«ميدان التحرير».. ألبوم مفتوح لذكريات المصريين

الأطفال نافسوا الكبار والتقطوا صورا فوق الدبابات.. وعروسان احتفلا بزفافهما بين المتظاهرين

TT

«ألبوم الذكريات».. صفة جيدة اكتسبها «ميدان التحرير» بقلب العاصمة القاهرة، الذي تحول على مدار 18 يوما إلى مسرح عمليات الثورة المصرية التي أطاحت بالنظام الحاكم وغيرت وجه الحياة في مصر.

الصفة الجديدة تنضاف إلى صفات أخرى اكتسبها الميدان في خضم الأحداث، فهناك من أطلقوا عليه «ميدان الشهداء » و«ميدان الحرية» و«ميدان التغيير»، وطالبوا بتغيير اسمه رسميا إلى إحدى هذه الصفات الثلاث. وعلى الرغم من سخونة المشهد سياسيا وأمنيا على مدار أيام الثورة، آثرت الكثير من الأسر المصرية، مشاركة الشباب المطالب بتغيير النظام، ولو على سبيل التذكار، فاصطحبوا أطفالهم وأصدقاءهم، وذهبوا إلى الميدان المتوتر، وسمحت قوات الجيش للأطفال والكبار بتسلق الدبابات، والتقاط الصور التذكارية، كما ساهم جو الأغاني الوطنية الحية التي شارك فيها عدد من شباب المطربين في جذب آلاف من الناس، كذلك الورش الفنية التي أقامها عدد من الفنانين التشكيليين بالميدان لتصاحب رسوماتهم الشعارات السياسية، مما أضفي ملمحا كرنفاليا على «ألبوم الذكريات» بالميدان، تتضافر فيه الأغاني والرسوم الكاريكاتيرية واللافتات، يرافقها روح المرح والدعابة.

في ظلال هذا الألبوم، شهد الميدان أول حالة زواج بين اثنين من المتظاهرين، فالعريس هو الشاب أحمد سعفان ويعمل طبيب أمراض نفسية، والعروس هي علا وتعمل بإحدى الجمعيات الخيرية، أصرا على عقد قرانهما وسط آلاف المتظاهرين وعلى أنغام الأغاني الوطنية. وأوضح العريس «سعفان» أنه كان يعد لعقد قرانه منذ أسبوعين قبل بدء مظاهرات الثورة في يوم 25 يناير (كانون الثاني) الماضي، إلا أن استمراره هو والعروس في التظاهر والمطالبة برحيل مبارك حال دون عقده مع أقاربهما، لكنهما انتهزا فرصة وجود جميع أصدقائهما في الميدان وقررا عقد القران حتى يشاركهما الجميع في الفرحة، وحتى يراه جموع المصريين. بينما أشارت العروس إلى أنهما أرادا أن يوصلا رسالة إلى جميع المصريين أن دماء الشهداء الذين سقطوا خلال الأيام الماضية لن تضيع هدرا. الطريف أن العريس ارتدى «تي شيرت» عاديا وبنطلون جينز وكانت العروس ترتدي ملابسها العادية مثلما تخرج للعمل، لكن ذلك لم يمنعهما من أن ينالا تهنئة آلاف المتظاهرين وتصفيقهم ومباركتهم بعد أن جابا الميدان بعد إتمام مراسم القران.

حالة الميدان وجو الغضب الذي عمه، أغرى الكثير من المصريين بالزيارة، فبابتسامة نقية لوح طفل من فوق دبابة، وهو سعيد بفلاشات عدسة التصوير، الابتسامة نفسها اتسعت قليلا في لقطة أخرى تضم مجموعة من الصبية مع أحد الجنود أمام إحدى الدبابات، كما تلاحقت اللقطات نفسها وسط اندلاع المظاهرات. الطريف أن العديد من هذه الصور تناقلتها الفضائيات ومواقع الإنترنت خاصة الـ«فيس بوك»، وهو ما ساهم في ترويجها، حيث أصبحت الدبابات والمدرعات هي أفضل المشاهد التي يتسابق الجميع إلى التصوير معها، كتذكار على أنهم كانوا هنا، في لحظات حاسمة من تاريخ بلدهم، كما أن مشهد المعدات الحربية في الشارع لم يعد مشهدا غريبا وغير مألوف على أعين المصريين، يشاهدونه على شاشات التلفزيون فقط، وهو ما جعل العديد من المصريين خاصة الشباب يغيرون صورهم على مواقع الإنترنت خاصة مواقع التواصل الاجتماعي إلى تلك الصور التي التقطوها وهم أعلى الدبابات والمدرعات.

يقول علي صلاح الدين، (28 عاما)، الذي التقط صديقه صورا له أعلى إحدى الدبابات المنتشرة في ميدان التحرير: «أجد في تلك الصورة توثيقا لما يجري الآن في مصر من أحداث، وأرى أنها ستكون في المستقبل البعيد أجمل قصة يمكنني أن أرويها لأبنائي وأحفادي، وأفخر أمامهم بأنني كنت في قلب الأحداث وليس بعيدا عنها».

أما الأب حامد محمد، فتوجه إلى إحدى الدبابات وبعد استئذان الجنود ساعد طفلته الصغيرة إلى الصعود إليها لكي يلتقط لها صورا وهو تمسك بالعلم المصري بإحدى يديها، وباليد الأخرى ترفع علامة النصر وسط الجنود.

وشهدت أركان متعددة من ميدان التحرير احتفالات فنية وغنائية قام بها المتظاهرون خلال أوقات استراحتهم من التظاهر، سواء في النهار أو الليل، فكان المشهد الأبرز هو انطلاق الأغنيات الوطنية من سماعات الـD.G التي انتشرت وعلقت على أعمدة الإنارة بالميدان، وظلت تبث على مدار ساعات اليوم ومنها أغنيات «صورة.. صورة.. كلنا كدا عايزين صورة» للفنان عبد الحليم حافظ، و«يا حبيبتي يا مصر» لشادية، و«مصر تتحدث عن نفسها» لأم كلثوم، وغيرها من الأغنيات الشهيرة التي أثارت حماس المتظاهرين وتجاوبوا معها بالتصفيق والغناء الجماعي.

وفي البوم ذكريات الميدان، ستجد من يمسك بالدف ويقوم زملاء له بالغناء الشعبي من حوله وترديد هتافات تشجب وتندد بالنظام، بشكل لفت أنظار الكثيرين في الميدان وجعلهم يلتفون حول هذا اللون من الغناء، ويتجاوبون معه بالتصفيق والترديد خلف من يقوم بالغناء. أيضا مشاهد أخرى لشباب وفتيات من المتظاهرين تجمعوا في حلقات، يقوم أحدهم بالعزف على العود أو الغيتار، بينما يقوم الآخرون بالغناء على الأنغام الصادرة. ولن ينسى زائرو الميدان، فور دخولهم إليه مجموعة من الشباب اصطفوا على الجانبين يستقبلونك بالهتافات على دقات أيديهم مثل «نورتونا وشرفتونا»، «مرحب مرحب بالثوار.. يالا انضموا للأحرار».

شهد الميدان أيضا زيارة بعض أصحاب الأعراس الأخرى بعد الانتهاء من أعراسهم في القاعات المخصصة لعقد الأفراح، جذبهم التصوير مع الدبابات وجنود الجيش وهم يرتدون ملابس العرس البدلة والفستان الأبيض، حيث فضلا توثيق أعراسهم بتلك الطريقة وعرضها على مواقع التواصل الاجتماعي مثل «فيس بوك»، لكي يشاهدها كافة أعضاء الموقع.