الصينيون احتفلوا بسنة الأرنب وسط عادات ومحظورات تلاشت

في أكبر عملية نزوح شارك فيها 230 مليون شخص

«تشاينا تاون» الحي الصيني وسط لندن يحتفل بعام الأرنب (تصوير: حاتم عويضة)
TT

يحتفل أكثر من 1.3 مليار صيني والعديد من أبناء الجاليات الصينية في جميع أنحاء العالم برأس السنة الجديدة (سنة الأرنب) التي تستمر لمدة أسبوعين، وسط تدفق عشرات الملايين من الصينيين في أنحاء البلاد على شبكات السكك الحديدية لزيارة أهاليهم في الأقاليم فيما أصبح تقليدا سنويا. وتتميز سنة الأرنب بالهدوء والرقة بالمقارنة بسنة 2010 التي كان يطلق عليها سنة النمر وتميزت بالخشونة والاضطرابات.

ويطلق الصينيون على المناسبة مهرجان الربيع وهو أهم الاحتفالات التقليدية، وتقع المناسبة بعد انتهاء موسم الحصاد في فصل الخريف وقبل بداية موسم زراعة المحاصيل الزراعية الجديدة التي تبدأ في فصل الربيع. وتبدأ الاحتفالات في اليوم الأول لأول شهر قمري - الذي يقع عادة في أواخر يناير (كانون الثاني) وأوائل شهر فبراير (شباط) - وتنتهي الاحتفالات في اليوم الخامس عشر من الشهر القمري الأول.

ورأس السنة الصينية هي المناسبة الأساسية لتجمع أفراد الأسرة الذين يعمل العديد منهم في مناطق بعيدة عن مسقط رأسهم. وتشمل الاحتفالات حفل عشاء سنويا في ليلة رأس السنة وإطلاق الصواريخ ومنح الأطفال «عيدية» تعرف باسم أموال الحظ ودق أجراس رأس السنة، وإرسال بطاقات المعايدة ورقصات التنين والأسد. وبالطبع يرتدون ملابس جديدة أو أفضل ما لديهم من ملابس.

ويتغير موعد رأس السنة الصينية اعتمادا على التقويم الصيني، الذي اخترعه الإمبراطور هوانغدي في سنة 2637 قبل الميلاد. ويتغير التقويم كل 12 سنة، وهو مرتبط بـ 12 حيوانا: الفأر والثور والنمر والأرنب والثعبان والحصان والكبش والقرد والديك والكلب أو الخنزير، كل منها مرتبط بصفات مختلفة. فسنة النمر كانت سنة صعبة بصفة عامة ولكنها أكثر صعوبة بالنسبة لمن ولد في تلك السنة.

ومن بين العادات القديمة التي ترجع بدايتها لآلاف السنين هو تنظيف المسكن قبل رأس السنة. فالغبار يرتبط بـ «القديم» ولذا فإن تنظيف المسكن وإزالة الغبار يعني توديع القديم والاحتفال بقدوم الجديد. ويقوم أفراد الأسر بتنظيف المنزل وكنس أرضيته وغسل الأشياء التي تستخدم يوميا وإزالة شبكات العنكبوت التي انتشرت في أرجاء الحوائط.

كما تشمل الاحتفالات تزيين المنازل. ومن بين الأشياء المستخدمة في تلك المناسبة تعليق شعارات على الأبواب، تحتوي على تمنيات جيدة. وتستخدم تعليقات مزدوجة لأن الأرقام المزدوجة مرتبطة بالحظ السعيد في الثقافة الصينية.

وتبدأ السنة الجديدة بدق أجراس. ويفضل الصينيون الذهاب إلى الميادين الكبيرة حيث توجد أجراس ضخمة تم نشرها خصيصا لتلك المناسبة. ويعتقد الصينيون أن دق الأجراس الكبيرة ستبعد عنهم الحظ السيئ وتأتي بالحظ الجيد. وفي السنوات الماضية بدأ بعض الناس في الذهاب إلى المعابد المقامة على الجبال لانتظار دق أول جرس. ومن بين المعابد الشهيرة التي يقبل عليها الناس معبد هانشان في سوجو، وقد امتدت شهرته خارج الصين، حيث يزوره العديد من الأجانب للمشاركة في الاحتفالات.

كما تتميز المناسبة بالسهر حتى ساعات متأخرة بعد تناول ما يطلقون عليه العشاء العظيم، الذي يعتبر حدثا أساسيا لتجمع أفراد العائلة معا. وتختلف نوعية العشاء طبقا للمنطقة أو الإقليم، ففي جنوب الصين يتناول السكان كعكة من دقيق الأرز. أما في الشمال فيتناول السكان طبق الجياوزي وهي عبارة عن كرات مخبوزة على شكل هلال.

وكان إشعال الصواريخ يعتبر من أهم عادات الاحتفال بمهرجان الربيع. إلا أن أخطار اشتعال الحرائق وأصوات الضجة التي تثيرها دعت الحكومة الصينية إلى إطلاق الصواريخ في عدد من المدن الكبرى. وعلى الرغم من ذلك الحظر فمن المتوقع أن يخرج مئات آلاف من سكان بكين إلى الشوارع بحلول منتصف الليل لمشاهدة عروض الألعاب النارية وإطلاق أصوات الصافرات وسماع موسيقى البوب وهي المظاهر التي تحول بكين ومدن صينية أخرى إلى مناطق حرب سمعية سنويا.

وذكرت وسائل إعلام مملوكة للدولة أن الشرطة ستغلق عشرات الطرق لتقليص فرص وقوع حوادث المرور بسبب الألعاب النارية التي تزايدت بشدة في السنوات الماضية.

وذكرت تقارير أن رجال الإطفاء على أهبة الاستعداد لمواجهة الحوادث المتوقعة ومراقبة 560 كشكا تخضع لإشراف الحكومة التي تبيع نحو 910 آلاف من صناديق الألعاب النارية في بكين بزيادة قدرها نحو 14 في المائة عن العام الماضي، طبقا لما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية.

ومن بين مظاهر الاحتفال في ليلة رأس السنة أو بعدها هو تحية الأقارب والأصدقاء، والدعاء لهم بالحظ السعيد والسعادة. وفي بعض القرى حيث تعيش الأسرة الممتدة يمكن أن يقضي البعض أكثر من أسبوعين لتحية أصدقائهم وأقاربهم. وفي اليوم الأول من السنة الجديدة تنص العادات والتقاليد على توجه الشباب لتحية أفراد الأسرة الكبار. ولأن زيارة الأقارب والأصدقاء تأخذ وقتا طويلا، ومع التطور الاقتصادي الذي تشهده الصين وتفرق بعض الأسر، لا سيما الشباب، فقد ظهرت عادات جديدة مثل إرسال بطاقات التهنئة بالسنة الجديدة بدلا من زيارتهم بصفة شخصية.

وكالعادة فإن الأطفال هم أكثر من يستمتعون في مثل تلك المناسبات. وفي الصين يحصل الأطفال من آبائهم والجدود على «عيدية» يطلق عليها اسم «المال المحظوظ» بسبب الاعتقاد بأنها تؤدي إلى حظ سعيد. وتبعد «الوحوش»، ولذا تحمل ذلك الاسم. ويضع الآباء والجدود المال في مظروف أحمر معد خصيصا لتلك المناسبة ويعطونه لأولادهم وأحفادهم خلال حفل العشاء التقليدي أو عندما يأتون للزيارة. ويوضع المال في مظاريف حمراء اللون لاعتقاد الصينيين أنه لون «محظوظ».

* محظورات

* وتنتشر خلال احتفالات رأس السنة العديد من المحظورات ولكن البعض منها اختفى وتلاشى، لا سيما بين سكان الحضر في المدن الكبرى. ومن بين هذه المحظورات: لا يجب على النساء مغادرة بيوتهن في اليوم الأول لرأس السنة، وإلا ستتعرض لسوء الحظ طوال السنة. لا يجب على الفتاة المتزوجة زيارة بيت أبويها لأن مثل تلك الزيارة تؤدي إلى تعرضهما لسوء الحظ والصعوبات الاقتصادية. كنس المنزل في مثل هذا اليوم مرتبط بكنس «الثروة». بكاء الطفل يؤدي إلى سوء الحظ ولذا يبذل الآباء كل ما في وسعهم لمنع بكاء الأطفال.

* ازدحام السكك الحديدية

* أدى التقدم الصناعي وانتقال العديد من أبناء الريف إلى المدن الكبرى للعمل في المصانع إلى انتشار ظاهرة جديدة لم تكن معروفة من قبل وهي ازدحام السكك الحديدية بطريقة تحولت معها إلى حدث سنوي تهتم به وكالات الأنباء العالمية وتتابعه.

ومن الروايات التي تناقلتها وكالات الأنباء ما حدث مع العامل المهاجر تشين ويوي الذي تحول إلى شخصية شهيرة علي الإنترنت بعدما خلع ملابسه فيما عدا ملابسه الداخلية في إحدى محطات القطار المزدحمة وأخذ يصرخ محتجا على عدم تمكنه من الحصول على تذكرة قطار لزيارة أهله للاحتفال معهم برأس السنة، وهو الأمر الذي يشاركه فيه عشرات الملايين من الصينيين.

ويوجد لدى الصين أكبر شبكة سكك حديد في العالم يصل طولها إلى أكثر من 91 ألف كيلومتر، كما أنها، في بعض الحالات الأسرع في العالم. وتماثل رغبة البلاد في تطوير شبكة السكك الحديدية رغبة الولايات المتحدة في تطوير برنامج الفضاء باعتباره رمزا للفخر الوطني، إلا أن التدافع السنوي للحصول علي تذاكر قطار لمشاركة الأهل في احتفالات رأس السنة الذي تحول إلى أكبر عملية نزوح سنوية في العالم يشارك فيها ما يقرب من 230 مليون نسمة – يلقي الضوء على الهوة الكبيرة بين نماذج البنية الأساسية ذات الطبيعة الاستعراضية وبين شبكة السكك الحديدية المتوفرة للجماهير.

ونشرت وكالة أنباء «أسوشييتد برس» قصة يين جي وهو مهندس إلكترونيات بالغ من العمر 36 سنة وقف في البرد القارس طوال الليل مع آلاف من العمال المهاجرين الآخرين على أمل الحصول على تذكرة. وقال إن الطقس بارد «إلا أنني تعودت على ذلك بما أنها السنة السادسة التي أمر خلالها بمثل هذه التجربة». وقد ظهر على موقع «يوتيوب» حيث تحول إلى ما يشبه البطل القومي.

ويعمل في شبكة حديد الصين التي تديرها وزارة خاصة يطلق عليها اسم وزارة السكك الحديدية، ما يقرب من 3.2 مليون شخص – وهو أكبر من عدد قوات الجيش التي تصل إلى 2.3 مليون شخص فقط.

وكانت الصين قد أعلنت أنها ستنفق هذا العام فقط ما يقرب من 106 مليارات دولار على تجديد وتطوير شبكة السكك الحديدية لتحقيق هدفها بمد 13 ألف كيلومتر من السكك الحديدة السريعة بنهاية العام.

إلا أن كل ذلك لم يمنع ازدحام الشبكة سنويا بمناسبة رأس السنة الصينية.