برنامج كومبيوتري لتحسين إدارة أنظمة توزيع مياه الري

بهدف ترشيد استخدام المياه وتنظيمه

يواجه العالم العربي حاليا ومستقبلا طلبا متزايداً وحاداً على موارد المياه
TT

الثروة والموارد المائية وسبل المحافظة عليها وترشيد وتنظيم وإدارة استخداماتها، من القضايا العالمية بالغة الأهمية حاليا، وبخاصة مع التحديات الكثيرة المتزايدة التي تشكل ضغطا كبيرا على موارد المياه، مثل الزيادة السكانية وارتفاع معدلات التنمية وإنتاج مزيد من الأغذية، الأمر الذي أدى إلى قيام الكثير من المجتمعات، وبخاصة المتقدمة منها إلى ابتكار الكثير من الأساليب والتقنيات الحديثة والخطط المستقبلية، بهدف الحفاظ على ثرواتها المائية والترشيد في استهلاكها، ومن بينها إدخال الطرق والتقنيات الحديثة في الري، والتأكيد على أهميتها في الزراعة، والتي من خلالها يتم توزيع المياه على المزروعات بصورة منظمة ومدروسة.

ومن بين المشاريع التكنولوجية الحديثة لإدارة توزيع مياه الري، التي تعد الأولى من نوعها، ما قامت بتطويره مؤخرا وكالة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا). فوفقا للموقع الإلكتروني لمجلة «تكنولوجي ريفيو» الأميركية (www.technologyreview.com)، التي تصدر عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وفي عدد شهر يناير (كانون الثاني) الحالي، تمكن باحثون في وكالة «ناسا» من تطوير برنامج كومبيوتري (سوفت وير) لمساعدة المزارعين على تحسين وإدارة وتنظيم أنظمة الري، ويستخدم البرنامج معلومات مرسلة من الأقمار الصناعية التابعة لوكالة «ناسا» ومن ملاحظات أرصاد الجو المحلية، وكذلك من شبكات استشعارية لا سلكية تم غرسها في الحقول الزراعية لحساب توازن المياه في الحقل وإمداد المزارعين بمعلومات عن احتياجات المحصول من المياه، وأيضا استطلاعات وبيانات يمكن الحصول عليها من خلال أجهزة الكومبيوتر وأجهزة محمولة في اليد.

وبرنامج «السوفت وير» الذي تم تطويره، هو نسخة متقدمة من نظام المراقبة الأرضية والتنبؤ (توبس) TOPS وهو اختصار للأحرف الأولى للعبارة الإنجليزية (Terrestrial Observation and Prediction System)، والذي تستخدمه «ناسا» لسنوات طويلة لنمذجة الفيضانات والجفاف والتصحر. ونظام «توبس» عبارة عن برنامج «سوفت وير» للنمذجة، يجمع بين التقنيات في مجال تكنولوجيا المعلومات والتنبؤ بالطقس والمناخ ونظام النمذجة البيئي والأقمار الصناعية للاستشعار عن بعد، وذلك لتعزيز قرارات الإدارة المتعلقة بالفيضانات والجفاف وحرائق الغابات والصحة البشرية والمحاصيل وإنتاج الغابات، ولقد تم تصميم هذا النظام لإمداد الأنظمة البيئية بتنبؤات حالية ومستقبلية.

ويعالج البرنامج الذي طورته «ناسا» البيانات المرسلة من الأقمار الصناعية التابعة لوكالة «ناسا» والمسح الجيولوجي الأميركي، وربطها بقياسات الشبكات الاستشعارية اللاسلكية للظروف المحيطة، مثل درجات الحرارة ومستوى سقوط الأمطار ونسبة رطوبة التربة، وبإمكان النظام أيضا استيعاب توقعات وملاحظات الطقس المحلية.

يقول فورست ميلتون، أحد الباحثين في المشروع، من مركز أبحاث «أميس» التابع لوكالة «ناسا» ومقره في كاليفورنيا بأن «هذا النظام يعد الأول من نوعه، حيث يمكنه دمج بيانات الأقمار الصناعية مع المراقبة الأرضية السطحية، لتقدير احتياجات الري على مستوى الحقل الزراعي الواحد». ويضيف أن «الباحثين يخططون لجعل مجموعات المعلومات الجديدة متاحة لكل من المزارعين ومديري المزارع واستشاريي الري في قطاع الزراعة مع مطلع العام الحالي».

وتؤكد «ناسا» أن هذا المشروع سيراقب تطور المحاصيل على فترة زمنية معينة لإعطاء صورة كاملة ومؤرخة لكيفية نمو المحاصيل، فمثلا سوف يتم التعرف على نوعية المحاصيل التي تنمو بعدما تصل إلى معدل النمو الأمثل، وكذلك التعرف على كثافة المحاصيل الظلية تحت ظروف مختلفة، بالإضافة إلى أن هذا المشروع سيلخص توازن التربة والمياه، وتقدير معدل استهلاك المحصول من المياه، كما يقدم توقعات الحاجة للري. وسوف يتم تخزين المعلومات في قاعدة بيانات مركزية ليتمكن المزارعون من إجراء مقارنات بين مواسم الزراعة الحالية والسابقة، وبالتالي يمكنهم تحسين أنظمتهم للري.

وعن التحدي الذي يواجه الباحثين في هذا المشروع، يقول مهمت كان فوران، أستاذ مساعد علوم الكومبيوتر والهندسة في جامعة نبراسكا - لينكولن الأميركية «إنه يكمن في كيفية وضع المعلومات بصورة سهلة الفهم وتوصيلها بفاعلية للمزارعين». ويضيف أيضا أن «معلومات الاستشعار بمفردها يمكنها تحسين فاعلية الري بمقدار 20 إلى 25 في المائة، وهذا يعني أنه بمقدار قليل من المياه يمكن الحصول على نفس العائد». ويعتقد فوران، أن المعلومات الإضافية ستوفر بالتأكيد كميات وفيرة من المياه.

جدير بالذكر أن عالمنا العربي يواجه حاليا ومستقبلا طلبا متزايدا وحادا على موارد المياه، فوفقا للتقرير السنوي عن «المنتدى العربي للبيئة والتنمية» وموقعه الإلكتروني (www.afedonline.org)، بعنوان «البيئة العربية، المياه: إدارة مستدامة لمورد ناقص»، والصادر في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، يحذر التقرير من أن العرب سيواجهون بحلول سنة 2015، وضعية «ندرة المياه الحادة» من 10 مرات عن المعدل العالمي الذي يتجاوز 6000 متر مكعب للفرد، وتشكل ندرة المياه عائقا أمام التنمية الاقتصادية وإنتاج الغذاء والصحة البشرية ورفاه الإنسان، ويشير التقرير إلى بعض الأرقام التي تؤكد لماذا يعتبر كل ما هو دون 500 متر مكعب (500.000 لتر) للفرد ندرة مائية حادة؟، حيث يذكر لفهم ذلك بأن فنجانا واحدا من القهوة يحتاج إلى 150 لترا من المياه لإنتاج ملعقة البن التي حضر منها، بينما يحتاج إنتاج كيلوغرام واحد من القمح إلى 1.300 لتر من المياه، وكلما كبر الفرق بين موارد المياه المتجددة في منطقة ما واحتياجاتها المائية، ارتفعت مخاطر الأمن المائي والغذائي.

ويشير التقرير إلى أن الزراعة تتصدر استعمالات المياه في المنطقة العربية، حيث يستخدم نحو 85 في المائة من الموارد المائية العذبة، مقابل معدل عالمي لا يتعدى 70 في المائة، كما أن كفاءة الري منخفضة جدا في معظم البلدان، حيث لا تتجاوز 30 في المائة مقابل معدل عالمي يصل إلى 45 في المائة.

وتكمن رسالة التقرير الرئيسية في ثلاثة اتجاهات: أولا: العالم العربي دخل فعلا في أزمة مائية من المحتوم أن تزداد سوءا مع استمرار التقاعس في معالجتها، ثانيا: يمكن معالجة الأزمة المائية، على ضخامتها وتعدد وجوهها، من خلال إصلاحات في السياسات والمؤسسات، وعبر التربية والأبحاث وحملات التوعية، وثالثا: وضع حد للأزمة والمعاناة المائية في العالم العربي ممكن فقط إذا ما تم اتخاذ قرارات استراتيجية باعتماد التوصيات الإصلاحية المطلوبة سريعا.

وأخيرا.. إدارة موارد المياه الزراعية في عالمنا العربي من مجالات وقضايا المياه الأساسية حاليا ومستقبلا، وما لم يتم اتخاذ إجراءات وسياسات استراتيجية حاسمة لتحسين وتطوير إدارة المياه عموما وأنظمة وتقنيات إدارة مياه الري خصوصا، لمواجهة الضغوط المتنامية على قطاع المياه، سوف يزداد وضع الموارد المائية في عالمنا تدهورا وسوءا.