«ملتقى المثقفين العرب» ينفضّ على وقع المظاهرات المصرية

«مهرجان القرين» يختتم مع احتفالات 50 سنة على استقلال الكويت

الجلسة الافتتاحية لملتقى المثقفين العرب في الكويت
TT

«ملتقى المثقفين العرب» الذي دعا إليه «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب» في الكويت جمع يومي 25 و26 من الشهر الحالي نخبة من المفكرين والأكاديميين والصحافيين والناشرين الذين جاءوا من مختلف الدول العربية لمناقشة أسئلة تدور بشكل أساسي حول محور أساسي واحد هو: «لماذا تعطل مشروع النهضة العربي؟». وشاءت الصدفة أن تبدأ الانتفاضة الشعبية الاحتجاجية في القاهرة بينما كان المثقفون يحاولون الإجابة عن أسئلة ما زالت تحيرهم منذ عقود، وكأن ما يؤرق المجتمعين في الكويت يجد صداه في القاهرة فعلا ملموسا على الأرض. الانتفاضة التونسية كانت حاضرة خلال النقاشات على اعتبار أنها برهنت عجز المثقفين وغيابهم الكامل عن فعل التغيير الذي بات يقوم به عامة الناس في الشارع. لكن الباحثة التونسية ناجية الوريمي رفضت هذه المقولة، واعتبرت أن جزءا من الذين صنعوا الحركة الاحتجاجية في تونس هم طلاب الجامعات وأساتذتهم من ورائهم، وبالتالي فالمثقف ليس بعيدا عما يحدث في العالم العربي. أمر لم يوافقه كثير من الحاضرين الذين بدوا متشائمين حيال قدرة المثقفين على المساهمة في إخراج مجتمعاتهم من عنق الزجاجة.

حول هذا الموضوع تحدث هاشم صالح، معتبرا أن المراوحة الحالية طبيعية ومرت بها أوروبا حتى القرن السادس عشر، إلى أن ظهر مفكرون ومصلحون ليحدثوا ما يشبه الزلزال في أرض راكدة، وهو ما يفترض أن يشهده العالم العربي. قدم الطيب تيزيني مطالعة حاول من خلالها تحليل أسباب التخلف والركود. ومثله فعل فهمي جدعان معتبرا أن الفكر القومي العربي بنهجه الاستبدادي بقي مشكلة مزمنة، لأنه قارب النهضة بفكر شمولي كلي. وأكمل جدعان: «يخطئ المثقفون التقليديون إن هم اعتقدوا أنهم وحدهم المخلصون المنتظرون، لأن العلل البانية للنهضة لا ترتد إلى علة واحدة أو إلى أساس واحد». في طرح مشابه لكنه أكثر ديناميكية تحدث المفكر اللبناني علي حرب عن «التشبيح الثوري» الذي أصاب أهل السياسة و«الجرثومة الأصولية» التي تفشت بعد فشل القومية والاشتراكية و«الداء النخبوي» الذي استشرى بين المثقفين. واقترح علي حرب على الموجودين التوقف عن التنظير والالتفات إلى العمل الجاد، وليركز كل على مهمته دون أن يدعي ما لا يعرف. وكأنما أراد أن يقول إن إخلاص كل منا لمهنته مهما كبرت أو صغرت، هو الطريق الذي يفترض أن ينتهي بنا إلى الخلاص.

المشاركون المصريون فاجأتهم المظاهرات التي بدأت أصداؤها تصل إلى الملتقى، وبينما اعتبر غالبيتهم في البداية أن الأمر لا يتعدى مظاهرات صغيرة سرعان ما تنفضّ، أخذوا يتساءلون في اليوم الأخير إن كان المطار سيغلق قبل أن يصلوا إلى بيوتهم.

هذا الملتقى الذي انعقد ضمن أنشطة «مهرجان القرين» السابع عشر والذي تحييه الكويت كل سنة، ويستمر ما يقارب الشهر، لم يفلح في الوصول إلى نتائج ملموسة. لكن بدر الرفاعي الأمين العام للمجلس الوطني قال صراحة إن السؤال حول تعثر النهضة العربية كبير، ولم يكن من المؤمل الوصول إلى أجوبة قاطعة، وإن كان الهدف الأساسي هو «جوجلة» الأفكار، وتوضيح الرؤية، مع الرغبة في متابعة الحوار من خلال ملتقيات أخرى، إذا وجد المجتمعون هذا مناسبا. المصري حلمي سالم رئيس تحرير مجلة «أدب ونقد» اعتبر أن التعثر سببه سياسي بامتياز وليس ثقافيا على الإطلاق. فالاستبداد، وتحالف السلطة مع الثروة، وتدني الوعي الشعبي كلها من العوامل التي فرملت أي تغيير في العالم العربي. هذا الكلام بدا مقبولا تماما بين المثقفين، ربما بسبب الانتفاضة التونسية والمظاهرات المصرية التي كانت بوادرها قد بدأت، دون أن يتبين الملتقون في الكويت لحظتها، مدى جديتها.

وتميز الملتقى بتواجد ناشرين وصحافيين ثقافيين. فالناشر بشار شبارو صاحب «الدار العربية للعلوم» لفت النظر إلى أن القرصنة الإلكترونية باتت تهدد مهنة النشر برمتها، وأن الخسائر بسببها تجاوزت كل التوقعات. فالقرصنة الورقية كانت تكلف المقرصن ثمن الحبر والورق، وتجعله يحسب حسابا قبل أن يقدم على السرقة، بينما القرصنة الإلكترونية مجانية ولا تكلف صاحبها شيئا. مدير «المركز الثقافي العربي» حسن ياغي قدم شهادة مؤثرة عن تجربته كناشر عصامي أحب الكتاب وعاش من أجل تطويره. وقد يبدو موضوع النشر الذي اعتبرته الناشرة الجزائرية آسيا موساي رسالة تستحق المغامرة، بعيدا عن موضوع الملتقى الأساس وهو النهضة وسبلها، لكن ياغي ذكّر بالارتباط العضوي بين النهضة والكتب، قائلا إنه عندما بدا العمل في مهنته كان يحلم بالنشر لما يزيد عن عشرين مفكرا كانت أسماؤهم لامعة، لكنه اليوم لا يرى أن ثمة من يجب أن يطاردهم ليحظى بالنشر لهم كما كان الحال سابقا بسبب الشح الفكري الضارب أطنابه في المنطقة العربية. دور الصحافة الثقافية في صناعة النهضة تحدث عنها الزميل عبده وازن مشتكيا من الانحطاط الذي يصيب هذه الصفحات، بسبب الميل إلى التسطيح والبعد عن العمق، حتى بات ثمة من يفضل هيفاء وهبي على محمد أركون. أما الزميل أحمد فرحات فذكّر بالدور الريادي الذي لعبه ملحق النهار الثقافي، والدور المحوري الذي يجب أن تلعبه هذه الصفحات لحماية اللغة العربية.

كل أدلى بدلوه من خلال مهنته وتجربته، لتصاغ التوصيات بعد يومين من المداولات، داعية إلى تطوير هذا الملتقى وتوسيعه وإثرائه بمتخصصين من مجالات معرفية مختلفة لا أن يبقى مقتصرا على مفكرين وأكاديميين، وكذلك تحويله إلى تقليد سنوي، واستضافة مثقفين من دول كانت في طور ركود واستطاعت أن تتغلب على سباتها مثل الهند والصين وماليزيا أو دول لاتينية.

بدر الرفاعي، الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن الندوة التي كانت تعقد سنويا في إطار «مهرجان القرين»، واستنفدت نفسها، ليأتي هذا الملتقى كبديل عنها، بحيث يصبح مكانا لتداول الأفكار، دون تخطيط مسبق يفرض على المثقفين.

وفي سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول ما إذا كانت الكويت ستبقى على نهجها التقليدي في التعامل مع الأنشطة الثقافية، دون أن تتأثر بعدوى الأنشطة البراقة التي تثير الكثير من الحماس الصحافي في دول خليجية مجاورة مثل مهرجانات السينما في قطر ودبي وأبو ظبي - على سبيل المثال - لا الحصر قال بدر الرفاعي: «ثمة تقليد كويتي يعتمد على اختيار الأنشطة الرصينة التي تعطي نتائج طويلة الأمد، دون رغبة في الذهاب إلى فعاليات مرتفعة التكاليف لا تعود بفائدة على الوطن والمواطنين. الكويت اختارت طريقها منذ زمن طويل ونحن ماضون فيه. فالمزاج الكويتي لا تناسبه البهرجة التي لا طائل وراءها، وهذه الكبسولات الثقافية التي يتم استيرادها حيث تأتي وتذهب دون أن تترك تأثيرا إيجابيا على البلد». ويشكك الرفاعي في أن تنتقل عدوى مهرجانات السينما الخليجية إلى الكويت، ويقول: «أنا لا أؤمن بأن بلدا لا ينتج أفلاما عليه أن ينظم مثل هذه المهرجانات».

وانتهى «مهرجان القرين» الذي بدا أعماله في الخامس من الشهر الحالي، بالملتقى الذي جمع المثقفين، وبحفل غنائي تم خلاله تكريم الفنان حمد خليفة، كما تم الاحتفال في نفس الليلة بمرور خمسين سنة على استقلال الكويت.