقا، أن ذلك يلحق الضرر بأملاك الناس.

الوالدة كانت الشخص الوحيد الذي حمسه ووقف إلى جانبه لسنوات طويلة، خصوصا في اللحظات الصعبة التي كان يمر بها في تجاربه، والتي كثيرا ما استطاع بعزيمته التغلب عليها من خلال إيجاده الصوت الأنسب لكل آلة قيد الابتكار والتعديل. «بقيت هاويا حتى عمر الثامنة عشرة، وهو العام الذي شهد احترافي الجدي في استوديوهات أحد أصدقائي»، يقول مصطفى الذي اضطر إلى ترك المدرسة في السابعة عشرة من عمره نظرا لظروف العائلة المادية ودون أن يتأقلم طويلا مع مهنة أخيه في: «تركيب ألمنيوم للمنازل». ومن الاستوديو إلى عالم الموسيقى والوسط الفني الذي خاض فيه تجارب مع الكثير من الفنانين والفنانات ومنهم مايز البياع، وهيفاء وهبي، ومي حريري، ورولا سعد، والراقصة أماني.

واليوم مصطفى تمساح على موعد جديد مع الموسيقى، حيث سيكون عازفا في أحد مطاعم وسط بيروت المرتقب افتتاحه خلال الأشهر القليلة المقبلة.