علماء ألمان يلونون المواد الصناعية بغاز ثاني أكسيد الكربون

يستخدمون الغاز لإنتاج أنسجة مضادة للبكتيريا

TT

وضعت الحكومة الألمانية عام 2018 موعدا لشركات إنتاج الطاقة من الفحم لإيجاد طريقة ما لتقليص انطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون إلى النصف، وبالتالي التخلص من ملايين الأطنان من الغاز الذي يرفع درجات حرارة الأرض ويؤثر في طبقة الأوزون.

ورغم قناعة وزير البيئة الاتحادي، نوربرت روتغن، بأن شركات الفحم ستنجح في مساعيها هذه خلال 8 سنوات، وذلك بعد زيارة ميدانية أداها لمحطات إنتاج الطاقة من الفحم، فإن العون سيأتي من جهات علمية أخرى مثل معهد فراونهوفر المشهور في أوبرهاوزن (غرب).

إذ أعلن معهد فراونهوفر للتقنية البيئية عن نجاح العلماء في استخدام الغاز الضار بالبيئة لحماية البيئة نفسها بعد تحويله إلى طلاء للمواد الصناعية أو إلى مادة لونية لصبغ المواد البلاستيكية الرئيفة بالبيئة.

وذكر الباحث مانفريد رينر من معهد فراونهوفر أن القسم الذي يترأسه استفاد من نفس خواص الغاز الضار بالبيئة لتطوير طريقة جديدة لحماية البيئة به. فذرات غاز ثاني أكسيد الكربون معروفة بشدة امتصاصها للأشعة فوق الحمراء، وهذه الخاصية هي المسؤولة عن ظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة. ومن لا يعرف أن ازدحام أي مكان بالناس يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة المكان؟

الخاصية الثانية للغاز هي أنه يمكن تحويله إلى مذيب عند تسليط ضغط عال جدا عليه، وهو ما فعله العلماء في أوبرهاوزن. وتمكن العلماء مختبريا من استخدام الغاز المضغوط، أي في حالته السائلة، لصبغ المواد البلاستيكية الرئيفة بالبيئة وطلاء المواد المختلفة بطبقة مضادة للجراثيم وخصوصا للبكتيريا.

عمل الباحثون على وضع المواد الصناعية المختلفة في أسطوانات تحتوي على غاز ثاني أكسيد الكربون في حالته السائلة. ثم عملوا على رفع الضغط عليه تدريجيا، ورفع درجة حرارته تدريجيا أيضا، وصولا إلى حالة ما فوق الحرجة التي حولته إلى مادة مذيبة.

وحسب معطيات رينر، فإنهم رفعوا الضغط على الغاز إلى 170 بارا، أي 170 مرة ضعف الضغط الجوي الطبيعي، فتحللت المواد اللونية المضافة إلى الأسطوانات وذابت في غاز ثاني أكسيد الكربون السائل. تسلل بعدها اللون إلى الطبقة الرقيقة العليا من المواد الصناعية (مثل البلاستيك)، التي أدخلت إلى الأسطوانات، وبقي ثابتا هناك.

المفاجئ في عملية التفاعل هو أن الغاز، بعد رفع الضغط عنه، يتسرب من المواد الصناعية المصبوغة إلى الأسطوانة مجددا، لكنه يترك لونا ثابتا لا تمكن إزالته من على سطوح المواد. واتضح أن المواد اللونية، سواء كانت مساحيق أو سوائل، تتحول بتأثير ثاني أكسيد الكربون إلى بوليمرات تتحد مع ذرات الطبقة العليا من المواد المختلفة. عملية التفاعل، أي زيادة الضغط والتلوين، لا تستمر أكثر من بضع دقائق، لكنها تخلف لونا لا يزول.

وفي تقدير الباحث فإن استخدام غاز ثاني أكسيد الكربون في تلوين المواد بالألوان الثابتة يمتلك مستقبلا كبيرا، لأن الغاز غير سام، رخيص ولا يحترق. وهذا، كمثل، يجعله مثاليا لتلوين لعب الأطفال والأجهزة الطبية وقطع أثاث المستشفيات..إلخ. كما أنه من الواضح أن غاز ثاني أكسيد الكربون كمادة صناعية تستخدم في الصبغ، في صبغ السيارات كمثل، يحتوي على المواد الصناعية الضارة والأخرى المتطايرة أقل بكثير مما تحتويه مختلف المواد المذيبة المستخدمة في إنتاج الألوان.

وفي تجربة أخرى أضاف العلماء مادة البولي كربونات وشيئا من الجزئيات النانوية إلى أسطوانات الغاز ونجحوا بذلك في طلاء مختلف المواد، مثل أكر الأبواب وحديد الأسرّة في المستشفيات، بطبقة قاتلة لبكتيريا إي - كولي التي تعتبر المسؤولة عن التلوث في معظم مستشفيات العالم. وهذا ليس كل شيء لأن هذه العملية تعد أيضا بتلوين الملابس والأنسجة المختلفة بالألوان الثابتة وبالمواد المضادة للالتهابات.

ويتصور رينر إمكانية تلوين العدسات اللاصقة باستخدام غاز ثاني أكسيد الكربون، كما يمكن خزن الأدوية داخل كرات نانوية في العدسة تدفع الدواء باستمرار إلى العين الملتهبة. وهذه التقنية قد تجعلها بديلة لقطرت العين التي تستخدم لمعالجة كدر العين كمثل.

اتضح لمانفريد رينر وفريق عمله أيضا أنه ليس كل المواد الصناعية مؤهلة لكسب اللون أو الطبقة العليا المضادة للبكتيريا باستخدام الغاز السائل. لكن الطريقة نجحت، مع ذلك، مع شريحة عريضة من المواد الصناعية المستخدمة اليوم في الصناعة، بين لعب الأطفال والكومبيوتر، مثل النايلون والبلاستيك الذي يتحمل الحرارة والبولي بروبلين والبولي كربونات.

(صورة خاصة بمعهد فراونهوفر)