الفنانون اللبنانيون والأزمة المصرية

بعضهم غادر والبعض الآخر متمسك بالبقاء وهناك من لا يزال متنقلا بين القاهرة وبيروت

TT

لا شك أن المرحلة الحساسة والعصيبة التي تعيشها مصر في المرحلة الحالية، أجبرت الكثير من المصريين وغير المصريين على المغادرة، خصوصا في ظل الغليان الذي يعيشه الشارع المصري وتطور الأحداث بشكل دراماتيكي.

وعلى الرغم من أن هناك فئة كبيرة من الفنانين اللبنانيين، فرضت عليها الظروف غير الآمنة، إيقاف نشاطها الفني والعودة إلى بيروت، فإن ثمة فئة ثانية آثرت البقاء هناك لأسباب إنسانية أو خاصة، في حين أن هناك فئة ثالثة، توزع عادة إقامتها بين مصر ولبنان، شاءت الظروف أن تكون في بيروت عند اندلاع الاحتجاجات، فاضطرت إلى البقاء في الوطن، بانتظار عودة الهدوء إلى وطنها الثاني، مصر.

الفنانة مايا نصري تزوجت العام الماضي من المخرج المصري المعروف رأفت الميهي، وهي من بين الفنانات اللاتي يوزعن أوقاتهن بين بيروت والقاهرة، وتقول: «ليست الأحداث التي تحصل حاليا في مصر هي التي أجبرتني على المغادرة، بل أنا موجودة في لبنان منذ نهاية العام الماضي، حيث أمضيت فترة الأعياد مع أهلي، ومن ثم بقيت فيه لأنني أتابع دراستي الجامعية في مجال التمثيل والإخراج».

الفنانة هيفاء وهبي قررت البقاء في مصر إلى جانب زوجها رجل الأعمال المصري أحمد أبو هشيمة، وقالت: «عندما اندلعت المظاهرات كنت في هولندا بسبب بعض الارتباطات الفنية، ومن ثم عدت إلى لبنان وأمضيت يوما واحدا فيه، وغادرت في اليوم التالي إلى مصر، كي أبقى إلى جانب زوجي أحمد، الذي يرفض مغادرة الوطن».

الممثلة جوليا قصار التي عادت من مصر برفقة فريق العمل الخاص بمسلسل «الشحرورة» والمكون من 14 شخصا، قالت: «عندما بدأت المظاهرات، كانت أمور التصوير تسير بشكل طبيعي، ولم نكترث كثيرا بما كان يحصل، ولكن عندما أعلن المتظاهرون عن «جمعة الغضب» وفرض منع التجول وانقطعت الاتصالات بيننا وبين الأهل في لبنان، شعرنا بالقلق، خصوصا أننا كنا نتابع في الاستوديو من خلال شاشات التلفزة، الشكل المتسارع للأحداث، وتبين لنا أن الأمر ليس مجرد مظاهرات عابرة، بعد أن شكل المتظاهرون لجانا شعبية لحماية أنفسهم، ولذلك قررنا العودة جميعا، ولكن الصعوبة الأكبر واجهتنا في المطار، بسبب الفوضى وشدة الازدحام، حيث أمضينا هناك نحو 8 ساعات، حتى تمكنا من إنجاز معاملات السفر».

الممثل عصام بريدي، كان أيضا من فريق العمل المشارك في مسلسل «الشحرورة»، وقد اضطر للعودة إلى لبنان، وقال: «الظروف القاهرة أجبرتنا على إيقاف العمل، ولا أدري ما إذا كنا سنكمل التصور في سورية أم لا؟ كل ذلك رهن بالظروف التي يمكن أن تطرأ في مصر. صحيح أننا معتادون في لبنان على أوضاع مماثلة، ولكن الأحداث في مصر تطورت بسرعة وأخذت منحى فوضويا، بسبب أعمال السرقة والنهب، مما جعل الخوف يسيطر على الناس، الذين وقعوا في حيرة بين المشاركة أو عدم المشاركة في المظاهرات».

الفنانة رزان مغربي قررت، كما هيفاء وهبي، البقاء في مصر، ولكن لأسباب مختلفة، قائلة: «حبي الكبير لمصر ولشعبها يمنعني من العودة إلى بيروت، لأنني أريد أن أعيش هذه اللحظة من تاريخ مصر، ولكي أتعلم من قوة وثبات الشباب المصري، بالإضافة إلى كوني إعلامية وأشعر بأن لدي مهمة ويجب أن أقوم بها، من خلال وجودي في الشوارع، العمل مع اللجان الشعبية، الاهتمام بالناس وتنظيف الشوارع. أعرف أن هناك فنانين مصريين ومن جنسيات عربية مختلفة غادروا، ولكني مصرة على البقاء وأشعر بأنني لا أستطيع أن أكون مثلهم. وعلى الرغم من أنني أتلقى يوميا اتصالات من والدتي للعودة إلى لبنان، فإنني أجد لها دائما الأعذار وأخبرها بأن لدي ارتباطات فنية ولا أستطيع التملص منها». وتابعت مغربي «لقد شاركت في المظاهرات التي نظمها المعارضون للرئيس المصري حسني مبارك، كما شاركت في تلك التي نظمها المؤيدون له، لأنني لست مع طرف ضد الآخر، ولا أنكر أنني شعرت بخوف كبير، عندما انسحبت الشرطة من الشوارع، وبدأ الهجوم على الأحياء، خصوصا أنني فتاة وأعيش لوحدي في البيت، مع أنني أقيم في (الزمالك)، وهي منطقة آمنة. إلا أنني أشعر بحزن كبير وأنا أشاهد شبابا مثل الورود يموتون أمام ناظري على أيدي (بلطجية)، يقومون بأشنع الأفعال مقابل 50 جنيها، كما أشعر بأن هناك أيدي خفية، داخلية وخارجية، هي المسؤولة عن كل ما يحصل. لقد تعلمت حب الوطن من خلال الحرب الأهلية التي عشناها في لبنان، وأعرف ما هو الإحساس الذي يعيشه الإنسان عندما يشعر بأن وطنه (يسرق) من بين يديه. لا أقول هذا الكلام للمزايدة الإعلامية، ولكني أستغرب كيف أن بعض الفنانين (أصحاب الملايين) يتحدثون عن حب الجماهير والناس وفجأة يتركون كل شيء ويرحلون؟ فهل المطلوب من الجمهور أن يدفع المال من أجل شراء ألبومات الفنانين وحضور أفلامهم، ثم تركه وحيدا عند الشدائد؟»، وختمت مغربي: «لن أغادر على الإطلاق وسأستمر مع الناس إلى النهاية، كما أنني أجتمع في بعض الأحيان مع بعض الزملاء الفنانين الذين رفضوا المغادرة مثلي، من بينهم الفنان تامر هجرس وزوجته. وأعتقد أنه أصبح مطلوبا في المرحلة الحالية، تدخل رجال الدين، لمنع الاحتقان بين الطرفين ولإيقاف المجازر التي يذهب ضحيتها خيرة الشباب المصري على أيدي حفنة من البلطجية، كما أنه يجب إعطاء الفرصة للحكمة والحوار والتعقل، لكشف الحقائق ومعرفة الجهات التي تعبث بمصير المصريين، بعدما عبر كل طرف عن رأيه ومطالبه».

الفنانة رولا سعد التي ألغت إحدى حفلات الأعراس في الإسكندرية بسبب الأحداث الأليمة، أوضحت «عادة أنا أمضي معظم أوقاتي في مصر لأن 70 في المائة من نشاطاتي الفنية تحصل فيها، وأنا أتابع حاليا وبأسف كبير ما يجري هناك، وأتمنى أن تستقر الأوضاع في أسرع وقت ممكن، لأن الشعب المصري طيب ولا يستحق سوى كل خير».