ما الذي لدى العرب ليعرضوه في برلين هذا العام؟

مهرجان برلين السينمائي الدولي (3)

لقطة من الفيلم الإماراتي «سبيل»
TT

* جدل لا ينفع

* هل يعرف القارئ كم من الوقت تطلبه الحصول على بطاقتي الصحافية لكي أشاهد عبرها الأفلام وأجول بين جميع النشاطات المقامة على هامش المهرجان وبسببه؟

من حين دخولي المكتب الصحافي: دقيقة واحدة.

بعد ذلك كان علي اجتياز المسافة الواقعة بين المكتب والعرض السينمائي لأول أفلام المسابقة «نداء جانبي» التي تبلغ 3 دقائق في دقيقة واحدة إذا استطعت، فالفيلم يبدأ التاسعة صباحا، لكن لم أكن أستطيع دخوله إلا بالبطاقة الصحافية. على الطريق استوقفني صديقان من قطر يعملان في «دوحة فيلم إنستتيوت» وبين الـ«أهلا وسهلا» و«كيف الحال» طار 5 دقائق.

حين وصلت إلى العرض متأخرا 8 دقائق. طلب مني الموظف الصعود إلى الطابق الخامس من قصر المهرجان. أدركت حينها أنني سأشاهد الفيلم من البلكون، أو بلغة السينما، من «عين الصقر»، لكن هذا هو النظام إذا أتيت متأخرا.. عوضا عن الطلب منك العودة من حيث أتيت لأن الفيلم بدأ، عليك أن تتحمل الجلوس في البلكون لأن دخول الصالة الرئيسية سيشتت نظر البعض بعيدا عن الشاشة وهؤلاء أحق بالمتابعة من سواهم لكونهم وصلوا في الوقت المحدد.

خرجت بعدما شاهدت الفيلم كاملا باستثناء تلك الدقائق التي أتيح لي مشاهدتها عبر الحصول على بطاقة خاصة لعرض تجاري لاحق.

خالد المحمود شاب في الثلاثينات من عمره ولد في أبوظبي وأحب السينما وانطلق نحوها بلا حدود. تلتقي به تجده شخصا دمثا ورقيقا وتشاهد أفلامه فتكتشف أنه - أيضا- موهوب. بعد تحقيقه عددا من الأفلام القصيرة طوال الأعوام العشرة الأخيرة، حقق في العام الماضي ما يحتمل أن يكون أفضل أفلامه: «سبيل».

فيلم من 20 دقيقة يدور حول شقيقين (حسن المرزوقي وحسين محمود) يبيعان الخضار والفاكهة وزجاجات الماء على قارعة طريق عام خارج إحدى مدن الإمارات (وإن كان اسم الإمارات ليس مذكورا لكنه مفترض). في صباح كل يوم يركبان الدراجة المحملة بالصناديق وينطلقان إلى الموقع ويجلسان على كتف الطريق الصحراوي ذاك وينتظران مرور تلك السيارات القليلة التي تقصده.

في مساء كل يوم يضعان ما تبقى من البضاعة فوق تلك الدراجة النارية ويعودان إلى البيت الجبلي المنعزل حيث تعيش جدتهما العجوز طريحة الفراش. يقومان برعايتها. ينامان. في صباح اليوم التالي يعاودان فعل ما قاما به في اليوم السابق.

يؤسس المخرج لهذا الروتين الحياتي جيدا. يضع المشاهد مباشرة أمام صنو حياة تمر بطيئا على بطليها وسريعا على الشاشة من دون تناقض. الأمر الوحيد الذي تساءلت عنه حين التقيت المخرج سريعا خلال عرض سابق هو: لماذا الصمت المطبق؟ ألا يؤدي ذلك إلى قدر من التغريب غير الواقعي (طالما أن الفكرة واقعية)؟

في الرد على ذلك قال المخرج: «هذا جزء من الجو العام المقصود. لا أدري ما الذي كان سيضيفه الحوار إلى الصورة في هذا الشأن. كل شيء واضح».

كنت مخطئا في وجهة نظري وكان على حق والفيلم الآن هو أحد فيلمين عربيين فقط معروضين في نطاق المهرجان. فيلمان فقط من 14 دولة عربية أنتجت سابقا أفلاما وبينها واحدة «مصر» هي الثقل الصناعي والإنتاجي لهذه السينما. الفيلم الثاني هو 7 دقائق للمخرج اللبناني أكرم زعيتر بعنوان «غدا كل شيء سيكون على ما يرام».. 7 دقائق حول ما يعتبره المخرج: «قصة أيقونية للحب وللخسارة والشوق تتكشف من خلال تبادل الأفكار بين شخصين».

بعيدا عن الشاشة، هناك حضور عربي متمثل في بعض الشخصيات التي تداوم الحضور على هذا المهرجان دورة وراء دورة. أقول بعض لأن هناك عددا من النقاد المصريين الذين منعتهم الأحداث من الحضور أو - ربما - الرغبة بالحضور. كذلك هناك من يعيش تحت وطأة الخسارة الكبيرة التي منيت بها السينما العربية برحيل المخرج الوثائقي السوري عمر أميرالاي قبل نحو أسبوع بحيث قد لا يشعر بالرغبة في المشاركة فيما يشبه الاحتفال ولو أن الابتعاد عنه، إذا كان الحضور سهلا ومتاحا، ليس القرار الصائب أيضا.

لكن حضور هذه الشخصيات، ومعظمها من المخرجين المستقلين والنقاد والصحافيين العائشين في المهاجر، ليس التميز الذي يمكن الكتابة مطولا فيه، بل هناك نقاط ضوئية مؤكدة مجسدة في وجود مؤسسات سينمائية عربية تسعى لإثبات وجودها عالميا عن طريق هذا الاحتفال.

مندوبون من مهرجاني دبي وأبوظبي موجودون من الأيام الأولى للمهرجان. وفي حين أن متابعة الأفلام ومعايشة الأجواء جزء من عمل هؤلاء المندوبين، فإن الجزء الأهم إلى حد كبير هو المشاركة في حدث يخطف إليه الأنظار من كل أنحاء العالم السينمائي حاليا بما في ذلك الترويج لكل مهرجان (وكلاهما يتنافسان على تبوء الأهمية الأولى في العالم العربي) والالتقاء مع سينمائيين وإبرام اتفاقات وعقود.

كذلك فإن وفدا من «مجلس الفيلم الأردني» سيصل خلال الساعات القليلة المقبلة، وحضوره يهدف إلى تعزيز وجود الأردن على الساحة السينمائية. فالدولة أنجزت خلال السنوات القليلة الماضية وثبات ملحوظة وأكيدة بدأت بإنتاج «الكابتن رائد» وشملت إنتاج أفلام قصيرة ثم فيلم روائي ثان هو «مدن ترانزيت» ونجحت في جذب هوليوود وأوروبا إليها من جديد كمكان لتصوير الأفلام العربية.

في ذلك، تتنافس الإمارات ومصر والمغرب مع غياب للدول الأخرى في هذا الإطار، إما لعدم وجود أرضية إنتاجية تؤمن ما يطلبه السينمائيون الغربيون من معدات وخبرة، وإما بسبب أوضاع سياسية وأمنية غير مواتية، كما الحال في الجزائر ولبنان ومصر، وهذه الأخيرة بسبب الأحداث الأخيرة حاليا، وإن كان التصوير هناك مقيدا أيضا بقوانين غير جاذبة للرأسمال الأجنبي.

إلى ذلك، هناك مجموعة من 5 مخرجين إماراتيين (أو يعملون ويعيشون في الإمارات) آتون من أبوظبي تبعا لبرنامج تشرف عليه «الهيئة العامة للثقافة والتراث» يستحق نظرة أوفى في وقت لاحق.

كذلك، فإن المهرجان مناسبة للإعلان عن صدور أول عدد من «فاراياتي أرابيا»، المجلة الشقيقة لـ«فاراياتي» المعروفة دوليا على أساس أنها مرجع السينمائيين إنتاجا وتوزيعا وتسويقا. المجلة تصدر من دبي بفريق عمل عربي وأميركي وباللغتين.

* فيلم اليوم Margin Call «نداء جانبي»

* إخراج: ج. شاندور

* تمثيل: كفن سبايسي، بول بيتاني، جيريمي آيرونز، سايمون بايكر

* دراما / الولايات المتحدة / المسابقة

* حين قام المخرج أوليفر ستون بتحقيق فيلم «وول ستريت: المال لا ينام» الذي عرضه مهرجان «فانيسيا» قبل أكثر من عام، مزج رغبته في التعليق الاجتماعي على الانهيار الاقتصادي لعام 2008 بالرغبة في العودة إلى أحد أكثر أفلامه نجاحا (خرج الجزء الأول سنة 1987) على عادة مخرجين آخرين نراهم ينهلون من ماضيهم لأجل إحياء حاضرهم، خصوصا إذا ما كان الحاضر متعثرا. محاولة ستون «فاتت بالحيط» كما يقولون لأن الفيلم في نهاية أمره كان تلميعا لشخصياته والكم النقدي الذي فيه لم يخرج عن نطاق عرض عام لما بات منتشرا.

هذا لا يحدث في فيلم ج. شاندور الروائي الأول هذا لحسن الحظ.. المخرج القادم من خلال تحقيق الدعايات التلفزيونية، والذي لم يسبق له الوقوف وراء كاميرا فيلم روائي طويل من قبل، ينجز عملا صادقا يدور في نطاق النظام الاقتصادي الأميركي وكيف يدار ومن يدفع ثمنه من خلال حكاية تقع معظم أحداثها داخل مؤسسة مالية ضخمة (وغير مسماة) قائمة على البيع والشراء والحضور الحثيث للبورصة. مشاهده غالبا محصورة وحواراته دقيقة وتمثيله مشبع بلقطات محددة تضع المتحاورين في مواجهات تتناغم وتتعارض على نحو مستمر، حول أزمة انفجرت داخل المؤسسة بحيث بات عليها أن تبيع كل معاملاتها لأول ولكل من يشتري، في مواجهات.

سام روجرز (كفن سبايسي) يعمل مدير مبيعات هذه المؤسسة الذي عمل فيها لـ34 سنة ويتمتع بثقة رئيس مجلس إدارتها (جيريمي آيرونز) الذي يعقد اجتماعا طارئا لكبار الموظفين (وبعض الصغار منهم أيضا) للوقوف على حجم الأزمة الناتجة عن اكتشاف أن موجودات الشركة بولغ في تقديرها بحيث إنه إذا ما انتشر الخبر تهاوت وفقدت مصداقيتها.

طريقة الخروج من الأزمة هو بيع العقارات والأسهم والممتلكات بأسرع وقت ممكن. بين مطلع دوام العمل وموعد الغداء، كما يوصي الرئيس، مدركا أنه مع حلول الساعة الثانية بعد الظهر تكون مشكلات الشركة انتشرت وبات البيع مستحيلا.

لجانب كفن سبايسي وجيريمي آيرونز (وهما كافيان سببا لمشاهدة الفيلم) هناك أداء مفعم من أسماء جديدة نوعا ما، وأخرى متجددة: سايمون بايكر وبول بيتاني وزاكري كوينتو في النطاق الأول، وديمي مور وماري مكدونل في الثاني. المخرج شاندور لا بد أنه جلس مع ممثليه طويلا لكي يضمن أنه سيستخرج من كل واحد ما هو مناسب للفيلم وليس ما هو مناسب للممثل، وأنجز ذلك جيدا. من ناحيته، فإن مدير التصوير فرانك ديماركو، الذي من بين أفلامه الحديثة «جحر الأرنب» مع نيكول كدمان وآرون إيكهارت، حرص على منح لقطاته ذلك الحيز المطبق على الوجوه والأماكن. بما أن معظم التصوير داخلي، فإن المكاتب والغرف تؤدي دورا مهما في تثبيت البعد المرغوب: اللون الزرقاوي والرمادي واللقطات العالية المشرفة على المدينة النائمة تمنح الفيلم كل الخلفية الفنية المطلوبة.

تعليق المخرج على الوضع الاقتصادي الأميركي يتم من دون إعلانات وجود، وبلا عناوين كبيرة الأحرف، ولا حتى ذلك القدر من الاستعراض الذي نراه عادة في أفلام كثيرة أخرى تستنجد بالمؤثرات الدرامية المجانية كلما شعرت بأن المطروح لا يكفي. المؤكد أن شاندور واثق من نفسه ووسيلته وأنه استمد المزيد من هذه الثقة حال التفاف ممثلين مشهود لهم بالموهبة المتقنة والمتأنية حوله فيما يشبه التأييد لما يريد طرحه وللكيفية التي يريد إيصال هذا الطرح بها.

* سنوات برلين: 1978

* هذه كانت أول دورة من دورات هذا المهرجان العتيد التي تقام في شهر فبراير (شباط) عوضا عن موعده السابق في ربيع السنة. بذلك تم تحقيق دورتين كبيرتين في 9 أشهر بعدما كتب رئيس المهرجان وولف دونر إلى مجلس المستشارين مناشدا الموافقة على هذه النقلة التي أريد لها أن تبتعد عن السقوط في الحيز الضيق بين مهرجاني «كان» و«فنيسيا».. فكان له ما أراد. افتتح فيلم جون كازيفيتيز «ليلة الافتتاح» الدورة الثامنة والعشرين واختتمها ستيفن سبيلبرغ بفيلمه «لقاءات قريبة من النوع الثالث»، وما بينهما مرت أفلام كثيرة استحقت الاهتمام ولا تزال لليوم لكون معظمها لمخرجين ما عدنا نسمع عنهم رغم أن الكثيرين منهم ما زالوا أحياء. من هذه الأفلام:

«سنوات أبي السعيدة» لساندور سيمو - المجر.

«ليلة مليئة بالمطر» للينا فرتمولر - إيطاليا.

«راينغولد» لنيكولاس شيلينغ - ألمانيا (الغربية آنذاك).

«مثير للغضب» لرتشارد برنر - كندا.

«لاعبا الشطرنج» لساتياجيت راي - الهند.

رابح الدب الذهبي كان الفيلم الإسباني «تراوت» لجوزي لويس غارسيا سانشيز، وفي نطاق التمثيل الرجالي كريغ راسل عن «مثير للغضب»، وفازت جينا رولاندز بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم زوجها جون كازافيتيز «ليلة الافتتاح».