تعقب التاريخ الإسلامي من خلال مخطوطاته

معرض «كنوز آغا خان: فنون الكتب والخط» في متحف صابونجي في إسطنبول

الصالة الرئيسية للمعرض
TT

في البداية، كانت ألعاب الضوء على الأرضية في المدخل الموصل إلى قاعة العرض الرئيسية لمتحف «صاقب صابونجي» تبدو وكأنها سجادة حديثة وهندسية. ولكن في النهاية، كان النموذج البارز يمثل دليلا لما ينتظرنا في متحف «كنوز أغاخان: فنون الكتب والخط».

واتضح أن الصورة تعد تمثيلا للخط الكوفي الهندسي، وهو أسلوب للكتابة العربية بزوايا معينة، كان يستخدمه الكتبة الذين كانوا يعتبرون النجوم المفضلين للفنون الإسلامية المبكرة، بسبب قوتهم وقدرتهم على نشر كلمة الله.

ويتعقب المعرض، الذي تم تصميمه بواسطة المهندس المعماري التشيكي، بوريس ميكا، انتقال الكتابات الإسلامية من الكتابة الخطية على رقاقات مصنوعة من جلود الحيوانات إلى الورق، ومن الطباعة الكبيرة المستنزفة للوقت إلى كتابة خطية أسرع ونصوص بيانية ملونة. وتظهر نماذج من هذه الكتابات على مواد تشمل الخشب والمعادن والخزف والمنسوجات من شمال أفريقيا إلى إيران والشرق الأقصى.

وسوف يفتن المتحمسون للتصميمات البيانية بجدول زمني يظهر التحولات إلى مخطوطات وأنماط برزت بمرور الوقت، وهي قرائن تساعد الباحثين في كثير من الأحيان على تحديد أصل الآثار القديمة.

ويتم الاحتفاظ بنماذج من الأنماط المتنوعة على تشكيلة من المواد، من بينها الكتب المزخرفة والمغلفة بشكل فاخر، والدعامات الخشبية المنحوتة أو رداء حريري باللونين الأزرق والأصفر، تظهر الحالة الرائعة ربما بفضل التخزين لعدة قرون في بيئة جافة ومنخفضة الرطوبة.

وتشكل المواد، المعروضة حتى يوم 27 فبراير (شباط)، جزءا من تشكيلة «مجموعة أغاخان للفن الإسلامي» من القرن الثامن إلى القرن الثامن عشر، وسوف تعثر هذه المواد على دار أكثر استمرارا عندما يفتح متحف «أغاخان» أبوابه في مدينة تورونتو الكندية عام 2013. ويقول المؤسسون إنها سوف تكون أول مركز عرض وتعليمي كبير في أميركا الشمالية مخصص للفنون والثقافة الإسلامية.

ويأتي قدر كبير من الكتابة المعروضة من النصوص القرآنية. وواجه الكتبة المهمة الشاقة لنسخ القرآن الكريم، بدقة وبطريقة جعلتهم يصبحون أول مصممين للصفحات، حيث كانوا يقررون كيف يمكن تقديم المادة بالترتيب الأكثر تناغما مع المساحة المتاحة.

وفي أحد الأمثلة المدهشة مما يسمى بالمصحف الأزرق، الذي يُعتقد أنه كُتب في شمال أفريقيا خلال، أو قبل، القرن العاشر الميلادي، تظهر حروف مكتوبة بالذهب بشكل عملي من صفحة لغلاف صبغ باللون النيلي.

وتبدو مواد أخرى معروضة في البداية على أنها أقل تدينا بشكل واضح في طبيعتها، مثل مزهرية مزخرفة وأرضيات خزفية أو قلادة صخرية بلورية، ولكن نقوشها تتحدث عن البركة أو تسبح بحمد الله وألوهيته.

وأدت «زبدية متسول» نحاسية عليها رؤوس تنين جلبت من إيران ويعود تاريخ صناعتها إلى القرن السادس عشر دورا دينيا لاستخدامها من قبل درويش، تخلى عن الملذات الدنيوية وعاش بقية حياته على جمع الصدقات من الغرباء الذين يتسمون بالكرم. والزبدية مزخرفة أيضا بكتابات ونقوش زهرية.

وكتب بينوا جونود، من وحدة المتاحف والمعارض في دائرة «أغاخان للثقافة بمدينة جنيف» خلال مقابلة أجريت عبر البريد الإلكتروني: «العاج العثماني بالصندوق الذهبي المطعم بالفيروز والياقوت ليس فقط قيما ونادرا، ولكنه يمتلك أهمية تاريخية كبيرة لأنه صُنع في إسطنبول للسلطان سليمان الأول، بواسطة حرفيين إيرانيين يعملون في تركيا».

وهناك مادة أخرى مثيرة معروضة، عبارة عن جدار مغطى بصورة ورقة مطوية من الكتبخانة (وهي مكتبة أو ورشة عمل لنسخ الكتب) تظهر كيف كان الكتبة والمصورون ومصممو الصفحات واختصاصيو التجليد ينظمون حرفتهم.

وتشمل الثروات الأخرى نماذج لترجمات نصوص علمية قديمة إلى اللغة العربية، مثل صفحات من كتاب «المواد الطبية»، وهو مخطوطة يونانية كتبت خلال القرن الأول بواسطة طبيب يدعى ديسقوريدس عن الخصائص الطبية للنباتات.

وتوضح الصفحة التي تصف نبات «زهرة الخشخاش»، على سبيل المثال، كيفية زراعة هذه الزهور وكيفية الحصول على الأفيون منها.

وعلى الرغم من أن صور الأشخاص كانت نادرة في الفن الإسلامي القديم، فإنها تظهر في كثير من النصوص المعروضة، لا سيما في عدد قليل من صفحات الكتب الصغيرة من إصدار «شاه تهماسب» للقصيدة الملحمية «شاهنامة» أو «كتاب الملوك» التي تحكي التاريخ الإيراني.

وكتب جونوت: «يرى معظم الخبراء أن هذه المخطوطة الرائعة تحتوي على أعظم الأعمال الفنية في التاريخ الفارسي».

وتم تقديم الكتاب للسلطان العثماني، سليم الثاني، في عام 1568، برفقة هدايا أخرى حملت فوق ظهر 34 جملا، حسبما ذكر المتحف الحضري للفن في مدينة نيويورك. وكانت المخطوطة الكاملة موجودة في متحف توبكابي بمدينة إسطنبول حتى بداية القرن العشرين، ولكن صفحاتها فصلت اليوم، وأصبحت موجودة في أيدي كثير من المتاحف وجامعي المواد الأثرية.

وهناك مخطوطة أخرى نادرة هي قصص «مائة ليلة وليلة» وهي النسخة المطابقة الأقل شهرة للحكايات التي كانت تحكيها شهرزاد، والتي تحمل عنوان «ألف ليلة وليلة»، وكتبت بالخط المغربي في إسبانيا وشمال أفريقيا. وتبدو 85 قصة فقط من القصص الكاملة سليمة هنا، ولكن يعتقد أن المجموعة هي أقدم نسخة معروفة من هذه القصص، حسبما يرى كثير من الخبراء.

* خدمة نيويورك تايمز»