إيلي صعب.. تشكيلة تستحق الـ«أوسكار».. وغوتييه يدخل ثقافة الشارع إلى عالم النخبوية

في اليوم الأخير من أسبوع الأزياء الراقية لربيع وصيف 2011 الباريسي

TT

«رومانسية وعصرية» هو الانطباع الذي خلفته تشكيلة إيلي صعب لربيع وصيف 2011. تشكيلة شدت الأنفاس بألوانها وخطوطها المنسابة وتطريزاتها الفنية الراقية، والأهم من هذا، بأنوثتها الطاغية. وإذا كان هناك أدنى اتهام بأن المصمم يغازل بها عاشقاته من نجمات هوليوود، خصوصا مع اقتراب مهرجان توزيع جوائز الأوسكار في الشهر المقبل، فإننا نؤازره بالقول إنه من الظلم أن لا تحصل أي قطعة من الـ41 قطعة التي عرضها يوم أمس، على فرصة ثانية للظهور في هذه المناسبة أو أي مناسبة أخرى. أجمل ما فيها أن صعب حقنها بجرعات محسوبة ومتوازنة جدا من التطريزات والترصيعات حتى لا يقع في مطب الاستسهال. فهو يدرك تماما أن الإغراق في استعمال أحجار شواروفكسي والترتر والعقيق وغيرها قد تعطي الأزياء لمعانا، لكن لا تضفي على المرأة إطلالة راقية بالضرورة. هذا من جهة، أما من جهة ثانية فإن الاعتماد الكبير على هذا البريق، عملية سهلة يمكن لأي مصمم أن يقوم بها، بينما لم يعد يحتاجها هو لكي يجعل امرأته نجمة لامعة من دون بريق هذه الأحجار. صحيح أن التشكيلة لم تتضمن جديدا بكل معنى الكلمة، لكن رجوعه إلى قديمه الخاص لتجديده وإضفاء لمسات عصرية عليه ليس تهمة بل هو حق مشروع. فبحكم باعه الطويل في هذا المجال لا بد أن يكون له الآن أرشيف غني يمكنه العودة إليه متى أراد، بالإضافة إلى أنه بالإمكان الآن تمييز أسلوبه من بين العشرات، والزبونات سعيدات، فلم التغيير إذن؟

إضافة إلى كل هذا، فإن وصفته الرومانسية هاته هي التي جعلته من بين المصممين القلائل الذين حققوا أرباحا في العام الماضي، بفضل ذكائه وإدراكه أن مهنته إبداع وتسويق في الوقت ذاته، وبأن المصمم الذي لا يطور نفسه ولا يفكر بعيدا لا يتقدم كثيرا. من هذا المنطلق فإن حرفيته تزيد، ويزيد معها طموحه لاكتساح أسواق جديدة، مثل أسواق آسيا، التي كان واضحا أنه لا يمانع في إغوائها برومانسيته وأيضا بالاستعانة بعارضتين من هذه القارة يوم أمس. كالعادة، كانت الفساتين هي البطل، باختلاف أطوالها وتصاميمها، التي تباينت بين فساتين تصل الركبة خاصة بالكوكتيل والمناسبات الخاصة، وأخرى طويلة خاصة بالسهرات والأعراس، بينما كان القاسم المشترك بين معظمها هو الخصر الذي جاء محددا بحزام من القماش يعقد على شكل وردة من الخلف، ثم تتسع عند الخصر، وهي تنسدل إلى الأرض أحيانا بذيل طويل تجره العارضة وراءها وهي تمشي بخيلاء، وأحيانا أخرى بشكل دائري يزيدها رومانسية. قدم صعب أيضا فساتين عانقت الجسم لتبرز رشاقته في أنوثة طاغية وراقية في الوقت ذاته، تجافي إثارة الغرائز، حتى تلك التي مزج فيها أقمشة شفافة مثل التول والدانتيل بأقمشة أخرى أكثر سمكا لخلق خدع بصرية تلعب على مفهومي الظل والضوء. ورغم أن معظم القطع كانت بلون واحد، كانت هناك مجموعة معدودة اختلط فيها الأبيض السكري عند الصدر بالأسود في طول الفستان، ومجموعة أخرى منقوشة بالورود وكأنها لوحات من الفن الانطباعي. هذه المجموعة أثارت الكثير من الاهتمام، خصوصا أن صعب يحاول منذ بضعة مواسم استجماع كامل شجاعته لدخول مضمار الألوان المتضاربة والنقوشات الفنية، لكن إلى الآن لم يسهب فيها كثيرا. قد يكون السبب معرفته سوقه أو فقط لأنه يفتقر إلى الثقة في هذا المجال. لكن إذا كان المستوى سيكون دائما بهذا الشكل، فإن امرأته لا بد أنها ستشجعه بإقبالها عليها. وأنهي العرض بفستان زفاف أقل ما يمكن وصفه به أنه تحفة ستجعل أي عروس تظهر فيه، حديث المجتمع لفترات طويلة.

في المقابل، قدم شقي الموضة الفرنسية، جون بول غوتييه، عرضا مختلفا تماما، كانت البطولة فيه لأسلوب البانكس، الذي ولد في بريطانيا في السبعينات على يد المخضرمة فيفيان ويستوود. غوتييه أمس أعطاه بعدا راقيا وهو يلقي تحية حارة للندن. تحية تجلت أيضا في تقسيمه قاعة العرض إلى أجزاء أطلق على كل جزء منها اسم منطقة لندنية، مثل «تشيلسي»، «بيتشام بلايس».. وهكذا. ولأن غوتييه يفاجئ حضوره دائما بالجديد، فإن الأعصاب كانت مشدودة بشوق لما سيكشفه من أفكار وتوجهات لربيع وصيف 2011، إلا أن الجديد هذه المرة لم يتجسد في التصاميم، بل في الإخراج المسرحي، حيث استغنى عن الموسيقى تماما طوال عرض تضمن 46 قطعة، واكتفى بإرسال كل عارضة وهي تحمل رقما خاصا بها، على خلفية صوت يشرح ما تلبسه. كان غوتييه كمن يريد أن يذكرنا بما كان يجري في الصالونات قديما، قبل أن تصبح الـ«هوت كوتير» عالما مفتوحا للفرجة لكل الناس. فقط بعد أن انتهى العرض، ضج المكان بموسيقى «الكان كان» مستحضرة فيلم «لو مولان روج» لتظهر راقصة في فستان أبيض بكشاكش من تصميمه فتكسر صمت السكون.

على مستوى الأزياء، لعب غوتييه مرة أخرى على مفهوم الذكورة والأنوثة، الذي يسكنه دائما، من خلال تايورات مكونة من بنطلونات وجاكيتات مفصلة، إلى جانب تيمة البحارة من خلال فستان طويل محدد على الجسم ومخطط بالأبيض والأزرق النيلي. وطبعا الكورسيه، الذي نزل هذه المرة إلى الخصر ليمنح ذوات الأجسام الصبيانية أنوثة مدورة. لغة البانكس لم تقتصر على الأجواء فحسب، بل أيضا في تسريحات الشعر وألوانه والإكسسوارات المثيرة، مثل الخواتم والأساور التي غطت الأصابع والأيدي. ومما لا شك فيه أن حرفية غوتييه، بل وعبقريته، أعطت هذا الأسلوب بعدا راقيا، لكن يبقى السؤال هو ما إذا كان يحاول، مثل نظيره كارل لاغرفيلد، مصمم دار «شانيل» الذي أدخل الجينز إلى موسم اقتصر طويلا ودائما على الأقمشة المترفة، إنزال أزياء الـ«هوت كوتير» من برجها العالي لتتماشى مع روح العصر بإدخاله ثقافة الشارع إلى أرقى المنصات وأكثرها نخبوية.

* عروض جانبية

* دار «وورث» من جهتها قدمت عرضا خاصا على شكل معرض، أسهب فيه مصممها جيوفاني بيدان باستعمال قماش التول في تنورات منفوشة مستوحاة من راقصات الباليه ورسومات تجسد عالم النباتات والحيوانات. أطلق المصمم على التشكيلة عنوان «النهار والليل» (نايت آند داي) ليبرر تلاعبه فيها على الضوء والظلال. فالنهار، مثلا، تمثل في ألوان هادئة وخفيفة طرز عليها إما النحل أو وجوه تقبل بعضها، والليل في الأسود الذي طرز عليه خفافيش. وحسب ما قاله فإنه استوحاها من فستان معتق يعود إلى القرن التاسع عشر وقعت عليه يداه في أرشيف السيد وورث، مؤسس ما يعرف الآن بـ«الهوت كوتير».

تجدر الإشارة إلى أن تشارلز وورث، وهو بريطاني الأصل، كان أول من أسس دار أزياء باريسية في عام 1858. وجاءته الفكرة عندما كان يعمل في بلاط الملكة ماري أنطوانيت كخياطها الخاص، إذ انتبه أن سوق الأزياء المفصلة منتعشة، ويمكن أن يتوسع، بحكم أن المرأة لا تحب المنافسة حتى عندما يتعلق الأمر بالأزياء. فبحكم تعامله مع حاشية البلاط لاحظ أن كل واحدة تريد التميز عن الأخرى، وتخاف أن تظهر في فستان يمكن أن تظهر به أخرى في نفس المناسبة. وطبعا تكون الطامة الكبرى عندما تبدو الأخرى أجمل منها فيه. ومن هنا تولدت فكرة فساتين فريدة لا مثيل لها من كل النواحي. طبق فكرته، وأسس ما يعرف الآن بالأزياء الراقية. من أهم أسسها أن تكون فريدة، منجزة بحرفية عالية بغض النظر عما تكلفه من جهد ووقت ومال. كان وورث أيضا من أسس غرفة الموضة الخاصة بـ«الهوت كوتير» «شومبر سانديكال» الباريسية التي يجب أن يمر منها كل مصمم يريد أن يدخل هذا المجال، حتى تجيزه وتعترف به. ومن أهم شروط الإجازة أن يكون له معمل في باريس يوظف ما لا يقل عن 20 شخصا محترفا، وأن يقدم نحو 75 قطعة في العام. كما على كل عضو أن يجدد عضويته بشكل سنوي لضمان تقيده بهذه الشروط، وعدم تهاونه فيها مع الوقت.

أيضا على شكل معرض، قدمت دار «مارتن مارجيلا» تشكيلة بخطوط إثنية تجسد روح الدار الفلسفية. فقد لعب فريق العمل على موضوع الطبيعة المتفتحة في الربيع والصيف بشكل خيالي، شمل الجلود المقطعة على شكل بتلات ورد تم تجميعها باللؤلؤ، مثل جاكيت قصير (بوليرو) وفساتين شفافة من قطن البوبلين، على شكل ورود. لأنها دار «مارجيلا»، فإن معظم القطع شبه خيالية وقابلة لإضفاء التغييرات عليها من قبل الزبونة.