وحديث راف فاينس عن شكسبير كمحلل سياسي درجة أولى

راف فاينس في «كوريولانوس»
TT

أكثر كتاب السينما انتشارا في تاريخها وحول العالم هو ويليام شكسبير الذي حين مات سنة 1616 لم تكن السينما وُلدت رغم أنها حينها كانت تحت التأسيس بفضل نظريات الضوء التي نضح بها ابن الهيثم في القرن التاسع ميلادي وتداولها علماء وباحثون إلى أن توصلوا إلى توظيف كل ما تراكم من هذه الدراسات في منتصف ثمانينات القرن التاسع عشر وما بعد.

الوجهة الوحيدة لكتابات ويليام شكسبير كانت المسرح وهو وضع طنا من المؤلفات الكوميدية والتراجيدية من دون أن يعلم أنه سيغزو بها عالما مختلفا هو عالم السينما. لم ير سينمائيون عاشوا في عصر النقلة من القرن التاسع عشر إلى العشرين أن حجم المسرحيات يعتبر مانعا إذا ما تم نقلها إلى أفلام من خمس وسبع دقائق، بل فعلوا ذلك بإقبال شديد على «ماكبث» و«الملك لير» و«هاملت»، وهذه الروايات وفوقها لاحقا «ريتشارد الثالث» و«هنري الرابع» و«هنري الخامس» و«كل ذلك اللغط حول لا شيء» و«الليلة الثانية عشرة» و«روميو وجولييت» وغيرها كانت من بين أكثر ما تردد على الشاشة من أعماله.

«كوريولانوس» (أو «تراجيديا كوريولانوس» كما كان عنوانها الأول) التي وُضعت ما بين 1605 و1608 كانت من بين أقل المسرحيات استنساخا إلى الشاشة. هناك محاولة من الفرنسي جان كوكتو سنة 1950 وفيلم تم تصويره بفيديو مبكر سنة 1979 وفيلمان تلفزيونيان أحدهما سنة 1965 والثاني سنة 1984 ثم... فيلم حالي أخرجه الممثل راف فاينس وقام ببطولته وعرض يوم أمس (الاثنين) في دورة برلين الحالية.

تاريخ راف فاينس السينمائي يعود إلى ما قبل فيلم «لائحة شيندلر» عندما استعان به ستيفن سبيلبرغ بعدما شاهده في فيلم «مرتفعات وذرينغ» سنة 1992 وإذ تتسبب «لائحة شيندلر» في رواج الممثل الذي لعب فيه دور الضابط النازي الذي يسعده قتل اليهود، انطلق لاحقا لاعبا أدوارا كثيرة بإجادة مميزة فشوهد في دور اليهودي الذي ينتقل بين الشخصيات طالبا التقرب من النازيين في «سنشاين» لاستيفان شابو وفي دور الشخصية الخيالية يوجين أونجين التي وضعها الروسي ألكسندر بوشكين في «أونجين»، كما في أفلام أكثر رواجا من بينها «الحدائقي المثابر» و«خادمة في مانهاتن» و«اللص الطيب»، وبالطبع أفلام أخيرة من سلسلة «هاري بوتر» المعروفة.

* «كوريولانوس» هو فيلمك الأول مخرجا.. لماذا النقلة إلى هذا الجانب من العمل السينمائي؟

- هذا سؤال يفتح مجالا لإجابة طويلة أو إجابات كثيرة في الحقيقة. ربما من باب الإيجاز أن أقول إن هناك أسبابا أعتقد أنها ماثلة في الفيلم، ومن بينها حبي لهذا العمل الذي لم تتطرق إليه السينما كثيرا من قبل. وحبي للمادة الشكسبيرية بوجه عام ولهذه المسرحية على نحو خاص. لكن من ناحية أخرى، لأن الإخراج هو نقطة إيجابية أعتقد أن كل الممثلين يفكرون بها على الأقل مرة واحدة في حياتهم المهنية. بعضهم يقدم عليها وبعضهم يحجم عنها.

* وماذا عن المسرحية ذاتها، لماذا اخترتها لتكون عملك الأول في هذا المجال؟

- إلى حد بعيد هي التي اختارتني. كل أعمال شكسبير مثيرة للممثل على المسرح وفي السينما لأنها ببساطة أعمال جيدة في نصوصها سواء أكانت تراجيدية أو كوميدية ساخرة. لكن هذه المسرحية أكثر من غيرها على ما أعتقد تتضمن السبب في أن شكسبير كان عبقري كتابة ويستحق هذا التخليد الذي يواكبه إلى اليوم: إنها تراجيديا بشخصية مركبة كما شخصية ماكبث، لكنها ليست شخصية ملك أو من الأسرة الحاكمة كما في «ماكبث» و«هاملت» وغيرهما، بل شخصية محارب إيطالي. البعض يضعها في مستوى التراجيديات الأشهر منها، وبعضها يرفعها إلى ما يناهزها قيمة. ما أعرفه بالتأكيد أنني وجدت فيها كل ما يطلبه الفنان من تحد. هذا ليس حكرا عليها من بين مسرحيات شكسبير، لكنه عاملا حاسما بالنسبة إليها.

* كيف تم اتخاذ القرار بتطويرها من زمنها السابق إلى الزمن المعاصر؟

- هذه المسرحية تتيح هذا الانتقال أساسا وتكشف عن أن الكثير مما نقله شكسبير عن شخصيات واقعية وأحداثها، لا يزال يحدث على نحو أو آخر اليوم. المؤسف أنه ليس لدينا شكسبير جديد يكتب عنها. ما لدينا هو منهج ويليام شكسبير في التعرض إلى تصرفات الشخصيات التاريخية (التي لم تكن بعيدة عن مداركه آنذاك) ليسبر غور أوضاعها وظروفها السياسية. لقد أعجبني كيف قامت جوليا تايمور بعملية نقل مماثلة قبل سنوات حين قدمت «تاتيوس» في مزيج من الماضي والحاضر. كذلك ما فعلته في «العاصفة» رغم أنها لم تعمد إلى نقل الأحداث بل نقل الشخصية الرئيسية من رجل إلى امرأة. فكرت أنني أريد أن أقوم بالحديث عن أوضاع اليوم من خلال نص الأمس. لذلك حافظت على النص الكلاسيكي بأسره. لم أرد أن أضحي به أو أتنازل عنه.

* ذكرت ذات مرة أن منهجك في تحضير أي دور تقوم به هو العودة إلى المصدر وقراءته. بذلك لا تحتاج إلى معايشات أخرى مثلا. هل هذا لا يزال المنهج الذي قمت به لإخراج ولتمثيل هذا الفيلم؟

- صحيح وخصوصا في هذه الحالة. إذا ما قرأت المسرحية، أو أي مسرحية لشكسبير تجد كل ما تبحث عنه موجودا هناك. التفاصيل الصغيرة المهمة لتكوين الطريقة التي ستساعدك في التعبير إلى جانب الأحداث التي تترك لك مجال تخيل الفيلم كاملا وكيف ستتناوله. لك حرية التمثيل أو للتحديد أكثر حرية أن تمثل الشخصية بفنك الخاص، لكنها ليست حرية مطلقة لأن الممثل عليه أن يستجيب لشروط وضعها شكسبير في نثره وحواراته تحددها. إنها عملية صعبة للغاية ومليئة بفرص زلات القدم لكن هذا هو سبب من أسباب حماس الفنانين لها. كما قلت هذا هو التحدي.

* الجمهور العربي يتذكرك بإعجاب في «المريض الإنجليزي».. ما هي الذكريات التي ما زالت في بالك من ذلك الحين؟

- صورنا في تونس وكان علينا الاستيقاظ باكرا في كل يوم لكي نلحق التصوير في الصباح، فكنا نغادر الفندق قبل شروق الشمس ونصل إلى مكان التصوير بعد شروقها بقليل. أتذكر شروق الشمس واختلاف الضوء واللون في الطبيعة. إنه منظر رائع خصوصا أنني أحب الصحراء. بالنسبة إلى الصحراء هي رمز للحرية والمكان الطبيعي لإنسان يبحث في بديل عن حياة المدينة. لكننا نعمل جميعا في المدينة وبالنسبة إلي علي انتهاز مثل تلك الفرص القليلة التي تتيح متابعة حياة بكر بالغة الجمال.