باريس تكرم أندريه بوتمان مصممة أثاث طائرة كونكورد

«معرض استعادي» في مبنى البلدية للمهندسة الثمانينية التي بدأت شهرتها من نيويورك

صالة استحمام من تصميم بوتمان («الشرق الأوسط»)
TT

«كل شيء عن أمي» هو عنوان المعرض الذي تستضيفه قاعات مبنى بلدية باريس هذه الأيام، والمكرس لمهندسة التصميم الفرنسية أندريه بوتمان، المرأة المثيرة للدهشة على الرغم من أنها بلغت أواسط العقد التاسع من العمر. وكما يشير إليه العنوان، فإن صاحبة الفكرة أو المساهمة الرئيسية في المعرض هي أوليفيا بوتمان، الابنة التي فتحت خزائن ذاكرتها وكشفت عن علاقة فريدة بينها وبين والدتها التي جاءتها الشهرة بعد أن وضعت بصماتها على التصاميم الداخلية لفندق «مورغانز» في نيويورك.

في ملصق المعرض الذي يستمر حتى 26 من الشهر الحالي، تطالعنا صورة بالأبيض والأسود لبوتمان وهي تبتسم ابتسامتها الماكرة وترمق عدسة الكاميرا من خلال عدسة مقربة تضعها لصق عينها، مثل صائغ يكشف كنه حجر كريم. وهو «معرض استعادي»، أي يمر بمشط ناعم على جميع مراحل الحياة ويقدم نماذج وافية من أعمال فنانة برعت، في وقت مبكر، في ميدان كان مفتوحا للرجال يومذاك. لكن لغز أندريه بوتمان لا يكمن، بالكامل، في تصاميمها، بل في شخصيتها التي لا يمكن فصلها عن فك رموز إبداعها. وكما تقول ابنتها: «إن أول أعمال والدتي هو هي ذاتها». وتضيف أنها عندما كانت مراهقة، فإن لقاءاتها بأمها لم تكن تجري على مائدة الفطور، في البيت، بل في مراقص زمن الستينات والسبعينات الماضية، خصوصا «بالاس»، النادي الليلي الذي كان ملتقى الفنانين والمبدعين في ميادين التصميم والرسم والغناء والأزياء والسينما وبؤرة خرجت منها الكثير من التجارب والصرعات الجريئة. وفي حين كشف نجل المصممة، في كتاب نشره قبل سنوات، أنه كان مدمنا للمخدرات، في محاولة قد تلقي التبعات على انشغال الأم بعملها ورحلاتها، فإن شقيقته تؤكد أن القيم الإنسانية التي نقلتها لهما والدتهما كانت أهم من أن تقف في المطبخ لكي تعد لعائلتها طبقا من الأطباق الفرنسية الشائعة.

هناك نساء لا يمكن للمرء أن يخطئ في التعرف عليهن إذا صادفهن في شوارع باريس، ومنهن مصممة الأزياء سونيا ريكيل ذات الشعر الأحمر المميز، والممثلة القصيرة ميمي ماتي، والروائية إميلي نوتومب، وطبعا المهندسة أندريه بوتمان.. إن بشرتها البيضاء الثلجية تدل عليها، بالإضافة إلى بذلاتها الرجالية الضيقة والخصلة الشقراء التي لا تستقر على جبينها. وإذا بقيت ذرة من شك، يكفي الاستماع إلى صوتها الأجش بفعل عقود من تدخين سجائر «الجيتان» الفرنسية الشعبية. وبموازاة مظهرها، لا يمكن للمشاهد العارف أن يخطئ عملا من تصاميمها، منذ أن تولت تصميم جوف طائرة الكونكورد الشهيرة، إلى الأرضيات التي يتداخل فيها الأسود والأبيض، مثل رقع شطرنج فسيحة، وصالات الاستحمام ذات المغطس الواقف على أربع كرات، وصولا إلى آلة البيانو السوداء ذات الجناح المقصوف الموجودة في صالة «بلييل» للموسيقى، في باريس.

لا يتضمن المعرض صورا لتلك الأعمال فحسب، بل تم تحوير قاعة القديس يوحنا في القصر التاريخي للبلدية لكي تستقبل نماذج بالحجم الطبيعي للصالونات التي صممتها بوتمان على امتداد أكثر من نصف قرن، مع خرائطها الأصلية. إنها تصاميم تعكس الولع الشديد بلعبة التضاد بين الأبيض والأسود، عاكسة أجواء تعيدنا إلى أرضيات المطاعم والمطابخ المنزلية، في السنوات الخوالي، والمرصوفة ببلاط متعاكس، مع جدران أشبه بلوحات هندسية ذات مربعات صغيرة متداخلة بشكل يسبب التباسا في الرؤية. ومن مجمل هذه المربعات انبثق أسلوب لقي نجاحا، بحيث إنه صار موضة زمانه.

في أوائل ثمانينات القرن الماضي، عندما تسلم الوزير الاشتراكي جاك لانغ حقيبة الثقافة، طلب من أندريه بوتمان أن تعيد تصميم مكتبه في الوزارة بشكل حديث يشكل ثورة على الأثاث الفرنسي التاريخي والتقليدي في مباني الدولة. وعلى الرغم من تقدمها في السن، ظلت المصممة العجوز تعمل وتشرف على مكتبها إلى سنتين ماضيتين. لكن ابنتها تقول إنها «تعبت وتريد أن ترتاح» من الطائرات والاجتماعات وزيارة ورش العمل. وتتولى الابنة، حاليا، إدارة الشركة العائلية والمكتب الذي يحمل اسم «الستوديو»، بعد أن تدربت تحت إشراف والدتها خلال السنوات الماضية. ومن التصاميم التي شاركت فيها: مجموعة عوينات طبية لشركة فرنسية شهيرة، وسكين مطبخ لشركة أخرى، وأكواب لقهوة ذائعة الصيت.