فنانو مصر ومثقفوها يتفاعلون مع المظاهرات

عمر الشريف آخر المنضمين إلى دعوة الإصلاح

عمر الشريف في شرفة منزله يشير إلى المتظاهرين في ميدان التحرير (أ.ب)
TT

في الوقت الذي انطلقت فيه المظاهرات الحاشدة في أنحاء مصر مطالبة بتنحي الرئيس مبارك وتغيير الحكومة، اختفت الكثير من الوجوه المعروفة من الفنانين والمثقفين واصبح هناك سؤال معلق حول ماذا يفكر فيه فنانو مصر وما هو موقفهم من الأحداث الأخيرة.

الفنان عادل إمام كان من أوائل من خاضوا في موضوع المظاهرات ولكن فيما يبدو أن التصريحات الأولية التي نسبت له أثارت غضب المتعاطفين مع المظاهرات، إذ نقلت بعض المواقع في الانترنت وبعض المحطات الفضائية أن إمام وصف ما يحدث فى مصر الآن بـ «المظاهرات العبثية».. وأن المشاركين فيها «مندسون لا يمتون للشعب بصلة»، واتهمها بأنها «تحركها أياد خفية لا تريد لمصر أن ترى النور». وأضافت المصادر أن إمام أشاد بسياسة الرئيس مبارك «التى حفظت مصر طوال فترة حكمه». ولكن التعليقات أثارت الكثير من الغضب والانتقاد على مواقع الانترنت وعلى شاشات التلفزيون وهو ما دعا الفنان إلى الظهور على قناة العربية ووكالة الصحافة الفرنسية لنفي ما نقل عنه قائلا انه لم يصف اطلاقا مظاهرات الشباب بأنها «عمل غوغائي»، مؤكدا ان التصريحات التي نسبت اليه ونشرت على الانترنت لا أساس لها من الصحة، نقلا عن صحيفة «الشروق» المصرية. وأضاف إمام في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية ان كل ما نسب اليه على مواقع انترنت مختلفة «ليس حقيقيا وانه تم اختلاقه»، مؤكدا انه من حق هؤلاء الشباب التعبير عن أنفسهم والمطالبة بما يريدون على ان يكون ذلك في اطار سلمي، خصوصا ان الحرية هي أمانة يجب ان نحسن استخدامها، مشددا على ان «هؤلاء الشباب يجب ان يجدوا من يستمع اليهم ويحاورهم من قيادات الدولة، لأن لهم الحق في ان يعبّروا عن آرائهم وان تؤخذ هذه الآراء بعين الاعتبار». ولم يسلم الفنان محمد صبحي من نفس الانتقاد، إذ أنه عبر في بداية المظاهرات عن رفضه للاحتجاجات التي شهدتها مصر، رافضا المقارنة بين ما يجري في بلاده واحتجاجات تونس التي قادت إلى خلع الرئيس السابق زين العابدين بن علي. وأضاف قائلا لوكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية: قبل قيام بوعزيزي في تونس بحرق نفسه كانت توجد في مصر حالات انتحار ولكنها لم تؤد إلى مظاهرات، وغير منطقي ان نقارن رئيس برئيس أو نظام بنظام. وتابع: نعيش في مصر حرية إعلامية ملموسة ونقول ما نشاء بحرية، ولو تفوهنا بما نقوله الآن في عهود سابقة لحدثت مذابح، وهذا شيء لا ينكره أحد. وأوضح ان ما يحدث اليوم من بعض المظاهرات ليس إحساسا جماعيا لدى المصريين، وما قاموا به ليس الحل الجماعي الذي يراه المصريون، وطبيعة الشعب المصري أنه لا يستجيب لمحاولة توجيهه أو تعبئته. ونقلت جريدة الدستور أن الممثل خالد الصاوي دعا الفنانين إلى اجتماع بنادي المهن التمثيلية للاتفاق على بيان لمساندة المتظاهرين وحضر الاجتماع عدد من الفنانين منهم منى زكي ونهى العمروسي وجيهان فاضل وخالد النبوي وآسر ياسين وكريم قاسم والمخرج خالد يوسف والكاتب بلال فضل وغيرهم وأسفر الاجتماع عن بيان يساند المظاهرات الشعبية.

ومن جهته أدان الشاعر عبد الرحمن الأبنودى استخدام الأمن للقوة المفرطة ضد المتظاهرين، ووجه كلمة إلى جموع الشباب فى ميادين القاهرة والمحافظات، قائلا: أنتم أمل هذا البلد العظيم، والتجارب أثبتت أن الشباب إذا ما انتفضوا لا يعودون إلى منازلهم إلا ليستريحوا أو ليناموا ساعة ثم يعودون إلى واجبهم الوطنى».

وشهد ميدان التحرير انضمام عدد من الفنانين والكتاب والمثقفين إلى المظاهرات حيث نقلت الصحف أن الفنان عمرو واكد كان من أوائل الفنانين الذين شاركوا في المظاهرة، وقام بنفسه بتوزيع المياه على المتظاهرين، وقد تعرض للضرب على يد رجال الأمن، كما تم القبض على شقيقه محمد.

كذلك شارك الفنان خالد أبو النجا في المظاهرات وانطلق من شبرا إلى جامعة الدول العربية واعتصم مع المتظاهرين في ميدان التحرير، حيث تعرض للقنابل المسيلة للدموع. كما تعرضت كذلك الفنانة جيهان فاضل لمضايقات الأمن أثناء مشاركتها في المظاهرات. أما السيناريست والمخرج عمرو سلامة فقد ضرب بشدة وتم القبض عليه لعدة ساعات قبل الإفراج عنه بعد ذلك. وشارك الإعلامي حمدي قنديل جموع المتظاهرين، مشيرا إلى أنه أحد مواطني هذا الشعب الغاضب لذا خرج للتعبير عن هذا الغضب كما قال. وأشار المخرج أحمد ماهر الذي شارك في المظاهرات إلى أن الفنانين جزء من هذا الشعب، لذلك لا بد أن يشاركوه في التعبير المشروع عن غضبه.

ونقلت امس وكالة رويترز أن الممثل المصري العالمي عمر الشريف دعا الرئيس حسني مبارك بالتنحي وقال انه فشل في تحسين مستوى معيشة المواطن العادي ويكفيه 30 عاما في السلطة.

وصرح الشريف لراديو فرانس انتر من منزله في القاهرة «ينبغي ان يستقيل الرئيس... في ضوء رفض الشعب بأسره له. امضى في السلطة 30 عاما وهذا كاف».

وقام الكاتب علاء الأسواني بالاشتراك في المظاهرات وخاطب جموع الشباب في الميدان. وقال في مقال كتبه لصحيفة الغارديان البريطانية تحت عنوان «الشرطة وحدها ليست كافية لابقاء الحكام في السلطة.. معركة مصر بدأت»: «كان يوما لا ينسى بالنسبة الي. انضممت إلى المظاهرات في القاهرة، إلى جانب مئات الآلاف في انحاء مصر الذين خرجوا للشوارع يوم الثلاثاء مطالبين بالحرية ومواجهين بشجاعة عنف الشرطة المخيف. ولدى نظام الحكم في جهاز امنه مليون ونصف مليون جندي تنفق عليهم الملايين لتدريبهم على مهمة واحدة: ابقاء الشعب المصري مكبوتا. وجدت نفسي وسط آلاف الشبان المصريين. كان وجه الشبه الوحيد بينهم شجاعتهم المذهلة وتصميمهم على عمل شيء واحد - تغيير النظام. معظمهم طلبة جامعيون يجدون انفسهم بلا امل في المستقبل. انهم غير قادرين على العثور على عمل، وبالتالي غير قادرين على الزواج. والامر الذي يحركهم هو غضب لا يمكن ترويضه واحساس كبير بالظلم».

أما الفنان علي الحجار الذي يوجد خارج مصر حاليا فقال لموقع إيلاف انه شارك في المظاهرات أمام السفارة المصرية هناك «للتضامن مع شبان مصر».

وفي ذات الوقت دعا مثقفون مصريون، في بيان موجه إلى القوات المسلحة نقلته وكالة الصحافة الفرنسية، الجيش إلى مساندة «الشعب»، مؤكدين ان «شرعية النظام سقطت» بهذه الحركة الاحتجاجية. وجاء في البيان «نناشد رجال القوات المسلحة مساندة ثورة الشعب وتمكين الارادة الشعبية من الوصول بمطلب التغيير الدستوري الشامل إلى بر الأمان من اجل مستقبل أبنائنا ومستقبل هذا الوطن». وخاطب المثقفون «ابناء مصر الأبرار» الذين «يعرفون كرامة الدم الذي يراق فداء لهذه الارض»، بالقول «انتم في طليعة من يضحي بدمه من اجل ان تعيش مصر وإجلالا لدماء شهداء هذه الثورة ستقفون مع شعبكم لتحقيق طموحه في العيش الكريم في دولة نعتز بها جميعا لا يسيطر فيها رأس المال على الحكم ولا ترتهن إرادتها للأجنبي»، مؤكدين أن «افراد الجيش يألمون لما يحدث في مصر كما نألم ويأملون لمستقبلها كما نأمل وتعرفون اكثر منا ان كل تأخير وكل استمرار لهذه الحالة الضبابية من شأنه ان يعرض مصر لمخاطر اعظم». ومن أبرز موقعي البيان عضو حركة كفاية محمد أبو الغار وعبد الجليل مصطفى ومحمد شومان والروائيان عزت القمحاوي محمد البساطي والناقد محمد عبد المطلب. كما وقعه عدد من اساتذة الجامعات من بينهم اماني الطويل وشيرين ابو النجا وإيمان يحيى والمذيع والصحافي محمود سعد والصحافية نجلاء بدير وعبد الجواد محمود ومنصور ونائلة عمارة وهناء الجوهري وأشرف فؤاد. ولم يغب الكتاب المصريون عن الاحداث فأصدر اتحاد كتاب مصر جلسة طارئة اعلن فيها تضامنه مع موجة الاحتجاجات التي يشهدها الشارع المصري واصفا اياها بالانتفاضة المجيدة، وبعد مناقشة استمرت نحو ثلاث ساعات اصدر المجلس بيانا ذكر فيه: ان اتحاد كتاب مصر اذ يحيي الجماهير المصرية على سلوكها الوطني، يعلن تضامنه الكامل مع تلك الانتفاضة المجيدة، ويؤكد مشاركته الكاملة لها في مطالبها المشروعة، ويدين الاسلوب القمعي في التعامل معها، ويؤيد المطالب الدستورية التي عبرت عنها جماهير الشعب على نحو يكفل التداول السلمي للسلطة، والغاء قانون الطوارئ، ويطالب بالافراج الفوري عن المعتقلين السياسيين كافة، واتخاذ الخطوات اللازمة للقضاء على الفساد السياسي والاقتصادي والثقافي، ومحاكمة المفسدين فضلا عن بقية المطالب المشروعة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. وقرر مجلس اتحاد كتاب مصر ان يظل في حالة انعقاد دائم حتى اشعار آخر كما اعلن المجلس عن تنظيم وقفة تضامنية لأدباء وكتاب مصر بمقره بالزمالك.

وقال الكاتب والروائي يوسف القعيد «هناك ثلاثة اسباب رئيسية تبشر باستمرار اعتصامات ومظاهرات الغضب، وهي اعتقال العشرات من المواطنين وسقوط عدد من القتلى والمصابين، واخيرا استخدام العنف مع المتظاهرين مما ترك اثرا سلبيا في نفوس المواطنين ودفعهم للاستمرار في احتجاجاتهم، وكنت اتوقع ان تصدر السلطات الحاكمة بيانا ترد به على موجة الغضب تلك خاصة وهي تعلم جيدا منذ عدة أيام ماضية ان فئات الشعب المختلفة تنوي الاعتصام والتظاهر». واضاف القعيد «ان الحكومة لم تكن تتوقع كل هذا الحشد الهائل من الجماهير لذلك جاء عنصر المفاجأة هو البطل الاساسي في الاحداث التي من المتوقع ان تستمر للأيام المقبلة».

وقال الروائي يوسف زيدان: «الحكومة الحالية امامها امران فقط لا ثالث لهما وهما إما ان تحترم مطالب اولئك الناس البائسين والمحبطين واما ان تتنحى تماما».. واضاف زيدان: ان العنف لا يولد سوى العنف وانه لا سبيل لاصلاح الاحوال الا بالبحث في اصول المشكلات التي نشكو منها. ويؤكد الروائي والقاص ابراهيم اصلان، ان ما حدث شيء مهم وعظيم في تاريخ الحركة الوطنية المصرية وله دلالات بالغة الاهمية، وان العلاقة بين النظام الحاكم والشعب ستتغير تماما بعد تلك الاحداث عما كانت قبلها، واننا جميعا جزء مما يحدث سواء شاركنا أو لم نشارك.. من جهة اخرى اكد الاعلامي محمود سعد مقدم برنامج «مصر النهاردة» انه لم يقدم استقالته من التلفزيون المصري لانه يعمل بنظام العقد.. وقال سعد انه لم يقدم حلقة يوم الاربعاء من البرنامج لخلاف في وجهات النظر بينه وبين قيادات ماسبيرو، وان قيادات التلفزيون المصري اعلنوا انهم منحوه اجازة مفتوحة، «وانا اكرم لي ان اجلس في بيتي بدلا من اقول كلاما لا اريد ان اقوله، فأنا متعاطف ومساند لانتفاضة الشباب المصري، ولو كنت في شبابي لنزلت معهم وساندتهم، وان سبب منعي من تقديم الحلقة هو خشية ان اتحدث بما اشعر به، وبما اني متعاطف مع انتفاضة الشعب سوف انحاز للشعب والمحتجين».