تراجع عقد المعارض العلمية المدرسية في أميركا

سياسة أوباما التعليمية لا تركز على نمط التفكير الإبداعي المستقل

(«نيويورك تايمز»)
TT

ربما لم يجتذب سوى القليل من المعارض العلمية المدرسية، التي شكلت مصدرا للفخر والذعر في الوقت ذاته لأجيال من الطلاب الأميركيين، مثل هذا القدر من الاهتمام والشهرة على المستوى الوطني. الخريف الماضي، استضاف الرئيس أوباما معرضا علميا مدرسيا داخل البيت الأبيض، وصرح الأسبوع الماضي بضرورة احتفاء أميركا بأبنائها الفائزين في معارض علمية مثل مسابقة «سوبر باول» التي أقيمت يوم الأحد، وإلا ستخاطر بفقدان ميزتها التنافسية كأمة.

إلا أنه مع انطلاق موسم معارض علمية، يبدو هناك انحسار في مستوى مشاركة طلاب المدارس الثانوية. وأعرب الكثير من مدرسي العلوم عن اعتقادهم بأن المشكلة لا تكمن في غياب الاحتفاء، وإنما في السياسة التعليمية التي تنتهجها إدارة أوباما التي تحاسب المدارس عن درجات الطلاب في مواد العلوم والقراءة على حساب نمط التفكير الإبداعي المستقل الذي تتطلبه مشروعات المعارض العلمية.

عن ذلك، قال دين غيلبرت، رئيس هيئة المعارض العلمية بمقاطعة لوس أنجليس: «القول بأننا بحاجة إلى مهندسين وأن هذه هي حقبتنا العلمية المثلى لا معنى له إذا لم يكن لدينا وقت لتعليم الطلاب كيفية التعامل مع العلم»، في إشارة لجملة وردت في خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه الرئيس أوباما الأسبوع الماضي. ويشارك بمعرض لوس أنجليس الآن 185 مدرسة، بانخفاض عن 244 مدرسة منذ عقد مضى، ومع ذلك يبقى واحدا من أكبر المعارض العلمية على مستوى البلاد.

داخل الكثير من المدارس، تعتمد المعارض العلمية على المدرسين الذين يحملون على كاهلهم عبء العمل الإضافي، حيث يتولون الإشراف على المشاركين وأبحاثهم ويجمعون الأموال اللازمة لتوفير الميداليات واللافتات والملصقات وإيجاد قضاة - كل ذلك من وقتهم.

من أجل تنظيم المعرض العلمي الإقليمي بشمال شرقي مينيسوتا خلال عطلة نهاية هذا الأسبوع، عملت سنثيا ويلش، مدرسة العلوم بمدرسة كلوكيه الثانوية قرب دولوث، أكثر من 500 ساعة غير مدفوعة الأجر منذ سبتمبر (أيلول). وذكرت ويلش أن «زوجي يعاونني في العمل».

في مدارس المرحلة الإعدادية، لا تزال مشروعات المعارض العلمية مفروضة، الأمر الذي يسبب ضيقا للمدرسين وأولياء الأمور. وتوجه بعض المدارس الثانوية أفضل طلابها للمشاركة في المسابقات العلمية النخبوية التي تستلزم سنوات من العمل والبحث المضني، وينضم لهذه المسابقات بضعة آلاف من الطلاب سنويا.

إلا أن أنصار المعارض العلمية المحلية يرون أن الأمر الذي ضاع في خضم ذلك هو تعريض قطاع أوسع بكثير من المراهقين الأميركيين للعملية العلمية، بمعنى أن يختبروا فكرة أو يقيموا دليلا أو يطرحوا تساؤلا بشأن العالم من حولهم - وربما يكتشفون في خضم ذلك مدى صعوبة الحصول على إجابة.

ومن الناحية التاريخية، وفرت المعارض المحلية التي تنامت شعبيتها بعد الحرب العالمية الثانية، مدخلا للمجال العلمي أمام أولئك الذين قد لا يرون أنفسهم مهووسين بالعلم.

عن ذلك، قالت ميشيل غليدين، مديرة جمعية العلوم والعامة، وهي منظمة غير هادفة للربح تتولى إدارة 350 معرضا إقليميا ويحضر الفائزون بها معرض إنتل الدولي للعلوم والهندسة، وهي أكبر مسابقة عالمية على مستوى المدارس الثانوية: «تسهم المعارض العلمية في تنمية المهارات المرتبطة بحياة كل فرد، سواء رغبت في أن تصبح عالما أم لا، المهم إفراز مواطنين يتميزون بعقلية علمية».

من العسير الحصول على أرقام على المستوى الوطني، لكن غليدين قالت إن الكثير من المعارض الإقليمية الكبرى عجزت في أن تجتذب فيما بينها عدد المدارس الثانوية اللازم للمشاركة بمعرض إنتل خلال السنوات الأخيرة. وأضافت: «تبدو المشاركة في انحسار على مستوى المدارس الثانوية».

في إنديانا، تراجعت مشاركة المدارس الثانوية في المعارض العلمية على مستوى الولاية بنسبة 15% خلال السنوات الثلاث الماضية. ووصف أحد منظمي هذه المعارض في واشنطن معرض العام الماضي هناك بأنه «كان محطما للآمال» مع وجود مشروعات قليلة وعدد غير كاف من القضاة. أما معرض سانت لويس فيواجه خطر الإلغاء هذا العام مع نقل شركة «بفيزر»، الراعي الأكبر له، نشاطها لمنطقة أخرى وتراجع دورها في رعايته.

من بين الأسباب الواضحة وراء انحسار الاهتمام بالمعارض العلمية الاهتمامات المتعارضة التي تتسابق على الفوز بانتباه طلاب المدارس الثانوية، لكن الكثير من المعلمين قالوا إنهم كانوا يأملون في أن تبدو المشروعات مهمة بدرجة كافية لتخصيص وقت لها من الوقت المخصص للحصص الدراسية، وهو أمر صعب بالنسبة للمدارس التي يعتمد التمويل الفيدرالي لها على تحسين درجات الطلاب بمواد الرياضيات والقراءة. طبقا لقانون التعليم الفيدرالي الأساسي، فإنه يتحتم على المدارس تحقيق مستوى بارع بمادتي الرياضيات والقراءة بحلول عام 2014، وإلا ستواجه مخاطرة فرض عقوبات ضدها.

من جهتها، حثت إدارة أوباما على توسيع نطاق المواد التي يجري عقد اختبارات بشأنها طبقا لهذا القانون - ربما لتضم العلوم. إلا أن بعض المعلمين أشاروا إلى أنهم يعانون من أعباء ثقيلة بالفعل بسبب المتطلبات التي تفرضها الولاية بضرورة تدريس معلومات واسعة النطاق - مثلا، عن تكوين الخلية - الأمر الذي يحول دون تخصيصهم وقتا أثناء الحصص الدراسية للمشروعات البحثية.

في هذا الصدد، اشتكت أماندا ألونزو، مدرسة العلوم بمدرسة لينبروك الثانوية في سان جوزيه بكاليفورنيا، من أنه «أمامي الكثير للغاية من المعايير التي تفرضها الولاية يتعين علي الوصول إليها، ويستقطع ذلك من وقتي الذي أود تخصيصه لما أعتبره الأعلى قيمة، وهو أن يستفسر الطلاب عن العالم من حولهم». يذكر أن ألونزو تقدم النصح والتوجيه لطلابها بمجال العلوم خلال فترة استراحة الغداء وفي أوقات متأخرة بعد انتهاء الحصص الدراسية. ويلجأ بعض المدرسين الذين يعانون من ضغوط شديدة بخصوص الوقت للاستعانة بعلماء يعملون بالمجال الصناعي وفي الجامعات لمعاونة الطلاب المشاركين في معارض علمية، لكن مثل هذه الاتصالات تبقى بعيدة المنال عن الكثيرين. حتى في قلب «سيليكون فالي»، استغرق الأمر أسبوعين من الجهود الدؤوبة قبل أن يتمكن كريغ يونغ، مدرس الفيزياء بمدرسة ويلوكس الثانوية في سانتا كلارا بكاليفورنيا، من العثور على معلم محترف لتوجيه اثنين من الطلاب رغبوا في استغلال البكتيريا في توليد كهرباء. وقد نشر إعلانات بهذا الخصوص عبر الموقع الإلكتروني لـ«شبكة المعامل الوطنية» (ناشيونال لاب نتوورك)، لكن أحدا لم يجبه.

ومع ذلك، من المقرر أن يشارك بضع مئات الآلاف من طلاب المدارس الثانوية الأميركية في أكثر من 350 معرضا علميا خلال الشهور الثلاثة المقبلة، بينها قرابة 12 معرضا تقام السبت فقط. من بين هؤلاء الطلاب ميليسا راي، 17 عاما، التي أبدت سعادتها بتمكن معرض «سانت لويس أونورز ساينس فير» المقام في عطلة نهاية هذا الأسبوع، من إيجاد راع جديد. وقالت: «أحب التجول بالمعارض العلمية والاطلاع على جميع المشروعات». راي طالبة بمدرسة جون إف. كيندي الكاثوليكية الثانوية، وقد عمدت لتفحص تأثير الإعاقات على النتائج التي يحرزها الطلاب باختبارات الالتحاق بالجامعات.

من ناحيته، تمكن جيفري شويم، أستاذ الكيمياء الحيوية في ليكلاند كوليدج في شيبويغان بويسكونسن، من اجتذاب 16 مشاركا من طلاب المدارس الثانوية في معرض تولى تنظيمه، ومن بين أسباب نجاحه في ذلك وعده إياهم بأنه سينتهون من المعرض بحلول الواحدة بعد الظهر، بحيث يتمكنون من المشاركة في المسابقات الرياضية المقامة مساء. في سانت بيترسبرغ بفلوريدا، السبت، ستشارك أعداد أكبر من طلاب المدارس الخاصة عن طلاب الأخرى العامة في معرض باينالاس الإقليمي للعلوم والهندسة، في تحول عما ساد العقد الماضي. وبصورة عامة، يشارك بالمعرض عدد طلاب أقل عن المعتاد.

ورغم ذلك، أكد بول ديكمان، مدرس العلوم بمدرسة ليكوود الثانوية في سانت بيترسبرغ الذي يتولى إدارة معارض علمية منذ 20 عاما أنه يتطلع قدما للمشاركة بالمعرض.

وأضاف: «لا أدري إن كان بمقدور المدرس إثارة نفس المستوى من الاهتمام من خلال تدريس الكيمياء أو الفيزياء داخل الفصل. عندما يقبل الأطفال على مشروع خاص بهم، يزداد اهتمامهم بالعلم». وأشار إلى أن الكثير من طلابه السابقين يعملون حاليا في معامل.

وأشار ديكمان إلى أنه سيقضي الأحد في محاولة الحصول على ميداليات الفائزين في المعرض استعداد لحفل توزيعها الأسبوع المقبل، ذلك أنه يبقى من الضروري إقامة احتفال.