خطر الـ«فيس بوك» على الدولة والمواطن

من واقع افتراضي إلى واقع على الأرض

خلال الأحداث الأخيرة التي شهدتها مصر برز دور موقع «فيس بوك» على سطح الأحداث في عدة محاور
TT

في ذكرى تأسيسه السابعة، تحول موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، الذي أطلقه مارك زوكربيرغ وزملاؤه في فبراير (شباط) من عام 2004، من مجرد موقع إلكتروني للتواصل والتعارف بفضاء الإنترنت الافتراضي.. إلى موقع اتصال وتنظيم وآلة إعلامية جبارة قوامها نحو 600 مليون مستخدم حول العالم، تفرض بذاتها وبناشطيها أحداثا فارقة على أرض الواقع.

وتنامى استخدام الموقع في الوطن العربي بدرجة مذهلة، إذ ارتفع عدد المستخدمين، بحسب تقرير لوكالة «رويترز» الإخبارية في 7 فبراير الحالي، من 11.9 مليون مستخدم في يناير (كانون الثاني) 2010 إلى 21.3 مليون في يونيو (حزيران) من العام نفسه، بنسبة نمو بلغت 78 في المائة في عام واحد فقط.

وخلال الأحداث الأخيرة التي شهدتها مصر منذ 25 يناير الماضي برز دور موقع «فيس بوك» على سطح الأحداث في عدة محاور، إذ انه كان إحدى أدوات الاتصال الرئيسية بين المتظاهرين، مع موقع «تويتر».. حيث استخدموه لبث دعواتهم للتظاهر، إضافة إلى التنسيق بين المجموعات وتحديد أماكن بداية الفعاليات.

يقول خبير التقنية عمرو عبد السلام إن «هذا الدور هو الذي دفع الحكومة المصرية إلى منازلة الشباب في حلبة لا ناقة لها فيها ولا جمل، وذلك بمحاولة الحكومة التشويش على الموقع وحجبه عن المستخدمين في مصر، وهي المحاولة التي منيت بفشل ذريع أدى إلى غلطة حكومية بالغة بحظرها لشبكة الاتصالات بأكملها في مصر لمدة 5 أيام».

وعلى محور مواز، عمل «فيس بوك» كواجهة إعلامية بديلة، يتابع من خلالها الشباب كل ما يحدث من تطورات على ساحة الأحداث، بعد أن فقد هؤلاء الشباب ثقتهم في مصداقية الإعلام الرسمي المصري، الذي قالوا إنه ينقل صورة «حكومية» مخففة للأحداث.. أو للإعلام الفضائي الخاص، الذي تشككوا في صدقه أيضا عقب اتهامات طالته بمحاولة تضخيم الأحداث وبلبلة المجتمع المصري، لصالح جهات خارجية.

ويؤكد الناشط عمرو سالم أنه «بعد عودة الإنترنت للعمل، شارك الملايين من كل أرجاء مصر في إمداد المواقع الإلكترونية، وعلى رأسها (فيس بوك)، بمواد فيلمية وصور وتقارير صحافية عن الأحداث. كما أسهمت التعليقات اللحظية للمشاركين في المظاهرات في نقل الحدث لحظة بلحظة بمصداقية عالية فاقت نسبتها 90 في المائة، ولا اقول تامة، حيث ان بعض الأخبار كان مبالغا فيها أو مغلوطة بطبيعة الأحوال.. إلى درجة أن العديد من القنوات والمواقع الإخبارية ووكالات الأنباء كانت تستقي معلوماتها من خلال مواقع التواصل».

دور آخر لا يقل أهمية لعبه وما زال يلعبه «فيس بوك»، وهو دور اللجنة الوطنية للإصلاح، إذ ان الموقع أصبح ساحة مفتوحة لكل الآراء الهادفة إلى توحيد المطالب السياسية والاجتماعية للمصريين.. كما أن فضاء الإنترنت اللانهائي يوفر بديلا افتراضيا لاستيعاب جميع الآراء والاقتراع حولها. وقد لوحظ بشدة هذا الدور في متابعة ملايين الشباب لآراء الخبراء والشخصيات العامة والكثيرين ممن يحوزون ثقتهم مثل الناشط وائل غنيم والدكاترة محمد البرادعي وأحمد زويل وأيمن نور، وحتى قيادات الإخوان المسلمين.

وعلى الجانب الاقتصادي، لم يفت الناشطين الانترنتيين القيام بدور داعم من خلال «فيس بوك»، وذلك بإطلاقهم دعوة لإنقاذ البورصة المصرية من الانهيار الوشيك الذي يهددها، بعد فقدانها نحو 70 مليار جنيه في الفترة الماضية، عبر شراء بعض الأسهم بقيمة 100 جنيه في محاولة لإعادة التوازن المفقود.

ولم يترك ملايين المصريين المعروفين بخفة ظلهم الفرصة تفوتهم، إذ تحول الموقع إلى مدونة ساخرة عظمى، تنتقد بكل الوسائل من نكات أو كاريكاتيرات أو مقاطع فيديو وصور ممنتجة، ببرامج مثل «فوتوشوب»، الأوضاع القائمة على المستويات كافة.. حتى ان بعض المحللين السياسيين أطلق على ثورة الشباب «ثورة فيس بوك». وعلى عكس ما يحدث في دول عربية أخرى، لا يبدو حتى الآن أن «فيس بوك» في لبنان يستخدم كأداة ثورية، أو أن له تأثيرات سياسية تذكر. وأكد غالبية الشباب الذين سألتهم «الشرق الأوسط» أنهم يعتبرون «فيس بوك» مجرد شبكة اجتماعية تصلهم بأصدقائهم وتسهل عليهم إعلامهم بموعد لقاء ما أو حفلة أو نشاط اجتماعي ما.

ويقول سمير، الطالب الجامعي في كلية الإعلام الذي بدأ ممارسة مهنة الصحافة، وله أكثر من 700 صديق على صفحته الـ«فيس بوكية»، إن مشاركة الشباب اللبناني السياسية في الأساس، إن وجدت، تكاد تقتصر على تأييد زعيم الطائفة، في غياب الكلام على مبادئ سياسية وطنية جامعة. ويضيف سمير: «صحيح أن لكل زعيم صفحة أو أكثر على (فيس بوك) وللأحزاب صفحاتها أيضا، لكن هذا عمل الدوائر الإعلامية الحزبية، وبالتالي جزء من الدعاية التي تقوم بها الأحزاب للترويج لنفسها، وتجد صدى عند البعض، ولا مبالاة الغالبية الساحقة».

هذا ما يؤكد عليه نعيم أيضا، طالب إدارة الأعمال في «الجامعة الأميركية» الذي يرفض أن يعتبر استخدامه لـ«فيس بوك» متعلقا بأي غرض محدد، قائلا إنه وسيلته الفضلى للتواصل مع الأصدقاء الـ900 الذين أضافهم على صفحته، ولتحديد مواعيد لقاءات شبابية وحفلات طلابية. وحين نسأله عن ميوله السياسية وإن كان يعبر عنها على «فيس بوك» يقول: «الناس مش فاضية لهذه القصص. هناك من يؤيد هذا الزعيم أو ذاك. وثمة كلام قذر يتبادله بعض الحزبيين على صفحاتهم. أما الغالبية فقد حفظت الدرس الممل: هذا مع إيران وذاك مع أميركا. ما يهمني أن ألعب، أتواصل، أنزل صورا، أتسلى وأستمتع». لا تنكر نادين، وهي طالبة في كلية الهندسة، الجامعة اللبنانية، أن ثمة وجوداً لمتعصبين ومتشددين ينتمون إلى أحزاب بعينها على «فيس بوك»، يحاولون فرض رؤيتهم بطرق منفرة، لكن هؤلاء لا يشكلون قوة مؤثرة. وتتحدث نادين عن الأخبار التي كان يتناقلها الشباب على صفحاتهم أثناء الأحداث التي عصفت بلبنان في السنوات الأخيرة، حيث ان الكل كان يكتب عن الأحداث التي تدور في منطقته ويعلم بها الآخرين. وتضيف «أما فيما يخص أحداث مصر فقد كان الشباب اللبناني منقسما في البداية ثم لاحظت تعاطفا كبيرا مع المتظاهرين».

سمير يحاول أن يشرح لنا أن الأهمية الكبرى لـ«فيس بوك» في لبنان هي أنه يساعد كثيرا في تطوير عمل المجتمع المدني التطوعي. الجمعيات والهيئات التي تدافع عن قضايا اجتماعية معينة، نسائية، طفولة، مخدرات أو السير وربما البيئة، كلها نشطة جدا على «فيس بوك» ولها من المناصرين المتحمسين الذين يمكن الاعتماد عليهم. ويضيف سمير: «لنقل إن (فيس بوك) في لبنان هو متنفس إعلامي للمجتمع المدني الشاب. فهو مكان مجاني للإعلان والتواصل، خاصة أن بعض المواقع المدنية بات لها عشرات الآلاف من الأصدقاء. فأنا شخصيا عندما أكتب مقالة وأنشرها في وسيلة إعلامية غير مقروءة، أضعها على صفحتي، وهناك نحو 70 ألف شخص يقرأون لي باستمرار».

ويضحك وهو يقول، «من خلال علاقاتي على (فيس بوك) وجدت عملا في أحد التلفزيونات اللبنانية، وأنشر مقاطع من روايتي الجديدة وأتلقى عليها نقدا وتعليقات».

كل الشباب الذين تحدثنا معهم، أجمعوا على أن وضع لبنان يختلف تماما عن بقية الدول العربية، فحرية التعبير موجودة، ولا يوجد سطوة لأجهزة أمنية أو مخابراتية تمنع الناس من التعبير في الشارع أو الوسائل الإعلامية. أثناء حرب إسرائيل على لبنان عام 2006 لعب «فيس بوك» دورا لإيصال معاناة اللبنانيين إلى العالم، لكن عدد المستخدمين كان لا يزال محدودا. الحادثة الوحيدة السياسية التي يعرفها اللبنانيون وتتعلق بـ«فيس بوك» هي شتم اثنين من المشتركين اللبنانيين لرئيس الجمهورية، ثم تشكلت مجموعات للدفاع عنه، والقبض على الشابين لفترة قصيرة ومن ثم إطلاق سراحهما.

وجدير بالذكر أن دراسة كانت قد أجرتها «الدولية للمعلومات» مؤخرا حول مستخدمي «فيس بوك» في لبنان أظهرت أن عددهم شهد ارتفاعا سريعا من 640 ألف مستخدم في يناير 2010 ليصل إلى 983143 في يونيو (حزيران) من نفس السنة، وأن 47 في المائة من المستخدمين تقل أعمارهم عن 24 عاما. علما بأن عدد سكان لبنان يقدر بأربعة ملايين نسمة، أي أن ربع الشعب اللبناني يوجد على «فيس بوك».

وبحسب المستطلعين في لبنان، فإن 85 في المائة يستخدمونه للتواصل مع الأصدقاء، و57 في المائة لإقامة علاقات اجتماعية، و48 في المائة للتسلية.

وفي الخليج، وبالتحديد في السعودية، ما زال «التعارف» يمثل الهدف الأساسي الذي من أجله يقضي السعوديون ساعات طويلة على الموقع الاجتماعي الشهير «فيس بوك»، غير أنه في الآونة الأخيرة باتوا يتابعون من خلاله أخبار الثورة المصرية أولا بأول في ظل وجود مجموعات عديدة خصصت لها مساحات تبث عبرها مقاطع مصورة من داخل أرض الحدث.

فهد القحطاني، يرى أن من أبرز سلبيات موقع «فيس بوك» سهولة استخدامه في التحريض على الإضراب أو التظاهر لمساندة أو مهاجمة أنظمة سياسية معينة، ولا سيما أن مثل تلك الحملات عادة ما تلاقي أصداء كبيرة على صفحات الموقع، إلى جانب احتمالية انتقالها إلى أرض الواقع بسهولة. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «استطعت من خلال موقع فيس بوك التواصل مجددا مع علاقات قديمة انقطعت منذ سنوات طويلة، من ضمنها علاقتي بأصدقاء الطفولة، فضلا عن سهولة التواصل مع أصدقاء الدراسة ممن يوجدون في الخارج».

وأشار إلى وجود مجموعة من المستخدمين يقومون بحملات مناهضة لتأييد أو معارضة سلوكيات وظواهر اجتماعية كثيرة، تلقى تفاعلا كبيرا وتحقق أهدافها المرجوة، خصوصا أن «فيس بوك» يضم عددا كبيرا جدا من المشتركين. ولفت إلى أن بعضا من المشتركين في الموقع يبحثون عن تكوين علاقات وصفها بـ«غير النظيفة»، غير أن «فيس بوك» قد يكون وسيلة إيجابية لطلاب وطالبات الجامعات من حيث القيام باستفتاءات متعلقة ببحوث أو دراسات والاستفادة من الموجودين على اختلاف فئاتهم العمرية والاجتماعية في ذلك.

مسألة انتحال شخصيات المشاهير عبر موقع «فيس بوك» باتت منتشرة وبكثرة، مما يجعل الكثير من المستخدمين يتجنبون التواصل مع تلك الشخصيات عن طريق هذا الموقع خشية الوقوع في فخ «المقالب»، فضلا عن وقوع المشاهير في حرج جراء ما يتم وضعه من غيرهم على ألسنتهم في صفحاتهم الوهمية.

وفي الوقت ذاته، شهد موقع «فيس بوك» انضمام العديد من الوزراء والمسؤولين السعوديين إليه من أجل الاستماع المباشر لكل ما يتعلق بالجمهور، من ضمنهم الدكتور عبد العزيز خوجه وزير الثقافة والإعلام، والدكتور محمد العيسى وزير العدل، والمهندس عادل فقيه وزير العمل، إلى جانب خالد التويجري رئيس الديوان الملكي وسكرتير خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حيث نشر مؤخرا عبر صفحته الشخصية خبر انتحال أحدهم لشخصيته في الموقع، مطالبا الكل بمساعدته في إشعار إدارة الموقع بهذا الأمر.

وهنا، علق فهد القحطاني قائلا: «أبتعد تماما عن التواصل مع أي شخصية مشهورة أو مسؤولة في (فيس بوك) لعدم ثقتي بصحة وجودها أصلا، ولا سيما أن الكثيرين باتوا يفعلون هذا الأمر».

واستطرد في القول: «يتيح لنا الموقع مزايا عديدة للتحكم في خصوصية ما نضعه من صور ومعلومات وغيرها، حيث إنني أقوم بتقسيم قائمة أصدقائي إلى فئات معينة ليتسنى لي تصنيفهم والسماح لبعضهم بالوصول إلى كل ما أنشره عبر صفحتي ومنع الآخرين»، مبينا وجود أشخاص يستطيعون اختراق تلك الخصوصية إلا أنه لم يتعرض لمثل هذه المواقف من قبل.

بينما بدأ عبد الرحمن بن طشة في استخدام «فيس بوك» كوسيلة إخبارية لمتابعة كل ما يحدث في الوسط العربي بعد أن كان وجوده على الموقع لمجرد التواصل مع أصدقائه ومن يعرفهم فقط، موضحا أن هذا الموقع يحوي الكثير من فئات المجتمع الإيجابية والسلبية على حد سواء من إرهابيين ومتشددين وغيرهم.

وأضاف: «أصبح (فيس بوك) في الآونة الأخيرة بالنسبة لي مصدرا للأخبار، خصوصا فيما يتعلق بأحداث مصر، حيث أصبحت أخصص من وقتي يوميا نحو ساعتين لمتابعة ما يدور هناك عبر مقاطع الفيديو والصور الموجودة بالموقع». وأرجع سبب متابعته لما يتم نشره من أخبار على موقع «فيس بوك» إلى أسباب عديدة تتضمن عدم وجود وقت كاف للجلوس أمام شاشة التلفاز، إلى جانب الرقابة المفروضة على بعض القنوات الفضائية في تغطية مثل هذه الأحداث، في حين يتم ذلك عبر الموقع من قبل أشخاص موجودين في أرض الحدث.

وحول مدى نجاح الحملات التي يشهدها موقع «فيس بوك»، يؤكد عبد الرحمن بن طشة على ذلك، قائلا: «من السهل جدا نجاح هذه الحملات في ظل وجود أعداد كبيرة جدا من المشتركين يتم من خلالهم نشرها في وقت سريع أيضا»، مشيرا إلى أن سلبيات وإيجابيات الموقع تتحدد بحسب ميول كل شخص والهدف الذي يجعله يوجد من أجله.

نسرين عبد الله، إحدى الموجودات بصورة دائمة على صفحتها الشخصية بـ«فيس بوك»، وذلك بهدف حصولها على آخر الأخبار بشكل سريع من الأفراد الموجودين بالموقع، كل بحسب تخصصه ـ بحسب قولها، ذكرت أن انفتاح الموقع قد يشكل خطرا على فئة المراهقين والمراهقات تحديدا من حيث التغرير بهم وإقناعهم بالانضمام إلى جماعات مشبوهة كالإرهابيين والمعارضين وغيرهم، لافتة إلى أن الحملات الـ«فيس بوكية» استطاعت أن تظهر ثقافة «التظاهر» في بلدان عربية لم تكن تشهد تلك الأحداث من قبل.

وزادت: «في المقابل، فإن هناك حملات تهدف إلى إيصال أصوات إلى مسؤولين معينين، غير أنها لم تنجح نتيجة عدم إيمان هؤلاء المسؤولين بهذه الحملات، الأمر الذي لم يثمر عن تغيير أي قرارات يرغب الناس في تغييرها، وإن كانت بسيطة».