خطر الانقراض يلاحق السلاحف البحرية على السواحل المصرية

المعتقدات الشعبية والصيد الجائر أبرز ما يهددها

TT

على الرغم من تواصل جهود وزارة البيئة المصرية من أجل الحفاظ على السلاحف البحرية «الترسة» المنتشرة بشواطئ مصر على طول ساحل البحر المتوسط خوفا من تعرضها للانقراض، فإن الصيد الجائر الذي يمارسه البعض، نتيجة لانتشار بعض المعتقدات الشعبية التي تشيد بالفوائد الصحية الخاصة بتناول لحوم السلاحف البحرية وشرب دمائها، أدى إلى تناقص أعدادها بصورة كبيرة.

ويعتقد بعض السكان المحليين في أن أكل لحوم وشرب دماء «الترسة» يحقق الآمال والأحلام، فهناك من السيدات من تعتقد أن أكل لحمها يشفيها من العقم، كما أن بعض الرجال يرون أنها تزيد من خصوبتهم وقدرتهم الجنسية.

ففي بداية شهر يناير (كانون الثاني) الحالي ضبطت أجهزة وزارة البيئة بمدينة المنصورة (بدلتا مصر) سلحفاتين بحريتين معروضتين بداخل أحد المحلات الكبرى لبيع الأسماك، استعدادا لذبحهما للمواطنين.. وقررت النيابة إطلاق الترستين في البيئة البحرية في البحر المتوسط، والقبض على صاحب المحل.

وفي العريش، تمكنت أجهزة الحماية البيئية من إنقاذ ترسة بحرية عمرها نحو 100 عام كانت معدة للذبح، بعد أن عثر عليها أحد المواطنين بالقرب من البحر واصطحبها إلى سوق السمك المركزي بالعريش لعرضها للبيع. لكن الصدفة أنقذتها، حيث شاهدها أحد عمال محمية الزرانيق وأبلغ الجهات المختصة لتتم مصادرتها وإعادتها إلى بيئتها البحرية على شاطئ العريش في الحال.

ويقول الدكتور مجدي العلواني أستاذ علوم البحار ومدير مركز الدراسات البيئية وعلوم البحار بجامعة قناة السويس «تناقصت أعداد السلاحف البحرية بشكل ملحوظ نتيجة لعمليات الصيد الجائر لها، وتجميع بيضها لبيعه في الأسواق. بالإضافة للعديد من المشكلات التي تواجهها، خاصة التلوث ونحر أو تآكل الشواطئ والسقوط في شباك الصيادين».

ويقول العلواني إن «هناك أبحاثا علمية قد أجريت عن تجارة السلاحف البحرية في سوق أسماك مدينة الإسكندرية، والتي أكدت أن هناك عادة قديمة ومستمرة حتى الآن، في سوق الأنفوشي السكندري، هي ذبح السلاحف.. حيث تجد بعض الزبائن المنتظرين بشغف لعملية الذبح من أجل الحصول على دمائها وشربه طازجا». مشيرا إلى أن معظم هؤلاء الناس من النساء اللاتي يعتقدن أن الدم يجعلهن أكثر قدرة على إنجاب الأطفال، والبعض الآخر يعتقد أن دم السلاحف يزيد الوزن ليصبحن أكثر جاذبية لأزواجهن.

ويقول العلواني إن السلاحف البحرية على الساحل المصري تأثرت كثيرا بالاستهلاك البشري للحمها وبيضها ودمها، مضيفا أن مئات من السلاحف تذبح سنويا في هذا السوق، وأنها عادة ما تذبح في صباح يومي الجمعة والأحد وعندما يوجد الزبائن.. وبخاصة في فصل الصيف، حيث يزداد وجود السلاحف في المياه المصرية الإقليمية.

من جانبه يقول الدكتور محمد ندا، أستاذ علوم البحار في بحث له، إن سعر كوب الدم الطازج يباع بنحو جنيه مصري (أقل من 20 سنتا).. وأشار البحث إلى أن معظم زبائن لحم السلاحف من الصيادين وغير المتعلمين وقليلي الثقافة البيئية، الذين لا يعلمون شيئا عن الحالة الحرجة لتجمعات السلاحف البحرية في المتوسط وعلاقتها بقناديل البحر.

وتحذر الدراسات الأكاديمية بجامعة قناة السويس من خطورة اصطياد السلاحف وذبحها وهدم أعشاشها، حيث بدأت أعدادها في التناقص منذ بداية التسعينات.

وتشير الدراسات إلى أن السلاحف تضع بيضها في أعشاش تقيمها في شواطئ الرمال الناعمة وتعود مرة أخرى إلى البحر، بينما تستمر فترة حضانة البيض نحو 60 يوما، وتواجه خلالها مشاكل التعرض للطيور الجارحة وأسماك القرش.

ويصل متوسط عمر السلحفاة إلى 40 سنة، وتبيض في عمر 7 أو 8 سنوات. ويلتقي الذكر بالأنثى مصادفة، مما يجعل من عملية الإخصاب عملية محدودة على مدار العام.

ومعظم السلاحف البحرية لها فائدة أو قيمة اقتصادية عالية، حيث تتباين هذه القيمة من منطقة لأخرى ومن بلد لآخر.. ففي بعض المناطق تستخدم كمصدر بروتيني مهم، وتستخدم بقاياها في بعض الصناعات أو كأحد عناصر الديكور، وبخاصة في المطاعم.

وتستهدف السلحفاة الخضراء لأكل لحمها (وكذلك لإعداد بعض أنواع الحساء في المطاعم الفاخرة)، والسلحفاة الصقرية لدرقتها الظهرية، والسلحفاة الزيتونية لأخذ جلدها الممتاز، والسلحفاة جلدية الظهر لكثرة الزيت المستخرج منها، بينما تبقى السلحفاة كبيرة الرأس ذات قيمة اقتصادية قليلة.

والزيت المستخرج من السلاحف يدخل في العديد من الصناعات الطبية الحديثة، ومنها بعض مستحضرات التجميل وبعض الأدوية الخاصة بعلاج بعض أمراض الرئة.

وقال المهندس سعد عثمان مدير محمية الزرانيق، إحدى المحميات الطبيعية بسيناء، إن للترسة فوائد عديدة، منها القضاء على قناديل البحر التي تنتشر بكثرة في ساحل البحر بمدينة العريش، خاصة في شهور الصيف، مما يتسبب في عزوف كثير من المواطنين والمصيفين عن الاستمتاع بالسباحة في مياه البحر.

وتحاول السلطات المصرية الحفاظ على هذه السلاحف، وفي هذا الإطار خصصت محافظة شمال سيناء قطعة أرض مساحتها ثمانية آلاف متر مربع على ساحل البحر المتوسط لإقامة مشروع لتربية وإكثار السلاحف البحرية لحمايتها من الانقراض، بتكلفة تبلغ 50 مليون دولار وبتمويل من مجلس الوحدة الاقتصادية العربية التابع لجامعة الدول العربية.

ويهدف المشروع، الذي يعتبر الأول من نوعه في مصر، إلى الحفاظ على السلاحف البحرية في البحر المتوسط والمهددة بالانقراض، إضافة إلى القضاء على قناديل البحر التي تعتبر معوقا رئيسيا لسياحة الاصطياف على شواطئ المحافظة.

ويذكر أنه توجد خمسة أنواع من السلاحف البحرية هي السلاحف الخضراء، وصقرية المنقار، وكبيرة الرأس، والزيتونية، والجلدية.. وتعتبر السلحفاة الخضراء أكثر السلاحف البحرية انتشار حول شبه جزيرة سيناء، لكن بدو سيناء أسهموا بشكل كبير في تجميع بيضها اعتقادا منهم أنه يزيد الخصوبة عند الرجال. وفي خليج السويس، تم العثور على موضع واحد به بيض للسلحفاة الخضراء في منطقة أبو رديس.

وتضع السلاحف البحرية بيضها على الشاطئ حيث تضع الأنثى البيض وتعود، بينما يبقى الذكر في الماء طيلة حياته، وهو أصغر حجما من الأنثى ويمكن تمييزه بذيله الطويل بالقياس إلى ذيل الأنثى.

والسلاحف تتنفس الهواء الجوي، ويمكن أن تبقى في الماء دون تنفس لفترة طويلة قد تصل إلى الساعة، وهي مخلوقات بلا أسنان، حيث إن معظمها يتغذى على النباتات أو الأعشاب البحرية.