«وادي حنيفة» يحتل المركز الثاني بين متنفسات الرياض

يخترق العاصمة السعودية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب

«وادي حنيفة» أصبح مقصدا ترفيهيا مميزا لسكان الرياض (تصوير: خالد الخميس)
TT

أُضيف «وادي حنيفة»، الذي يحاكي شيئا من التاريخ السعودي القديم، لقوائم المتنفسات الخاصة بأهالي الرياض، وجاء ثانيا بعد متنزهات الثمامة، التي تحتل مكانا مهما في حياة أهالي العاصمة.

«وادي حنيفة»، الذي يشق مدينة الرياض إلى نصفين بطول نحو 80 كيلومترا، شهدت ضفتاه حضورا لافتا طيلة الأيام الماضية، لا سيما في نهاية الأسبوع، من قبل المواطنين والمقيمين، لما يوفره الوادي من مناظر جمالية، كونه يعد أكبر متنزه بيئي مفتوح في المنطقة، وامتيازه بتعدد المواقع التي يمكن للزائر أن يرتادها، ولامتداده الطولي الكبير، حيث يخترق الرياض من شمالها، ويمتد متغلغلا بين أحياء العاصمة، لينفذ من الطرف الجنوبي لها.

ولأن كل مدينة تفاخر بما توفره طبيعتها من مواقع تهيئ لسكانها الاستمتاع بقضاء أوقاتها فيها، فحُقَّ للرياض أن تفاخر بواحد من أبرز معالمها، والذي قامت الهيئة العليا لتطوير المدينة بعمليات تطوير وإعادة تأهيل شاملة له، ليصبح بحق، رئة الرياض.

وكان الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، رئيس الهيئة العليا لتطوير المدينة، قد تسلم في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، جائزة الأغا خان العالمية للعمارة لعام 2010، والتي فازت بها الهيئة عن مشروع التأهيل البيئي للوادي.

ويجد رواد وادي حنيفة في المكان موقعا مميزا يزيح عنهم هموم المدينة، لما يوفره من بيئة طبيعية تم تطويرها بما يتوافق مع ما يتيحه الوادي من فرص ملائمة للاستجمام من دون تكبد عناء الذهاب إلى مناطق بعيدة عن العاصمة، نظرا لأن الوادي يتشعب في العاصمة، كشرايين يزودها بالحياة.

ولوادي حنيفة حضور قوي في التاريخ العربي القديم، كونه أحد أهم أودية الجزيرة العربية، حيث تحكي معالمه عصور غابرة وحضارات بشرية متعاقبة، حيث كان الوادي ممرا لطرق التجارة التي تربط بلاد الرافدين بجنوب الجزيرة والحجاز، وأقاليم شمال جزيرة العرب بجنوبها.

ويجد الشاب يوسف العمر في وادي حنيفة فرصة جيدة لممارسة هواية المشي، حيث يزوره بشكل شبه يومي. ويقول «بيئة وادي حنيفة تشجع الراغبين في ممارسة رياضة المشي على قصد هذا الموقع، حيث يوفر الوادي بيئة صحية ملائمة، ومرافق جيدة، وتم تصميم الممشى بطريقة جميلة شجعتني على اتخاذه مكانا لممارسة هذه الرياضة».

وكان وادي حنيفة مصدر حياة للكثير من القرى والتجمعات البشرية التي قامت حوله، حيث ينسب عدد من المؤرخين وجود العاصمة السعودية الرياض وعدد من التجمعات المحيطة بها، إلى ما كان يوفره وادي حنيفة لهذه التجمعات، نظرا لكونه المصدر الرئيسي للماء والغذاء، واشتهر الوادي منذ القدم بالكثير من الحضارات التي قامت على جانبيه حتى أصبح مشهورا على نطاق الجزيرة العربية على مدى التاريخ. وكشفت بعض الدراسات العلمية الحديثة أن المقتنيات الأثرية الموجودة على ضفاف وادي حنيفة تدل على استيطان الإنسان لضفاف الوادي منذ القدم.

وقامت الهيئة العليا لتطوير منطقة الرياض بسلسلة مشاريع ضخمة، لإعادة تأهيل الوادي، حيث أطلقت مشروع تطويره، ليصبح الوادي متنفسا حقيقيا للرياض، وأنفقت ما يقارب 600 مليون ريال، في سبيل إعادة إحيائه وتأهيله بشكل يليق بالعاصمة.

ويرى نايف اليوسف، أحد أهالي منطقة الرياض، في الوادي خصوصية تناسب الأسرة السعودية.

وفرضت الهيئة ضوابط عمرانية لتطوير المواقع التاريخية في الوادي، لحفظ الخصائص العمرانية والتاريخية، وتطويرها ثقافيا وبيئيا واجتماعيا، وربطها بالأحياء المحيطة بالوادي، وحمايتها من امتداد الممتلكات الخاصة عليها، فضلا عن أعمال الصيانة المباشرة لأعمال التشجير والتنسيق، وتحديد أهداف الرعاية للوادي، والمشاركة الطوعية من قبل الأفراد والمؤسسات.

مشروع إعادة تأهيل وادي حنيفة قام أيضا بإعادة تنسيق المرافق العامة في المكان، لتحسين المتطلبات البيئية الحساسة، عن طريق تحويل جميع خطوط المرافق الهوائية إلى خطوط أرضية، بالتنسيق مع الجهات المسؤولة عنها. وكذلك تحديد منطقة ممتدة بطول الوادي، تكون ممرا لخطوط المرافق المحلية المارة عبر بطن الوادي تغذي الجهات المستفيدة بالخدمات عبر هذا الممر حسب مواصفات محددة.

وحددت في هذا الممر مسارات للخدمات العامة (مياه شرب، وكهرباء، وهاتف) عبر خرائط تفصيلية. وجرى خلال المشروع إنشاء طريق للسيارات بطول بلغ نحو 43 كيلومترا، ينطلق من شمال العاصمة، تحديدا من سد العلب في الدرعية، ويتجه ناحية الجنوب وصولا إلى طريق المنصورية، بعرض يتراوح بين 6 و9 أمتار، ويمكن التنقل بين هذه المتنزهات عبر هذا الطريق، الذي تم رصف جوانبه بأسلوب معماري جذاب، يبعث بالسرور والمتعة على مرتادي الوادي.

ويجد أنور فهمي، أحد المقيمين في الرياض، في وادي حنيفة، مقرا ملائما للتنزه العائلي، ويقول «يوفر الموقع جلسات جميلة، مصممة بطريقة مميزة، تتيح فرصة الشواء والاستمتاع بالأجواء اللطيفة، كما يوفر الموقع مرافق عامة تشجع على قضاء إجازات نهاية الأسبوع في الوادي».

الطريق تم إنشاؤه في مسار جانبي من بطن الوادي، بحيث يكون محاذيا لممر الخدمات، ولا يسير في المنتصف كإجراء احترازي لحماية الطريق من السيول، كما جرى إنشاء 22 جسرا ومعبرا عند تقاطعه مع القناة، إضافة إلى ذلك فقد تم تنفيذ عبّارات على الطريق للوصول إلى الأودية الفرعية، وبعض مداخل المزارع التي تقع فوق قناة المياه دائمة الجريان، وهو ما أدى إلى تحسين نقاط الاتصال بين مدينة الرياض والوادي.

واشتملت أعمال تحسين شبكات الطرق وتطويرها في المشروع على أعمال الإنارة في محاذاة طريق السيارات وممرات المشاة، من خلال تركيب 2500 عمود إنارة، بالإضافة إلى 600 وحدة إنارة للجسور ومناطق متفرقة من الوادي، إلى جانب تنفيذ مصليات في الأماكن التي لا تتوافر فيها مساجد، وتشييد 30 مبنى لدورات المياه للرجال والنساء موزعة على طول الوادي، فضلا عن إنشاء مواقف جانبية للسيارات تتسع لأكثر من 2000 سيارة، وتجهيز مواقع للأكشاك وحاويات المخلفات.

أما ممرات المشاة فتمتد بطول 47 كيلومترا، في أبرز المناطق الجمالية المتوافرة على طول الوادي، بالإضافة إلى ممرات مرصوفة بطول 7.4 كيلومتر. وجرى اختيار مواقعها في محيط التكوينات الصخرية البديعة والمناطق المشجرة، وبالقرب من مجاري المياه، مع مراعاة سهولة الوصول إلى هذه الممرات عبر مواقف السيارات المنتشرة حول الضفتين. وتتكون ممرات المشاة من مسارات ترابية مرصوفة لسهولة المشي عليها، وعربات الأطفال والمعاقين، وهي محمية بأكتاف من التكوينات الصخرية تعمل كمحددات للممرات، ومزودة بأماكن للجلوس ومواقع مهيأة كاستراحات للتنزه.

ووصولا إلى إيجاد بيئة نباتية تلائم بيئة الوادي، انطلقت عملية إعادة الغطاء النباتي في مشروع تأهيل وادي حنيفة على عدد من الأسس، من أبرزها إعادة غرس النباتات التي سبق أن كانت من مكونات الوادي في السابق، واعتماد مستوى تشجير يمكن الحفاظ عليه بقدرات الوادي الطبيعية الذاتية من مياه سطحية وجوفية.

وقد تم في هذا المجال غرس 30 ألف شجرة صحراوية في بطن الوادي، وغرس نحو 7000 نخلة، ونقل 2000 شجرة صحراوية إلى الوادي كأشجار الطلح والسمر والأثل، وغرس 50 ألف شجيرة عن طريق الاستزراع من البذور والشتلات الجاهزة.

المهندس عبد اللطيف آل الشيخ، رئيس مركز المشاريع والتخطيط بالهيئة، اعتبر أن الفوز بجائزة الآغا خان العالمية 2010، اعتراف عالمي من مؤسسة مهنية برؤية رئيس الهيئة الثاقبة، التي انعكست على تنمية وتطوير مدينة الرياض منذ توليه إمارتها قبل أكثر من 50 عاما.

واعتبر عضو الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض ورئيس مركز المشاريع والتخطيط بالهيئة، أن هذه الجائزة تعبر عما وصلت إليه مدينة الرياض من تقدم في مجال الاعتناء بالبيئة الطبيعية، وتطوير مستدام لمواردها البيئية النادرة، بما يضمن رفاهية العيش لأجيال الحاضر، ويحافظ على حقوق الأجيال في المستقبل.

وبيّن أن مشروع التأهيل البيئي للوادي أثمر عن تحسين ذلك، وأوجد مصدرا استراتيجيا للمياه المستخدمة في الشؤون الزراعية والصناعية، وبالتالي أدى إلى الاستفادة من موارد الوادي الطبيعية وجذب الاستثمارات من القطاعين الخاص والعام في مجالات الزراعة والسياحة والترفيه.

ونوهت هيئة التحكيم في الجائزة بأن مشروع التأهيل البيئي لوادي حنيفة في مدينة الرياض نجح عبر التخطيط الحساس الواعي للقيم الاجتماعية والحلول الإبداعية الطبيعية التي تراعي البنية التحتية، في تحويل ظاهرة طبيعية كبرى من مكان خطير يعج بالنفايات إلى بيئة بديلة للتنمية الحضرية. كذلك، حصد مشروع التأهيل البيئي لوادي حنيفة الكثير من الجوائز العالمية كغيره من برامج التطوير التي تبنتها الهيئة العليا لتطوير الرياض، حيث حصل المشروع على جائزة مركز المياه في واشنطن بالولايات المتحدة الأميركية كأفضل خطة لتطوير مصادر المياه على مستوى العالم لعام 2003، من بين 75 مشروعا قدمت من 21 دولة.

واعتبرت لجنة تحكيم الجائزة، والمكونة من عدد من الخبراء يمثلون مختلف دول العالم، أن «هذا المشروع يمثل بادرة رائدة في المخططات الشاملة»، كما وصف المخطط بأنه «مشروع عالمي، ويضع معايير عالمية جديدة».

وفاز مشروع التأهيل البيئي لوادي حنيفة بالمركز الثاني والجائزة الذهبية في جانب المشاريع البيئية، في جائزة مؤسسة الجائزة العالمية للمجتمعات الحيوية في لندن ببريطانيا لعام 2007.