«الطيور المهاجرة» في معرض التشكيلية فدوى الرهونجي

يتناول الخادمات الآسيويات اللواتي وصل عددهن إلى 26 ألفا في سورية

صور من معرض الرهونجي لخادمات آسيويات وإثيوبيات رسمتهن الفنانة وتعرضهن بغاليري «فري هاند» الدمشقي («الشرق الأوسط»)
TT

قبل سبع سنوات لم يكن الشارع السوري يشاهد الخادمات الآسيويات إلا في المسلسلات التلفزيونية الخليجية واللبنانية. ولكن الحال تغير قبل سنوات قليلة مع سماح الجهات المعنية باستقدامهن، حيث صدر قرار عن رئاسة مجلس الوزراء عام 2006 ينظم عملية استقدام المربيات والعاملات في المنازل من غير السوريات. للسورية فدوى الرهونجي رأي وشأن آخر حول هذه الظاهرة وهي بعمر الثالثة والسبعين ومدرّسة تصميم الأزياء والرسم منذ عشرات السنين، حرّكت الظاهرة أحاسيسها الإنسانية والجمالية فقررت رسمهن بأعمال فنية (بورتريه) وبحالات مختلفة تظهر فيها شعور الأنثى نحو الأنثى. وقررت فدوى أن يكون معرضها الأول مخصصا لهذه الظاهرة وأطلقت عليه عنوان «الطيور المهاجرة». يستضيف معرضها الفني حاليا غاليري فري هاند في دمشق. حول المعرض والأعمال المعروضة قالت الرهونجي لـ«الشرق الأوسط»: المعرض نتاج سنتين من العمل وأنا لا أسمي هؤلاء خادمات بل مساعدات ومهاجرات، فأنا ضد الاضطهاد مهما كان نوعه. الناظر لهذه الوجوه المتعبة الهزيلة والمتعمق بها بعيدا عن استئجار الإنسان لأخيه الإنسان والتحكم بحياته يدرك مدى الحزن والألم والغربة والخوف وأحيانا يرى الحقد والكره فلننظر إلى هذه الوجوه وتلك العيون محاولين رؤيتها كما هي لا كما نود أن تكون. والمؤسف هنا أن بعض سيدات المنازل عندما يستقدمنهن يتعاملن معهن بطريقة خالية من الشعور ومن الإنسانية ولذلك قررت رسمهن لإبراز أحاسيسهن فهن أناس لديهن آمالهن وأحاسيسهن وطموحاتهن ولذلك أحببت أن أعبر عما يجول في داخلهن من خلال الرسم».

«انظر لهذه اللوحة»، تشير فدوى إلى عمل من المعرض يظهر خادمة بشكل رومانسي، هذه اللوحة تقدم لنا فكرة أنه عندما غابت السيدة ظهرت الأنثى فلبست فستانها الزاهي الذي يبرز أنوثتها. وحول التقنيات التي استخدمتها في الأعمال المعروضة قالت الرهونجي: استخدمت الزياتي والقماش ومضمون الأعمال جميعها لوجوه معروفة تعيش في منطقتي ويعملن لدى سيدات مجاورات لي، وكنت أطلبهن من جيراني وأرسمهن بشكل مباشر باعتماد الأسلوب الكلاسيكي. وأنا من خلال معرضي هذا أتمنى من المجتمع السوري والسيدات اللواتي يعملن هؤلاء لديهن أن يتعاملن معهن بلطف وإنسانية. أنا تعمل لدى إحداهن والتي رسمتها أيضا، فأنا مضطرة لذلك لأنني أعيش لوحدي ولكبر سني لا بد من وجود من يساعدني في المنزل وفي حياتي، وقد طلبت مني مساعدتها في حالة شخصية حصلت معها بعد أن تركت العمل لدي وغادرت لبلد آخر حيث ظلّ التواصل بيننا فقدمت لها النصيحة، ولذلك أرجو من كل النساء أن يعاملن هؤلاء الخادمات بحنان وكأنهن بناتهن.

وتضحك الرهونجي وهي تجيب عن سؤال أنه لو كانت الخادمات رجالا فهل تتعاطف معهم قائلة «بالتأكيد سأتعاطف معهم وليس لأنني امرأة تعاطفت مع الخادمات. انظر هذا عمل لطفلة من دارفور اضطر والدها للهجرة إلى سورية ليعمل فرسمت طفلته بحالة إنسانية من باب التعاطف معها ومع والدها الذي كان لديه تجارة جيدة في دارفور، ولكن بسبب الحرب جاء إلى منطقة بلودان السورية ليعمل ويصرف على أسرته. الفنان التشكيلي السوري المخضرم ممدوح قشلان، الذي كان حاضرا في افتتاح معرض الرهونجي قال: برأيي أن تخصص سيدة معرضها الأول وهي بعمر السبعين ولم يكن لها سوى فترة قليلة تتدرب على الرسم لموضوع إنساني مهم لم يتطرق له أي فنان من قبل وخاصة بهذه الروح الإنسانية والمعالجة الروحية مع استخدام أسلوب فني واقعي بسيط سهل التقبل والفهم وغير معقد.. إنني أعتبر ذلك حالة متميزة وانطلاقة قوية وخطوة جريئة. والرهونجي من مواليد دمشق سنة 1938 وتحمل شهادة بكالوريوس فنون نسوية وتصميم أزياء من المعهد العالي للفنون النسوية في القاهرة عام 1962 وعملت مدرسة في دور المعلمات السورية حتى عام 1990 كما تخرجت من معهد أدهم اسماعيل للفنون التشكيلية بدمشق وأشرفت على معارض طالباتها في جميع المراحل للفنون النسوية.

وتشير احصائيات وزارة العمل السورية إلى وجود أكثر من 26 ألف خادمة في سورية منذ بداية عام 2008 وحتى منتصف عام 2010، فبات السوري يشاهدهن في كل الأمكنة مع الأسر التي يشتغلون لديها أو بدونهم وصار يسمعهن في المطاعم والمقاهي والفنادق والمسابح والحدائق العامة وهم ينادون (ماما) لكل سيدة يخدمونها، فتحولوا إلى أمر واقع وظاهرة مجتمعية في نسيج المجتمع السوري كما هو الحال في معظم الدول العربية شاء من شاء وأبى من أبى، وبات السوريون يقرأون من خلال الصحف المحلية المشاكل التي قد يتعرض لها هؤلاء أو يتسببن فيها لمن يعملن لديهن، كما بات يقرأ بين الحين والآخر إعلانا عن خادمة آسيوية أو افريقية هربت من منزل مخدوميها (وصل عدد هذه المكاتب حسب الإحصائيات الرسمية السورية إلى 42 مكتبا في عدد من المحافظات السورية).